عبر أثير الإذاعة المصرية ظل صوت الشيخ نصر الدين طوبار علامة رمضانية مميزة بصوته الملائكي الخاشع وكلمات ابتهالاته المنتقاة بعناية والتي رغم فصاحة عباراتها إلا أنها كانت قريبة من قلوب عشاق صوته على اختلاف طبقاتهم ومستوياتهم.
ولد الشيخ نصر الدين طوبار عام 1920 بالمنزلة في محافظة الدقهلية، وبعد إتمامه حفظ القرآن الكريم بدأ في تلاوته في مختلف المناسبات الدينية بقرى ومراكز محافظته فذاع صيته، ونصحه البعض بالسفر إلى القاهرة والتقدم إلى اختبارات الإذاعة لكنه رسب 5 مرات متتالية، ورغم ذلك اشتد إصراره على إثبات نفسه وصوته فتقدم للمرة السادسة لدخول اختبارات أصوات قراءة القرآن والإنشاد الديني، لكنه لم ينجح إلا في المرة السابعة حتى اعتمدته الإذاعة قارئا ومبتهلا عام 1956.
أكسبته دراسته لعلوم اللغة العربية وحفظه القرآن الكريم القدرة على الإحساس بالنص الشعري الذي يؤديه، والتمكن في تجسيد المعاني التي ينشدها، واختيار المقامات الموسيقية الملائمة لها، فكان في الحزن الشديد يقرأ من مقام "الصبا"، وفي حالة الوجد يقرأ من مقام "النهاوند"، أو "البيان" أو "الحجاز"، وكان يرى دائما أن الابتهال ليس مجرد صوت جميل لكن تدريب صوتي على القراءة الصحيحة المتمكنة.
ويعد الشيخ طوبار أحد مؤسسي فن الابتهال حيث اعتمد على المناجاة الباكية الخاشعة والكلمات المنتقاة بعناية، إضافة إلى صوته العذب وأدائه المليء بالشجن، ورغم ظهوره في فترة ثرية بعمالقة المبتهلين أمثال النقشبندي والفشني والفيومي والطوخي إلا أنه نهج لنفسه طريقا متفردا ومدرسة مميزة حيث اهتم بالأداء الفردي أكثر من أداء التواشيح الجماعية أو التي تؤدى مع بطانة.
عين قارئا للقرآن الكريم ومنشدا للتواشيح بمسجد الخازندارة بشبرا، وكان أول من أنشد احتفالًا بانتصار السادس من أكتوبر أمام الرئيس السادات الذي اصطحبه في زيارته للقدس عام 1977 بصحبة الشيخ مصطفى إسماعيل وعبد الباسط عبد الصمد وشعبان الصياد، وتم اختياره مشرفًا وقائدًا لفرقة الإنشاد الديني التابعة لأكاديمية الفنون بمصر في عام 1980، كما شارك في احتفالية مصر بعيد الفن والثقافة، وأنشد في قاعة ألبرت هول بلندن وذلك في حفل المؤتمر الإسلامي العالمي ليجوب صوته بعدها العديد من بلدان العالم العربية والأجنبية.
قدم الشيخ نصر الدين طوبار ما يقرب من مائتي ابتهال كتبها كبار الشعراء مثل أمير الشعراء أحمد شوقي وصالح جودت وعبد الفتاح مصطفى ومرسي جميل عزيز، كما ابتهل من الصوفية للبوصيري والحصري القيرواني ولحنها كبار الموسيقيين مثل بليغ حمدي وكمال الطويل منها: "يا مالك الملك، ومجيب السائلين، وجل المنادي، وسبحانك يا غافر الذنوب، وإليك خشوعي".
توفي الشيخ طوبار في السادس من نوفمبر عام 1986 تاركا إرثا جميلا بصوته الذي روى القلوب والآذان وربط أفئدة الناس بالمساجد، ومنحت الدولة اسمه نوط الامتياز من الطبقة الأولى عام 1991.
ساحة النقاش