الانتخابات الرئاسية
تحرق البيوت ..وتشعل جهات العمل!
كتبت : مروة لطفي
في البيت
خناقات أسرية لقيام كل فرد بتسفيه رأي الآخر..
في العمل..
اتهامات متبادلة بين الزملاء بالتخوين تارة واللهث وراء المصالح الشخصية تارة أخري.. بين الأصدقاء..
خلافات عديدة لمحاولة كل منهم فرض رأيه على الآخر..
مشاجرات.. مصادمات.. منازعات كلها تدور حول الانتخابات الرئاسية التي حولت كل مواطن لمحلل سياسي يفكر، ويناقش ويتنبأ بمستقبل بلده، ولأننا لم نعتد ممارسة الديمقراطية الفعلية من قبل كانت تلك المشاحنات.. فهل ما يحدث مؤشر ايجابي أم أنه خطوة لاستكمال سيناريو الفوضي؟ ll
بدايتنا كانت مع واحدة من الأسر المتنازعة حيث التقينا بأفرادها ليحدثنا رب الأسرة محمد سليم «محاسب» قائلاً: المشكلة أن الجيل الجديد يصم آذانه عن آراء الأجيال الأكثر منه خبرة وفهما بالحياة، حيث يرفض أبنائى جميع آرائى السياسية ويتهموننى بالتسبب فيما حدث لهم على مدار 30سنة نتيجة صمتى عليه، مؤكدين أن انسياقهم وراء أرائى سوف يأخذهم للضياع لمائة سنة قادمة، مما يخرجنى عن شعورى ويدفعنى للتطاول عليهم..
وتقاطعه زوجته نادية حسن «ربة منزل» قائلة: علينا ألا نظلم الأبناء، فزوجى ببساطة يرفض أى رأى يخالفة بدليل إصراره على إدلائى بصوتى لمرشح أرفضه بحجة أنه الأدرى بمستقبل مصر..
- وهنا تدخل الابن طارق عبدالرحيم «طالب جامعى» قائلاً: لقد دفع الشباب دمائهم واعينهم ثمناً لهذه الثورة لهذا ارفض أى رأى يعيدنا للوراء حتى لو كان صادر من والدى مما يؤدى لشجارنا ليل نهار.
صراعات العمل
ومن المشاجرات العائلية إلى الصراعات العملية حيث التقينا بمجموعة من العاملين فى إحدى الهيئات الحكومية وهم محمد شاكر، ناهد عيسى، وعصام عبدالصمد.. وقد اجمعوا على انعدام قبولنا للرأى الآخر مما أدى إلى الاتهامات المتبادلة بين الزملاء إلا أن حدتها تختلف من شخصية لأخرى، حيث أكد محمد شاكر على قطع علاقته بأحد زملائه بسبب اتهامه بالتخوين لاختيار مرشح يرفضه، بينما أشارت ناهد عيسى إلى ضيقها من إحدى زميلاتها بسبب مهاجمتها لكل من اعطى صوته لمرشح معين.
أما عصام عبدالصمد فقد حول احد زملائه للتحقيق بسبب تطاوله عليه بالألفاظ لرفض مرشحه..
ثمرة الاستبداد
وإذا كان هذا هو الحال فى قطاعات الحياة المختلفة.. فهل هذه هى الديمقراطية التى كثيراً ما طالبنا بها ؟! وإذا لم يكن.. فماذا نفعل حتى نتعلم ممارستها الصحيحة ؟!
- تقول الكاتبة الصحفية فريدة النقاش- رئيسة تحرير جريدة الأهالى:- لا شك أن كل الظواهر السابق رصدها هى تشوهات ناتجة عن 60عاماً من الاستبداد وقمع الرأى وسياسة الحزب الواحد.. فقد مر الشعب بسنوات عجاف طويلة، فكان من الطبيعى ظهور تلك السلبيات التى حولت البيوت واماكن العمل الى ساحات من المشاحنات اللانهائية وهذا دليل صحى وليس العكس.. فنحن بدأنا فعلياً فى ممارسة ديمقراطية الصناديق حتى نمارس المفهوم الواسع للديمقراطية فأمامنا وقتاً.. لذا علينا ألا نحسب عمر الشعوب بالأفراد.. فجميع الثورات التى عرفها التاريخ أخذت حقوقها وحققت اهدافها على مراحل ، وقد بدأنا فعلياً فى اولها وعلينا استكمال الطريق..
قطار الديمقراطية
- وتختلف الكاتبة يسر السيوى مع الرأى السابق قائلة : لا شك أن سعى كل طرف لتحقيق مصالحه الشخصية دون وضع الوطن فى الحسبان أدى لنشوب تلك المشاحنات، فأصبح كل واحد يلقى تبعات ما يحدث على الطرف الآخر لتبرئة نفسه، بينها الجميع متورط فعلياً فيما يحدث الآن..
فالتيارات الدينية تسعى لتحقيق مصالحها، ولا يختلف الوضع بالنسبة للاحزاب المختلفة حتى الثوار أسهموا فيما يحدث نتيجة اختلافاتهم الكثيرة التى ادت لتفتتهم.. فأصبح الخاسر كل مصرى يريد لبلده الاستقرار مما أدى لنشوب المشاحنات بين الجميع. لذلك ارى اننا فشلنا فى اللحاق بأول طريق الديمقراطية الذى نطالب به والدليل فقدان الثقة المتفشي بين جميع الأطراف والحل من وجهة نظرى يكمن فى ظهور قائد صادق حكيم يجمع شتات الجميع وللاسف هذا القائد لم يظهر بعد ! فالديمقراطية لبست مستحيلة وستظل حلما عند المصريين يسعون بكل الطرق لتحويله الى واقع ملموس..
- وتؤكد الدكتورة هدى بدران رئيسة اتحاد نساء مصر- أننا لم نعرف الديمقراطية الحقيقية على مدى الحقبة الزمنية الماضية.. فما كان يحدث من انتخابات وخلافه لم يكن سوى ديمقراطية على الورق.. لذلك يستحيل أن تمطر الديمقراطية علينا فجأة بعد حكم عسكرى طويل لا يعرف ماهية الديمقراطية.. الامر الذى ادى لنشوب خلافات بين الجميع لمجرد الاختلاف فى الرأى عند المشاركة الفعلية فى الانتخابات الرئاسية..
- وتضيف بدارن: إن الديمقراطية الحقيقية لها أدوات بعيدة تماماً عن شنط التموين التى تم توزيعها وغيرها من الطرق التى لجأ لها البعض للحماية.. مما يدفعنا كنساء مصر بتحليل التجربة الانتخابية بما فيها من ايجابيات وسلبيات لنطالب بتضافر العديد من الجهات التعليمية، الاعلامية، العسكرية، والثقافية للمساهمة فى صناعة منظومة متكاملة من خلالها نعلم الاجيال القادمة كيفية الممارسة الحقيقية للديمقراطية حتى لا تذهب ثورة 25يناير هباء وتضيع وسط هذا الزخم من التيارات الساعية لتحقيق مصالحها المختلفة..
كبير العائلة
- ويشير الدكتور على ليله - أستاذ علم الاجتماع السياسى- إلى وجود فرق بين المطالبة بالديمقراطية وممارستها الفعلية.. فعلى مدى تاريخ اجتماعى طويل لم يكن يسمح لنا بحرية الرأى «الديمقراطية» بدءاً من الاسرة الابوية وفيها يكون كبير العائلة هو الآمر الناهى دون مناقشة، وانتهاء بأماكن العمل وتحكم رؤساء العمل بقراراتهم المنفردة دون سماع اراء مرءوسيهم.. وفى كل الحالات يتعرض من يعارض لعقاب شديد، فمن الطبيعى أن تهشد الاسرة وقطاعات العمل تلك المشاجرات عند أقدامنا على أول خطوة من الديمقراطية.. ويرجع ذلك لعدم اعتيادنا على التعبير عن الرأى وقبول الآخر، فضلاً عن عدم معرفتنا بالمسافة التى يجب أن نتوقف عندها فى حالة الاختلاف. وجدير بالذكر أن تاريخ الشعوب السابقة لنا فى الديمقراطية يكشف أن امامنا من3 إلى 4 تجارب انتخابية حتى نصل إلى ممارسة الديمقراطية الحقيقية، فنفهم كيف نفرق بين من يسعى لمصلحتنا ومن يتلاعب بنا، كذلك نعتاد على قبول الرأى الآخر والتعامل معه حتى لو فرضته أغلبية الاصوات الانتخابية وصناديق الاقتراع..
- أما د. نادية نظير جريس -أستشارية الامراض النفسية والعصبية- فترى أن المشاحنات المتفشية بين العائلات وزملاء العمل منذ بدء الانتخابات الرئاسية تعد ظاهرة جديدة على الشخصية المصرية والتى اتسمت على مر العصور باستيعاب وقبول الثقافات والافكار المختلفة الواردة عليها..
فهذا السلوك طارئ نتيجة المستجدات التى حدثت على الساحة السياسية، فانعكست على نفسية المصريين لتصيبهم بحالة من التوتر والخوف من المستقبل الذى يعد مجهولاً بالنسبة للجميع.
وأعتقد أنه بالرغم من تلك المشاحنات الا اننا نسير فى اتجاه النضج الديمقراطى مما يساعد على قبول الرأى الآخر بزوال تلك الفترة بما يشوبها من توتر وخوف.
خطأ تربوي
وترجع د. رحاب أحمد لطفى - مدرسة اعلام تربوى بكلية التربية النوعية جامعة القاهرة ما يحدث من خلافات حالية يعود الى التربية الخاطئة عبر حقبة طويلة من الزمن مما ادى لعرقلة ممارسة الديمقراطية الحقيقية، حيث عكفت الاسر على نشأة ابنائها الكبار فكان من الطبيعى أن يتعامل هؤلاء الابناء فيما بعد بنفس الاسلوب، فكانت النتيجة المشهد الذى نراه حالياً، ولكى نغيره علينا البدء من الصغر بتعليمهم أدب الحوار من خلال الاستماع لجميع الآراء دون مقاطعة، والأخذ بالرأي الأفضل حتى لو كان صادر من اصغر افراد الأسرة..
كذلك أدرب ابنى من أولى خطوات تعلمه المشى لاختيار ما يأكله ثم ملابسه عند وصوله لمرحلة اكبر وهكذا..
من الضرورى ايضاً تدريبه على الانصياع لرآى الجماعة حتى لو كان مخالفاً له فتلك هى نواة الديمقراطية الحقيقية..
الحياد الإعلامى
- وعن دور الاعلام فى دعم الديمقراطية وقبول الرآى الآخر تقول د. ماجى الحلوانى. عميدة كلية الاعلام جامعة القاهرة سابقاً- :لابد أن يكون الاعلام محايد عند طرح وجهات النظر المختلفة فلا يتحيز الى جانب تجاه جانب آخر وللاسف هذا لا يحدث حيث نرى الكثير من مقدمى البرامج يعربون عن وجهات نظرهم المختلفة رغم مخالفة ذلك لقواعد العمل الإعلامى.. الامر الذى قد يؤثر على وجهه نظر المشاهد فيتسبب فى تلك المشاحنات التى أزدادت حدتها فى الآونة الأخيرة.
كذلك تلعب الدراما دوراً كبيراً فى دعم الديمقراطية عن طريق تقديم اعمال تساعد على قبول الرآى الآخر.. فضلاً عن أهمية تقديم برامج للاطفال تعلمهم باسلوب غير مباشر حب الغير واحترام الرآى الآخر، وادب الحوار..
مما يساعد فى وصولنا أسرع للديمقراطية الحقيقية التى بدأنا اولى خطواتها باختيار حر شهدته صناديق اقتراع مجلسى الشعب والشورى، واستكملت بالانتخابات الرئاسية. لذا علينا قبول وجهات النظر المختلفة طالما أنها رآى الاغلبية وتمت بنزاهة وحيادية..
ساحة النقاش