آخرتها إيه يا مصري

كتب : محمد الحمامصي

"محدش طايق التاني" هذا باختصار ما يحدث في مصر الآن، على مستوى المجتمع المصري كافة، فحالة التوتر والاحتقان والترقب والاستنزاف التي تتم يومياً، تلقي بظلال قاتمة على الأفكار والرؤى والأحوال النفسية والجسدية للمصرى، لتحاصره وتخنقه بل تطارده فى كوابيس وهلاوس يقظة أو مناماً.

التشاؤم يتصدر أي حوار بين اثنين فما فوق، تشاؤم سرعان ما يتحول مع الجدل والاختلاف في الرأي إلى حالة من الصرع، فيتشنج الكلام وتتصلب الأطراف، لتصبح علاقاتنا على شفا جرف هار ينهار بنا في نار العنف، وأخشى أن يكون ذلك قد حدث.

لماذا وصلنا إلى هذه الحالة التي لا يطيق فيها الصديق الاختلاف مع صديقه، ولا الأخ رأي أخيه، ولا الابن وجهة نظر أبيه ولا المسئول مطالب رعيته؟ لماذا لم نعد قادرين على أن نسمع ونفهم ونقدر بعضنا البعض؟ لماذا تحولنا إلى ذئاب متربصة ومتحفزة يريد أن ينهش بعضنا بعضا؟ لماذا صرنا شماتين وحاقدين وموتورين ومغلولين ـ من الغل ـ نفرح ونشمت لسقطات بعضنا ونستغل انقسام البعض لنشعل الحرائق بينهم ونمتدح ونثني لمذابح البعض للبعض ونهلل لها؟.

الوصول لإجابات حاسمة أمر مستحيل في ظل الانقسامات داخل البيت الواحد، والحزب الواحد والجماعة الواحدة، وتشابك الوجوه وتشابه الأصوات وضوضاء الأقوال وتعقد خيوط الضوء، حتى لا يكاد المرء يحصل على قول مميز النبرات ومحدد الملامح والتقاطيع، والجرائم الفواجع تتوالى على مدار الساعة من هنا وهناك، جريمة تزيح الأخرى وسط حالة من الذهول تقض مضجع المصري، الأمر الذي يشكل تنكيلاً به، فهو لا يستطيع التوقف عن متابعة ما يجري لبلاده على أمل أن يرى أو يسمع أو يقرأ شيئاً يعطيه بعضاً من أمل في مستقبلها.

أين الحقيقة وراء ما جري ويجري هنا أو هناك في الشارع أو في الغرف المغلقة؟ هل يتخيل أحد أن ما يجري للشعب المصري والأمة المصرية، يأتي جراء شهوة البعض في الحصول على مقاليد الأمور والاستيلاء على السلطة؟ شخصياً لا أتخيل ذلك، لكنها الحقيقة، الحقيقة أن الجميع طامع في السلطة، وأن دماءنا التي سالت ولا تزال تسيل منذ 25 يناير 2011 وحتى اللحظة، سالت لأن شهوة ووهم السلطة يملآن قلوب وعقول وأجساد وأحلام وهواجس البعض.

إنني كمواطن مصري أتابع ما يجري على مدار الساعة، وأؤكد أنني أتلقى وأسرتي زوجة وأطفالا صدمات نفسية عنيفة جراء ما نرى ونسمع على الأرض أو في الصحف والتليفزيونات والمواقع الالكترونية، وأن هذه الصدمات تؤثر سلباً على رؤيتنا وأفكارنا وتشحننا تارة بفقدان الأمل والثقة، وتارة بالاكتئاب والحزن، وتارة بالاضطراب والكراهية والحقد.

كيف للمرء تفسير مشهد إنسان، مواطن مصري، يتسول كسرة خبز من صناديق القمامة، أو يتسول ثمنه، أو يتخذ وأسرته من رصيف الشارع وسادة وغطاء، أو تكسر عظامه بالعصي والأقدام التي لا تفرق بين رأسه وبطنه وظهره وقدميه، ثم يخرج من يقول إن هذا لم يحدث، ما تفسير الكذب العلني لهذا أو ذاك: حدث، لم يحدث، قلت، لم أقل، كيف يعيش المرء في وسط هذه الأكاذيب قولاً وفعلاً وسلوكاً والتي من فرط بجاحتها تعلن على الملأ.

إن ما يغيظ أن الجميع يستندون في أقوالهم وأفعالهم وحتى جرائمهم على "الشعب المصري"، هذه رغبة الشعب، هذه إرادة الشعب، هذه مطالب الشعب، وما الشعب المسكين الرازح تحت وطأة الفقر والقهر والعتمة إلا سُلم ومتكأ ومسند، وما من شيء تم تقديمه من أجله حتى اللحظة، حتى هؤلاء الذين انتخبهم ليكونوا صوته صاروا صوت أهوائهم ومصالحهم وشهواتهم.

إن ما يحدث لمصر والمصريين لا إنساني ولا أخلاقي ولا آدمي؟ ومبررات الأطراف المتناحرة والمتنازعة على السلطة التي لا يهمها أن يهدم المعبد على رؤوس الجميع أو أن يغرق الطوفان الجميع، تزيد الأمور سوءا وتدفع إلى حلقة جنونية قد يفقد فيها المصري قدرته على التمييز بين الصواب والخطأ وما في مصلحة الوطن وما هو ضده، وهذا ما يمكن أن يستشعره المرء بينما يسير في الشارع .

المصدر: مجلة حواء- محمد الحمامصي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 679 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

23,304,209

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز