هل نسلم بما وصل إلينا من أحاديث الرسول كما لو كانت منزلة من السماء ونساوى بين آراء واجتهادات البشر والنص الإلهى! أم ندعو علماءنا المتخصصين الثقاة أن يراجعوا السنة المشرفة وينقوها بالرجوع إلى الآيات البينات المحكمات فى القرآن الكريم؟!

إن المتأمل لما يصدر عن بعض الفقهاء من فتاوى سيجد أنها تستند كلية إلى أقوال واجتهادات فقهاء آخرين عاشوا منذ ألف عام، بل إن بعضهم لا يستنكف أن يصدر فتوى تتعارض تماما مع ما جاء صريحا مباشرا فى كتاب الله الحكيم! وآخر تلك الفتاوى ما أعلنه فضيلة المفتى الأسبق نصر فريد واصل (فى فبراير 1997م) بأن المرأة المسلمة لا يجب أن تتقلد المناصب العليا! وقد استند فى فتواه هذه على حديث منسوب إلى الرسول "عليه الصلاة والسلام" يقول ما معناه (ما أفلح قوم ولوا أمرهم امرأة)، فما صحة هذا الحديث؟!

إن النص الإلهى يخالف هذا القول، والقرآن الكريم يحكى عن قوم أفلحوا لأن ملكتهم كانت امرأة، هى بلقيس ملكة سبأ التى وصفت بأنها {ُامْرَأَةً تَمْلِكُهُمْ وَأُوتِيَتْ مِن كُلِّ شَيْءٍ وَلَهَا عَرْشٌ عَظِيمٌ}  سورة النمل الآية 23.

 فهى إذن – كما جاء فى القرآن – سيدة القوم وولية أمرهم، وكانوا قوما يعبدون الشمس ويسجدون لها من دون الله {ِوَزَيَّنَ لَهُمُ الشَّيْطَانُ أَعْمَالَهُمْ فَصَدَّهُمْ عَنِ السَّبِيلِ فَهُمْ لاَ يَهْتَدُونَ }، وعندما وصل كتاب سليمان إلى الملكة بلقيس لم تشأ أن تبت وحدها فى أمره بل كانت أحكم كثيرا من آلاف الرجال الذين حكموا قبلها وبعدها، وقررت أن تستشير أولى الأمر من قومها، وأن تناقشهم بالحكمة والمنطق {قَالَتْ يَا أَيُّهَا المَلأُ أَفْتُونِي فِي أَمْرِي مَا كُنتُ قَاطِعَةً أَمْراً حَتَّى تَشْهَدُونِ }  سورة النمل الآية 23، فكيف أجابها الرجال؟! لقد تغلبت عليهم نزعة الحرب ولم يفكروا فى العواقب واندفعوا يتفاخرون بقدرتهم وبأسهم {قَالُوا نَحْنُ أُوْلُوا قُوَّةٍ وَأُوْلُوا بَأْسٍ شَدِيدٍ}، ومع ذلك لم يجرؤ أى منهم على أن يصدر رأيا يخالفها وسلموا أمرهم وقيادهم تماما لتلك الملكة الحكيمة قائلين {وَالأَمْرُ إِلَيْكِ فَانْظُرِي فَانْظرِي مَاذَا تَأْمُرِينَ}.

ولو كان الحكام المسلمين على امتداد العصور السابقة وحتى يومنا هذا استرشدوا بتلك الآيات البينات لكانت أمة المسلمين أول من طبقت العدالة والمساواة وما يسمى اليوم بالديمقراطية.

إن الحاكم (سواء كان رجلا أو امرأة) لا يجب أن ينفرد بالرأى وليس مهما نوعه أو جنسه أو شكله أو عمره المهم رجاحة عقله وحكمته.

إنى أناشد علماء الإسلام فى مشارق الأرض ومغاربها وعلى رأسهم علماء الأزهر الشريف، أن ينقذوا مسلمى القرن الحادى والعشرين من المتاهات والترهات والخرافات التى أغرقهم فيها علماء السلف، وأن يقدموا للعالم الصورة الصحيحة المشرقة للإسلام التى تضعه بحق دينا لكل مكان وزمان.

إن أغلب تلك الفتاوى أصدرها مسلمون لهم شأنهم العظيم ومكانتهم السامقة، ولكنهم عاشوا فى عصور سابقة، وعندما فسروا النصوص الإلهية فسروها بعقلية تلك العصور، واستخرجوا منها الأحكام الشرعية والفتاوى التى تناسب شعوب الزمان والمكان اللذين عاشوهما.

ولقد كانت لأولئك العلماء والأجلاء آراء مضيئة وكانت لفتاواهم الحكيمة أبلغ الأثر فى تهدئة نفوس المسلمين وهدايتهم إلى السبيل وإضاءة عقولهم بنور الإسلام لعصور طويلة فما الاعتراض إذن؟

المصدر: بقلم : إقبال بركة
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 483 مشاهدة
نشرت فى 28 يونيو 2018 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,839,189

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز