كتبت : أماني ربيع

يعد مشهد السيدة نفيسة بالقاهرة أحد أكبر مشاهد آل البيت في مصر، يفد إليه المتعبون والراغبون في التقرب إلى الله ليجلسوا في كنف حفيدة رسول الله، وهناك يجدون السكينة والراحة، وقد وصفها الإمام الذهبي بأنها كانت "من الصالحات العابدات".

ولدت نفيسة بنت الحسن بن زيد بن سبط النبي الحسن بن علي رضي الله عنهما عام 145هـ بمكة المكرمة، ثم انتقلت وهي في الخامسة من العمر مع ذويها إلى المدينة المنورة، وأتمت حفظ القرآن في عمر الثامنة، وتلقت العلم في بواكير حياتها على يد علماء وشيوخ المسجد النبوي، وقبل أن تصل إلى سن الزواج لقبت بـ"نفيسة العلم" لسعة علمها وفطنتها.

وفي عام 161هـ تزوجت إسحاق المؤتمن ابن جعفر الصادق رضي الله عنه لتصبح كريمة الدارين، فجدها الحسن وجد زوجها الحسين رضي الله عنهما، وأنجبت القاسم وأم كلثوم.

لطالما أحبت السيدة النفيسة البقاء في كنف جدها الحبيب محمد صلى الله عليه وسلم في حرمه، كانت تضع الآخرة نصب عينيها وكأنها تتوق للقاء ربها وأجدادها الكرام، وحفرت قبرهابيديها، وكانت تنزل فيه وتصلي وتقرأ المصحف، وقيل إنها قرأت القرآن الكريم كاملا فيه مائة وتسعين مرة.

وكانت ابنة أخيها زينب التي انقطعت لخدمتها تقول: خدمتُ عمّتي السيدة نفيسة 40 عاما، فما رأيتها نامَت بلَيل، ولا أفطرت إلا العيدين وأيام التشريق.

فقلت لها: أمَا ترفُقِين بنفسِك؟

فقالت: كيف أرفق بنفسي وأمامي عقبات لا يقطعهن إلا الفائزون؟

وصلت السيدة نفيسة إلى القاهرة عام 193هـ في رمضان قبل أن يقدم إليها الإمام الشافعي بخمس سنوات، واستقبلها أهل مصر بالتكبير والتهليل، وأقبلوا على مجلسها يأخذون عنها العلم، وعندما كثر انشغالها بمجلس العلم وكثرة الزائرين ما شغلها عن العبادة، خرجت على الناس وقالت: "كنتُ قد اعتزمت المقام عندكم، غير أني امرأة ضعيفة، وقد تكاثر حولي الناس فشغلوني عن أورادي، وجمع زاد معادي، وقد زاد حنيني إلى روضة جدي المصطفى".

وعندما خاف الناس أن ترحل، خرجوا وتوسطوا لدى زوجها أن تبقى بينهم، وأصبح مجلسها يومين في الأسبوع يزورها الناس فيهما، وتتفرغ هي للعبادة باقي الأسبوع.

وعندما قدم الإمام الشافعي إلى مصر، توثقت علاقتهما، وكان يصلي التراويح في مسجدها كل رمضان، وكان إذا مرض، يرسل إليها لتدعو له، فلا يرجع الرسول إلا وقد شفى الشافعي من مرضه، فكانت معروفة بأنها مجابة الدعاء.

وعندما مرض الشافعي مرضه الأخير، أرسل للسيدة نفيسة يسألها الدعاء كعادته فقالت: متعه الله بالنظر إلى وجهه الكريم، فعلم الشافعي بدنو أجله، وكان قد أوصى بأن تصلي عليه في جنازته، ونفذت وصيته وصلت عليه حين وفاته عام 204هـ.

وبعدها بأربع سنوات، مرضت مرضا شديدا، وبقدوم رمضان كان اشتد عليها التعب وأقعدها عن الحركة، وأمرها الطبيب بالفطر، فقالت: "واعجبًا، منذ ثلاثين سنة أسأل الله تعالى أن ألقاه وأنا صائمة، أأفطر الآن؟! هذا لا يكون".

بعد ذلك قرأت بخشوع من سورة الأنعام حتى وصلت إلى قوله تعالى: {لَهُمْ دَارُ السَّلامِ عِنْدَ رَبِّهِمْ وَهُوَ وَلِيُّهُمْ بِمَا كَانُوا يَعْمَلُونَ}، ثم غابت عن الوعي، فضمتها زينب بنت أخيها وسمعتها تقول الشهادتين،وصعدت روحها إلى بارئها في السماء.

وبكاها أهل مصر، وعندما أراد زوجها دفنها في البقيع عند جدها، سأله أهل مصر أن يبقيها لديهم، فرفض، لكن في منامه رأى رسول الله صلى الله عليه وسلم يأمره بدفنها في مصر، فدفنها في القبر الذي حفرته بيديها.

المصدر: كتبت : أماني ربيع
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 365 مشاهدة
نشرت فى 15 مايو 2020 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,733,771

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز