كتبت : هايدى زكى

بصوت عال يشق عتمة الليل يصاحبه قرع على الطبلة الصغيرة ينادى المسحراتى "اصحى يا نايم وحد الدايم.."متجولا فى أنحاء الشوارع والميادين ينبه الجميع بموعد تناول السحور،واليوم مع ظهور وسائل التنبيه الحديثة اختفى هذا المشهد عن بعض الأحياء والمدن لكن بعضها مازال ينتظر المسحراتى خاصة الأطفال الذين يطالبونه بنداء أسمائهم..

فما قصته وكيف بدأ؟ وهل تغيرشكله وأدواته اليوم عن الماضى؟ وكيف نحافظ على ما تبقى من هذه المهنة؟هذا ما نعرفه معا فى السطور القادمة

البدايه مع أول مسحراتى فى التاريخ حيث عهد الرسول صلى الله عليه وسلمفكان الناس يعرفون السحور بأذان بلال بن رباح، ويعرفون الإمساك بأذان ابن أم مكتوم، فقد قال الرسول: "إن بلالًا يؤذن بليل فكلوا واشربوا حتى يؤذن ابن أم مكتوم".

ومع اتساع رقعة الدولة الإسلامية بدأ المسلمون يتفننون فى أساليب التسحير، وظهرت وظيفة المسحراتى فى الدولة الإسلامية، وأول من صاح بالتسحير فى مصر الوالى عنبسة بن إسحاق فى عام 23 هجرياولاحظ أن الناس لا ينتبهون إلى وقت السحور، فتطوع بنفسه لهذه المهمة وكان يذهب ماشيا من مدينة العسكر في الفسطاط إلى جامع عمرو بن العاص، بالإضافةإلىابن نقطةوهو من أشهر المسحراتية, وكان يتغنى بشعر يسمى "القوما" مخصص للسحور، وهو شعر شعبي له وزنان مختلفان، وقد أطلق عليه اسم القوما لأنهكان يقول: "يا نياما قوما.. قوما للسحور قوما" وفى العصر الفاطمى أمر الخليفة الحاكم بأمر الله الناس أن يناموا مبكرين بعد صلاة التراويح، وكان الجنود يمرون على المنازل ويدقون أبوابها ليوقظوا الشعب للسحور، وبعد ذلك عين رجلًا مخصوصًا للقيام بمهمة المسحراتى، كانت مهمته المناداة "ياأهل الله قوموا تسحروا" وكان يدق أبواب المنازل بعصا يحملها.

بعد ذلك تطور الأمر فكان "الزمزمي"حيث ينادي في مكان معين له ليسمع أهل مكة من أجل السحور، وكان يتبع طريقة خاصة بحيث يرخي طرف حبل في يده يتدلى منه قنديلان كبيران حتى يرى نور القنديلين من لا يستطيع سماع ندائه من فوق المسجد.

وفي العصر العثماني أخذت مهنة المسحراتي في الازدهاروابتكروا الطبلة ليحملها ويدق عليها بدلا من استخدام العصا، وكانت تسمى "بازة"، وهي صغيرة الحجم يدق عليها دقات منتظمة، ثم تطورت المهنةبالطبلة الكبيرة التي يدق عليها أثناء تجوله بالأحياء، ثم تطور الأمر إلى عدة أشخاص معهم طبل بلدي وصاجات برئاسة المسحراتي، ويقومون بغناء أغان خفيفة؛ حيث شارك المسحراتي الشعراء في تأليف الأغاني التي ينادون بها كل ليلة، ومن أشهر هذه الأشعار: "اصحي يا نايم وحد الدايم.. وقول نويت بكرة إن حييت.. الشهر صايم والفجر قايم ورمضان كريم".

شروط المسحراتى

يقول د. طارق منصور، وكيل كلية الآداب جامعة حلوان: ذكر فى بعض الأقاويل أن مصر أول دولة استخدمت الطبلة لإيقاظ المسلمون وقت السحور، أما الدول العربية الأخرىفكانتتستخدم فيها النبابيت مثل اليمن والمغرب، أما بلاد الشامفكان المسحراتى يطوف الشوارع ويعزف على العيدان،ورغم الحياة العصرية الحديثة ووسائل التكنولوجيا من وسائل إعلام ووسائل تنبيه مختلفة وسهر حتى الصباحفإن المسحراتى مازال موجودا فى بعض المدن والأحياء وينتظره الكثير من الكبار والصغار لينادى أسماءهم ويزيد من الفرحة والبهجة ومازال ينادى بصوته على دقاق الطبول.

 

ويتابع: اقتصرت مهنة المسحراتى فى البداية على الرجال لما تتطلبه من مشقة وسير باليل,لكن النساء مارسن مهنة المسحراتى أيضا منذ العهود الأولى للإسلام، ففى العصر الطولونى كان هناك أكثر من "مسحراتية" حيث كان يشترط أن تكون معروفة لسكان الحى وصوتها جميلوكان أغلبهن من الأرامل "زوجات المسحراتية",وكان لابد أن تتوافر فى المسحراتى شروط ومواصفات حتى يتمتع بشرف تولى أمر التسحير وهى أن يتمتع بثقة من الناس وحسن السمعة وأن يكون لديه صوت قوى وجميل ويجيد الإنشاد وشعر التسحير وأن يعرفه جميع سكان المنطقة التى يتجول فيها،وكان يستخدم المسحراتى العيدان والطنابير والصفافير والطار والقيثارة لتنبيه الناس وإيقاظهم.

ثلاث جولات

يقول د. محمد حفظى،أستاذ التاريخ بكلية الآداب: كان للمسحراتي ثلاث جولات إحداها يومية تشمل كل الحي لإيقاظ الناس وقت السحور، والثانية تشمل بعض الأحياء بالتناوب لجمع الطعام والمساعدات ويصطحب معه في هذه الجولة مساعدا ليحمل سلة وبعض الأطباق لوضع ما تجود به العائلات من أطعمة، وأصبح الناس اليوم يجودون بالمال بدلامن الطعام، أما الجولة الثالثة فكانت أيام العيد لجمع العيديات من الناس، ولم يكن المسحراتي خلال الشهر الكريم يتقاضى أجرابل ينتظر حتى أولأيام العيد فيهب له الناس بالمال والهدايا والحلويات والتهنئة، وكان من عادة النسوة فى ذلك الوقت أن يضعن قطعة معدنية من النقود ملفوفة داخل ورقة ثم يشعلن أحد أطرافها ويلقين بها إلى المسحراتى الذى يستدل على مكان وجودها، ثم يرتفع صوته بالدعاء لأهل المنزل جميعا، ثم يقرأ الفاتحة وكان يقول مثلا"والست حسنة شرفت حيها، حلفت في الجود ماتلقيش زيها،والست كوكب بنتها زيها وكل حاجة بتشبه أصلها"، وفي أواخر القرن الـ 19 تحولت مهنة المسحراتى إلى مهنة حقيقية لها قواعدها وأسسهاوأدبياتها بعد فترة من الارتجال والعشوائية، وكان لها شيخ طائفة "شيخ المسحراتية"، حيث كان يجتمع عنده المسحراتية فى مسجد السيدة نفيسة في النصف من شعبان، ويقوم بتوزيع الأحياء عليهم.

ويضيف: فى الفترة الأخيرة تطورت مهنة المسحراتى فأصبح يستغنى عن ارتداء الجلباب ويرتدى بدلا منها القميص والبنطلون، ويحمل بيده طبلة كبيرة، ولم يكتف المسحراتى بحمل الطبلة فقط بل ظهر فى أحد الشوارع كما أطلق عليه البعض المزمراتى بمظهر جديد فى شكله وتكوينه وهو عبارةعن مجموعة من الفرق الموسيقيةتتكون من فردين أو أكثر وعدةآلات موسيقيةأهمها الرق والربابة والمزمار والطبلةتجوب فى شوارع القاهرة تعزف أشهر الأغانى والألحان الرمضانية وقت السحور لإيقاظ الناس.

المصدر: كتبت : هايدى زكى
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 317 مشاهدة
نشرت فى 15 مايو 2020 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,466,424

رئيس مجلس الإدارة:

أحمد عمر


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز