إيــــاك وما يعتذر عنه

كتبت :ايمان حسن الحفناوي

عن سيدنا المصطفى عليه الصلاة والسلام أنه قال "إياك وما يعتذر عنه" هذه الجملة الصغيرة في حروفها، الكبيرة في معناها إنما جاءت لتعلمنا كيفية التعامل في هذه الحياة. فإذا حسن سلوكنا وطابت أفعالنا لن نرتكب شيئا يستدعي الاعتذار. أقول هذا بعد الأحداِث المؤسفة التي وقعت الأسبوع الماضي أمام سفارة دولة السعودية الشقيقة، والتي أصابت كل إنسان يفهم معنى الأدب والسلوكيات السليمة، أصابته بالغثيان.. ولعمري كيف نترك مثل هذه الأمور تحدث وتستفحل ،حتى يبلغ الأمر مداه، ثم نعتذر، كان الأجدر بنا وبكرامتنا التي انتعشت مع ثورة مجيدة أن نتعامل مع الموقف من البداية بشكل مسئول.. ما حدث يجعلنا نفتح أكثر من ملف ولابد أن ندرس هذه الملفات جيدا.

أول هذه الملفات وأهمها سفاراتنا بالخارج، وهل تؤدي فعلا ما يناط بها من مهام؟ وهل مازالت تتعامل بعقلية النظام القديم الذي أذل المصري وجعله لا يساوي مليما أمام الأخرين؟

لقد رأيت بعيني ما يتم مع المصريين في سفاراتنا وعندي من القصص بأسماء أشخاصها ما يجعلنا ندرك أن معظم سفاراتنا بالخارج تعامل المصريين كلقطاء.

كنت في زيارة لإحدي الدول العربية، وأثناء تواجدي عند سفيرنا هناك، أسرني أدبه وأخلاقه العالية، دخل له أحد المصريين يتظلم من شيء ما وقع عليه في ذلك البلد، لاحظت العجرفة التي يتحدث بها مع هذا الرجل، فتعجبت، أين ذهب ذوقه وأخلاقه؟ وتطور الأمر أن يسب الرجل بأبيه، فكان أحد الضيوف متواجدا في المكتب، عنّف السفير وقال للرجل المجني عليه " أنا حاضر وشاهد لكل ما حدث لك " وأعطاه بطاقة تعريفه التي تحوي رقم هاتفه ليستشهد به إذا ماأراد أن يحول الواقعة لشكوي رسمية!!

هذه ليست واقعة فريدة، ففي كل رحلة عمل لي كنت أتعمد مقابلة المصريين في أي بلد أفد إليه لأعرف أحوالهم، وقد هالني ما يحدث لهم، حيث اكتشفت أن المصري يتيم داخل بلده في ظل نظام كان يتعمد تهميشه واهانته ويتيم خارج بلده في ظل سفارات لا تسأل عنه ولا تهتم به.. أنا لا أقول هذا الكلام بلا وثائق فعندي من الوثائق ما جمعته خلال الفترة الماضية والتي تربو على سنوات عشر.. من هنا تولد شعور بالظلم لدي المصري في غربته وتولد أيضا شعور لدي الدول المضيفة أن المصري لا قدر له ولا قيمة ولن يسأل عنه أحد إذا ما تعرض لمشكلة.. يتم تقزيم المصري بشكل مخجل، ولا يجد إلا السكوت فهو ينتمي لبلد لا يفزع لآلامه.. وعندما قامت الثورة شعر المصري أن له بلدا وأن له كرامة لم تمت بعد، وتصور أن مشاكله سيجد من يعالجها معه، لذلك وعندما لم ير أي تغير من سفاراته بالخارج .. او معظمها حتى لا نقع في فخ - التعميم- ثار وغضب، لأنه ما قام بثورته إلا ليعيد إنتماءه وكرامته، ومع شعب مجروح عانى على مدي سنوات طوال كافة أنواع القهر، ومع شعب خرج لتوه من بئر الإقصاء، مع شعب تتحكم الأمية الأبجدية في نسبة لا يستهان بها من أفراده، وتتولى الأمية السياسية فريقا كبيرا.. مع شعب كهذا كان لابد من التخطيط لإحتواء غضبه وتوقع النقاط الملتهبة حتى يتم التفاعل الإيجابي معها قبل انفجارها.. وهذا ما لم يحدث للأسف .. وقد بدأت المشكلة بالاعتداء علي السفارة الإسرائيلية بالقاهرة.. كان لابد وقتها من توعية الشعب وكان لابد من إفهامهم أن السفارات ما هي إلا كيانات تمثل بلادها وأن علينا حمايتها أيا كانت مشاعرنا تجاهها، كان لابد أن نعرف من وقتها أن شعبا غاضبا، معلوماته السياسية قليلة لأنه تم إقصاؤه عن ساحة السياسة، قد لا يفرق بين عسكري يقف متربصا به على الجبهة وبين ممثل دبلوماسي، للأسف لم نهتم بتثقيف الشعب بما يتناسب مع المرحلة .. وبدأت مشكلة مع دولة شقيقة نكن لها كل الاحترام مثلها مثل كل دول الوطن العربي، وتصاعدت المشكلة تحت سمعنا وبصرنا، ليتأزم الوضع ونصبح في موقف عجيب، حيث بعض ابناء هذا الشعب العظيم ينزلقون بهتافات معادية وكلمات بذيئة لدولة تربطنا بها علاقات أخوية قوية.. كل ذلك يحدث ولا رادع ولا أحد يهتم ويقوم بالتوعية، إلى أن وصل الأمر لما وصل إليه.. بالله هذا ما طلبناه عندما قمنا بثورتنا؟ أن نسب بعضنا ونفرق الشمل؟ وحتي لو كانت هناك عناصر مندسة فبأيدينا تم الفعل، ثم يحدث ما يؤسف له أمام سفارتنا ببيروت، لنظهر بشكل همجي.. هل هذا هو المصري؟!

المشكلة لها أبعاد أعمق مما تتناوله وسائل الإعلام يكمن الجزء الأول في أن المصري لا يجد سفارات تحترمه بالخارج إلا إذا كان صاحب حظوة ومنصب، ولا يجد من يدافع عن حقوقه بشكل متعقل فيأمن المصري لمن تولوا أمره ويترك لهم مهمة التدخل فنخرج من مشاكلنا آمنين محترمين كسائر الدول التي تحترم أبناءها.

الشق الثاني يكمن في أن كثيرين لم يفهموا معنى الحرية، وفي ظل انفلات أمني وسياسة ودن الطين والعجين تستفحل المشكلات حتى تصل إلي درجة الأزمة.. ولن يكون حادِث السفارة السعودية هوالأخير إن لم ينتفض المسئولون ويراجعوا أنفسهم في تمثيلنا الدبلوماسي بالخارج، ويحققو ا الانضباط الأخلاقي بالداخل لأن أفشل الأنظمة وأفشل الدول من تترك الخطأ حتى يكبر ثم تعتذر

المصدر: مجلة حواء- ايمان حسن الحفناوي

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,774,735

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز