أسماء صقر

تعد الأسرة النواة الأولى التي يتكون منها المجتمع وذلك لكونها مسئولة عن بناء شخصية الطفل اجتماعيا ونفسيا لكي يكون قادرا على القيام بدوره في المستقبل، فضلا عن دور الاستقرار الأسري في تحقيق العديد من المكتسبات للأسرة والوطن من خلال تنشئة جيل واع قادر على تنمية موارد الوطن على غرار الخلافات الزوجية التي تفقد الأبناء الأمان العاطفي والثقة بالنفس والإصابة بالاكتئاب والقلق النفسي وتقف حائط صد في طريق  التنمية المجتمعية.

وإيمانا بأهمية دور الاستقرار الأسري نجد بعض الأزواج يحاولون تخطي الخلافات من أجل استمرارية العلاقة والحفاظ على الكيان الأسري.

"حواء" التقت بالأزواج والخبراء لمعرفة  كيف نتخطى الخلافات الزوجية ونحافظ على استقرار الأسرة؟ 

البداية مع نسمة سليمان، ربة منزل وتقول: يتشاجر زوجي معي باستمرار ويراني غير مهتمة بتعليم الأبناء، فهو يريد منى المذاكرة للأبناء لساعات طويلة، وأنا أقوم بتقسيم وقتهم وتحديد ساعات معينة للمذاكرة وأخرى للترفيه وممارسة الرياضة، وكي لا تزداد الخلافات بيننا أتجنب الرد عليه أمام الأبناء وأعامله بشكل طبيعي رغم غضبي منه.

 

ويحاول مروان عبد الله، مهندس حل خلافاته المستمرة مع زوجته بهدوء وصبر وحكمة، فهي تشكو دائما من والدته وأخته، وحدوث مواقف فيها تنمر وسخرية لها عند زيارتهم والتحدث معا، وحتى يتجنب الخلاف معها طلب منها قضاء أوقات فراغها في المنزل والتواصل معها على مواقع التواصل الاجتماعي فطبيعة عمله تتطلب منه الذهاب للمنزل يومين فقط في الأسبوع، كما وجهها للذهاب مع الأبناء للنادي لممارسة رياضة المشي، فالاستقرار الأسري يوفر لأبنائه الأمان والإحساس بالسعادة، ويخلق بداخلهم الأحلام والطموحات المستقبلية التي تحفزهم على النجاح وتقدم الوطن. 

 

وتقول دولت شاهين، ربة منزل: زوجي عصبي جدا وعندما أطلب منه أن نتناقش معا في أمور مادية يرفض ويرد على بعصبية وغضب ويحدث شجار بيننا ولم أرد عليه خوفا على حياتي الزوجية، ورغم شعوري بالحزن لكنني أتحمل من أجل طفلي وأحاول مساعدته على تنظيم الميزانية وترتيب الأولويات، كما أبحث عن عمل لزيادة دخلنا.

 

التنشئة الاجتماعية

يعلق د. أحمد خيري حافظ، أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس على دور الاستقرار الأسرى فى دعم الوطن قائلا: الأسرة هي اللبنة الأساسية للمجتمع، ولها وظائف تربوية واجتماعية واقتصادية ونفسية، فهي المجتمع الأول والطبيعي لنشأة الإنسان ونموه واكتسابه للسلوكيات والقيم الحميدة والتفاعل مع الآخرين، فإذا كانت الأسرة مستقرة تنتج أبناء أصحاء نفسيا وسلوكيا، وفي السنوات الأخيرة أصبحت الأسرة تمر بخلافات زوجية عديدة نتيجة  التغيير في العادات والتقاليد والقيم والتكنولوجيا والإنترنت وخلق العالم الافتراضي بين الزوجين وغياب الحوار والتجمع على مائدة الطعام والمشاركة في الحديث مع الأبناء، فكل هذا غير شكل الأسرة التقليدي المعروف بالتماسك والترابط الأسري، لذا علينا استعادة دور الأسرة في التنشئة الاجتماعية السليمة ووضع ميثاق أخلاقي غليظ للحفاظ على استقرارها مع ضرورة التواصل بين الزوجين والتفاعل مع الأبناء، وعلى الأسرة أن تجعل المستوى التعليمي وتحقيق نجاح الأبناء هدفا أساسيا، مع وعي الوالدين بضرورة الحفاظ على تكوين شخصية سوية بعيدة عن الخلافات الزوجية، لذلك يجب على الوالدين تجنب الشجار والخلافات أمام الطفل كي لا يفقد الأمان العاطفي وثقته في نفسه ووالديه.

ويشير د. حافظ إلى ضرورة مراقبة سلوك الأبناء بشكل مستمر وإشراكهم عند وضع خطط مستقبلية لهم وللأسرة فهي المخطط الأول الاقتصادي والاجتماعي للتقدم والازدهار، وهذا ما يجعل حكومات الدول تهتم بتقدم الدعم المختلف للأسر حتى تحقق استقرارها، مسترشدا بأن الإحصائيات تكشف أن زيادة نسب الطلاق نتيجة للخلافات الزوجية.

 

القدوة الأسرية 

يؤكد د. حسن الخولي، أستاذ علم الاجتماع بكلية البنات جامعة عين شمس على ضرورة تحكم الآباء فى انفعالاتهم أمام الأبناء كي يكونوا قدوة لهم، لافتا إلى أن الخلاف بين الزوجين ينتج عنه توتر وصراع داخل النفس ويترتب عليه انحرافات اجتماعية وسلوكية وعدم توازن في شخصية الأبناء.

ويقول: هناك العديد من المؤثرات التى تتدخل في نشأة الأبناء منها؛ الإعلام والسوشيال ميديا ومواقع التواصل الاجتماعي والتفاعل في الشارع والعلاقات بين الناس في مختلف المجالات والأقران والأصدقاء، لذا على الوالدين التعرف على أصدقاء أبنائهم والتأكد من أنهم أسوياء نفسيا وأخلاقيا ودينيا واجتماعيا، مع ضرورة حل الوالدين مشكلاتهم الزوجية بعيدا عن الأطفال للخلافات نظرا لتأثيرها السلبي على بناء شخصية ونفسية الطفل، وتجنب أسلوب التبعية السلبية وهو محاولة الزوجين استقطاب الأبناء ضد الآخر وترك الحرية الزائدة للأبناء من الناحية المادية وعدم العقاب عند الخطأ كي ينالوا استحسان الأبناء ضد الطرف الآخر ما ينتج عنه انحرافات سلوكية نتيجة استغلال الأبناء لموقف النزاع بين الوالدين.

ويضيف: لتخطي الخلافات الزوجية وتحقيق الاستقرار الأسري لابد من تقبل الأخطاء بين الطرفين والتخلي عن نظرة الكمال والتعامل مع الأخطاء بالرحمة والتسامح والمودة وحسن الظن، وتجنب الإهانات والضرب فالمشاعر لابد أن تقوم على الاحترام، واختيار الأسلوب الأمثل في الحوار معا، وإظهار مشاعر الحب والاهتمام فيما بينهما، وللحرص على استمرار العلاقات العاطفية لابد من الحفاظ على ضرورة وجود تواصل فكري وعاطفي بين الطرفين واعتبارهما كيان واحد، وعند حدوث المشكلات يجب حلها بطريقة صحيحة ترضي الطرفين، ولتجنب الملل والفتور العاطفي يجب إظهار التقدير والامتنان للطرف الآخر بالقول والفعل معا، والحرص على تبادل الهدايا والبعد عن اللوم والعتاب المستمر فهو يرهق النفس.

 

وتقول د. هانم خالد، أستاذ أصول التربية ورئيس قسم العلوم التربوية والنفسية بكلية التربية النوعية بجامعة الزقازيق: يؤثر استقرار الأسرة بالإيجاب على بناء الوطن وتنميته، فالخلافات والطلاق يعيق مسار التنمية ويصيب المجتمع بالتفكك، فحرمان الأبناء من آبائهم نتيجة الخلافات الأسرية يسبب لهم مشكلات نفسية يصعب علاجها، وينمي بداخلهم الكراهية والحقد والانطوائية، كما أن النزاعات المستمرة بين الزوجين تفقد الأبناء الإحساس بالحياة الطبيعية وتحد من الشعور بالأمان، والمشاحنات المستمرة في المنزل والتي سوف تؤثر على مستقبل الطفل ونظرته للزواج عند الكبر.


المصدر: أسماء صقر
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 30 مشاهدة
نشرت فى 19 ديسمبر 2024 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

23,227,917

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز