أسئلة عديدة يطرحها العقل عند رؤيته لمشاهد العقوق ونكران الجميل من قبل أبناء تناسوا ما قدموه لهم أباؤهم من إحسان فى صغرهم، وقصص يعتصر لها القلب ضحاياها رجال ونساء عانوا الوحدة بعد أن أفنوا حياتهم فى تربية فلذات أكبادهم الذين يتعذرون بأسباب لغيابهم وإهمالهم لهم.

فى جولتنا التالية نستعرض شكاوى كبار السن من أبنائهم، ومعاناتهم مرارة غيابهم وإهمالهم لهم..

جولتنا تبدأ مع "م .ع" البالغ من العمر 65 عاما والذى كان يعمل مديرا بوزارة التربية والتعليم فيقول: خمس سنوات مرت علي بعد أن تركت عملي، أحسست خلالها بفراغ يجتاح حياتي خاصة بعد وفاة زوجتي وانشغال أبنائى بحياتهم، فى كل يوم أستيقظ صباحا أتصفح المواقع الإخبارية وأجلس في شرفتي أنظر للمارة وأنتظر يوم الجمعة لأرى أحفادي وأولادي، حتى أصبحت الوحدة صديقتي وعدوتي في آن واحد، كنت أظن أن أولادي سيبحثون عن الوقت لتقضيته معي لكنهم بدلا من ذلك قدموا الأعذار لإهمالهم لى، وفى المقابل أتشوق لرؤيتهم ومعرفة أخبارهم.

أما أم يونس ذات الـ 63سنة فلديها وزوجها البالغ 71 عاما 7 أبناء فتقول: أصبحت أشعر أنا وزوجي أننا عبء عليهم حيث يأتون إلينا بالتبادل وكأنهم لا يريدون القدوم والاطمئنان علينا، ونحن نعي ذلك جيدا فأنا من ربيتهم وأعرف ما يفكرون فيه دون أن يتحدثوا به، ورغم أننا لا نريد منهم أى مساعدة إلا أن كلا منهم انشغل بحياته وأولاده وتناسونا تماما وأصبحنا لا نخطر ببالهم إلا من وقت لآخر، فهل هذا هو جزاء تربيتنا لهم؟ إهمال وقطيعة؟!

قسوة وبعد

"خايف أموت بمفردى دون أن يعرف أحد" هذا ما بدأ به الحاج محمود صاحب الـ 76 عاما حديثه، وقال: أصبحت بعد موت زوجتي مقطوع من شجرة ولدي الوحيد قرر فجأة أن يسافر إلى إحدى الدول العربية، ومنذ عشر سنوات لم يزرنى بل يكتفى بالاتصال بى والاطمئنان على صحتى، ورغم أننى أخبرته بحاجتى إليه إلا أنه لم يفكر يوما فى القدوم إلى مصر معللا ذلك بانشغاله بالعمل وتأمين مستقبل أولاده.

أما السيدة نعمات محسن فرغم أن أبناءها يعيشون معها فى نفس العمارة إلا أنهم يأتون إليها كالضيوف من يوم لآخر، وتقول: أجلس في بيت عائلة، زوجي الذى بناه لنا ولأولادي رحمه الله، وتزوج كل واحد من أبنائي الذكور في دور وبنتاي تزوجا في مناطق بعيدة عني، أصبت بمرض في قدمي بحكم تقدمى فى السن ما جعلنى عاجزة عن خدمة نفسى، ورغم أنهم يسكنون فى نفس العمارة إلا أنهم لا يمرون علي إلا كل فترة، ما أشعرنى أننى أصبحت عبئا عليهم بالحزن خاصة وأن زوجاتهم لا يرغبون فى خدمتى.

يقول الحاج عبدالهادي، 73 سنة: كنت أعمل نجارا وحين أصابنى العجز لم أعد قادرا على الكسب، ما جعلنى أنتظر إحسانا من أبنائى الذين أفنيت صحتى وقوتى على تربيتهم، ورغم تأكدهم أنه ليس لى دخل سوى ما يعطونى إياه إلا أنهم أهملونى وعلاجى ما دفعنى إلى القدوم لأحد دور الرعاية.

"أنا لست كرسيا" بدأ سيد نعيم محامي متقاعد حديثه ويقول: بعد وفاة زوجتى انتقلت للعيش مع ابنى الوحيد، ورغم أنه بار بى إلا أنه يعاملنى على أننى غير مدرك لما أتحدث به أو أفعله، ما جعله يهملنى ولا يأخذ برأيي رغم أنه يعمل فى نفس مهنتى التى كنت أعمل بها الأمر الذى أشعرنى بعدم وجودى، فأنا لست جمادا فى المنزل أرغب فى أن يشركونى في حياتهم ويشعرونى بأهميتى وقيمة وجودى.

طريقة تعامل

يعلق د. جمال فرويز، استشاري الطب النفسي، على شكاوى الآباء من كبار السن ويقول: يجب أن تحدد طريقة التعامل مع المسن على حسب سنه وقدراته الجسدية والعقلية، فإذا كان المسن قدراته الجسدية جيدة علينا تشجيعه على الاستمرار في العمل حتى إذا كانت أعمال بسيطة أو إشرافية ومشاريع صغيرة، أما إذا أصابه المرض علينا بمساندته نفسيا وإدماجه في العائلة والأخذ برأيه والاستفادة من خبراته، وعلينا أن نعلم أنه من غير المستحب نقله من منزله فهذا يشعره بأنه لم يعد مركز العائلة خاصة مع مصابي مرض الزهايمر، كما يجب الاطمئنان عليه بشكل مستمر سواء بالزيارة أو بالاتصال التليفوني الدوري لأكثر من مرة في اليوم فهو جزء ونسيج في العائلة.

أما د. هالة يسري، أستاذ علم الاجتماع وخبيرة الاستشارات الأسرية فتقول: يشعر كبار السن فى المناطق الريفية والصحراوية بقيمتهم بسبب اندماجهم فى أسرهم وكذا في الصعيد حيث يتمسك أفراد المجتمع بالعادات والتقاليد التى تلزم الصغير باحترام وتقدير الكبير، أما في الحضر والمجتمعات المتقدمة فتتجلى نظرية الفردية وحيث يعلو صوت الفرد على الجماعة، ولكل عالمه الخاص ما أفرز تفككا أسريا داخل المنزل الواحد الذى بات يجمع بين الأفراد وليس عقولهم وقلوبهم وهو ما يجعل كبار السن يعانون العزلة والوحدة، لذا أنصح آباءنا من كبار السن أن يصنعوا عالمهم الخاص بهم وأن يجدوا اهتماماتهم الشخصية ويكونوا صداقات تخفف عنهم حدة الوحدة وتشعرهم بجمال الحياة، كما أدعو إلى تنظيم دورات تدريبة لتأهليهم نفسيا واجتماعيا للاستفادة من وقتهم والبحث عن طموحاتهم التى تاهت فى زحمة تربية الأبناء.

المصدر: كتبت : ابتسام أشرف
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 582 مشاهدة
نشرت فى 15 نوفمبر 2018 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,698,894

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز