يعانى القلق والإحباط

مريض والتشخيص: عنده ثورة

 

كتبت : سمر الدسوقي 

إذا كنا قد نجحنا في أن نحرز تقدماً في مسار الديمقراطية في أعقاب ثورة 25 يناير، فإن أكثر من ضريبة دفعت في سبيل تحقيق ذلك، لم تقف عند التضحية بالنفس، والروح والاستقرار، فبشهادة الخبراء هناك بعض من الامراض والأعراض النفسية والعصبية بدأت تنتاب الكثير من المصريين جراء الأحداث المتلاحقة والمحيطة بنا، والتي تتغير كل لحظة، هذا بجانب قلق الغياب الأمني، وكذلك انعدام الاستقرار، والخوف من المستقبل. فقد بتنا وببساطة نعاني من القلق من كل شيء، القلق علي انفسنا وعلي أولادنا، علي الحاضر والمستقبل، فهو قلق ليس بعادي، ولكن كما يؤكد المتخصصون قلق مرضي أفرزه الوضع الراهن. وتعالوا نتعرف علي أعراضه وما يرتبط به من أحداث، وطرق علاجه

فى البداية تروى نهلة عبدالفتاح- طالبة- بداية إصابتها بهذا الأمر، قائلة: كنت أنزل وأشارك فى كل فعاليات الثورة منذ اندلاعها، دون أن أشعر بأى خوف أو قلق من المشاركة فى المظاهرات أو المسيرات، فقد كنا معا فتيات وفتيان نقف فى الميدان، إلى أن تعرضت زميلة لى للتحرش فى قلب ميدان التحرير، فبت أخاف من مجرد النزول للشارع وليس فقط المشاركة فى مسيرة أو مظاهرة، بل وأظل أنظر أمامى وخلفى فى وسائل المواصلات العامة، خاصة بعد أن أشار البعض إلى وقوع حالات من التحرش الجماعى بهن وأقصد بهذا مترو الأنفاق مع غياب التواجد الأمنى وتضيف صديقتها أمنية سامى طالبة جامعية بنفس الكلية-، كنت أسير بمفردى فى الطريق العام منذ اندلاع ثورة يناير دون أى خوف أو قلق حتى مع غياب التواجد الأمنى، إلى أن حاول بعض البلطجية سرقتى فى الطريق العام، رغم أنى لم أكن أرتدى مجوهرات لافتة للانتباه، بل وكنت بصحبة أسرتى وفى فترة الظهيرة، ومنذ هذا الوقت وأنا أتخيل الكثيرين فى الطريق العام على أنهم بلطجية أو حرامية، فأمشى فى أماكن بعيدة عن التجمعات ولا أرتدى أى مجوهرات أو ملابس لافتة للانتباه، بل وأحرص على أن تكون تحركاتى فى إطار مجموعة كنوع من زيادة الأمان، ورغم هذا فأنا دائماً فى قلق وخوف وأشعر بتوتر ومهما حاولت أسرتى إقناعى بأن الأمر مجرد حادث عابر، إلا أننى لا أستطيع أن أصل بنفسى إلى درجة الهدوء والاستقرار بل والاقتناع بهذا .

أنا وأبنائي

والخوف والقلق النفسى عند إيمان طه -ربة منزل- بعد الثورة قد اتخذ بعداً آخر، وكما تقول: أصبحت أشعر فى كل لحظة ودقيقة أن أبنائى مستهدفون، فهم فى المدرسة معرضون لخطر الاختطاف أو حتى السرقة، ولا تختلف مخاوفى عند ركوبهم أتوبيس المدرسة، بل وقد تتعرض المدرسة نفسها لأى هجوم، لذا فإن تأخرهم فى العودة إلى المنزل يصيبنى بهلع دائم، والغريب أنهم والحمد لله لم يتعرضوا لأى خطر حتى الآن ولكن ما أتابعه من أحداث محيطة بنا، يشعرنى بخوف وقلق دائمين، ليس فقط على أبنائى بل وعلى المستقبل، فنحن حتى الآن لا نمتلك رؤية واضحة المعالم لما قد يحدث غداً، بل ونعيش يوماً بيوم، من هنا فأنا قلقة دائماً ماذا ينتظر أبنائى وأسرتى فى الغد؟ وهل سيكونون فى أمان؟ وكيف ستكون حياتهم؟ وهو قلق تشاركها فيه أيضاً أغلب الأمهات وأغلب الآباء، فكما تقول أسماء حافظ -ربة منزل- لقد أصبح أى طارئ أو جرس لهاتف أو لمنزل يقلقنى بل ويشعرنى أن هناك كارثة قد أصابت أسرتى أو أبنائى، بل وأصبحت أقوم بنفسى باصطحاب أبنائى للمدرسة أو النادى، بل وأحدد لهم مواعيد لمغادرة المنزل والعودة إليه هذا إذا سمحت لهم بالخروج بمفردهم، وفى كل لحظة أجد نفسى أتابع الحركة بالطريق العام، وأحرص على النظر من شرفتى لأتأكد من وجود سيارة زوجى، فانعدام الأمن يجعلنى أشعر بخوف وقلق بالغين، بل وأقوم كل ساعة تقريباً بالاتصال بأسرتى وبالأخص والدتى للاطمئنان عليهم، فهناك شعور قاتل ينتابنى بأن هناك خطراً ما سيحدث، لدرجة أن أسرتى قد باتت تعتبرنى مريضة وتنصحنى بمتابعة طبيب فى هذا الشأن.

قلق عصبي وعام

وأطرح هذه الحالات على أ.د.عادل المدنى- أستاذ الطب النفسى بجامعة الأزهر- متسائلة هل أصبحنا نعانى من مرض القلق من جراء الأحداث المحيطة، وهل هناك فعلاً مرض للقلق يختلف عن شعورنا العادى به ؟ فيقول: بداية دعونا نتحدث عن أسباب الإصابة بالقلق، فهناك قلق وراثى، تنشأ الشخصية وهى مصابة به من الأب أو الأم، وهناك قلق ينتج عن أسباب نفسية ناتجة عن الشعور بالخوف من بعض الأحداث والظروف البيئية المحيطة، وكذلك الضغوط والمشكلات واضطراب الجو العام، ولهذا نجد للقلق أكثر من نوع، منهم بالطبع بعض الأنواع المرضية، فهناك قلق عادى يكون له بالفعل أسباب ووقائع فى البيئة المحيطة، وهذا نعانى منه مثلاً عند التقدم لامتحان أو التقدم لاختبار للحصول على عمل، وقلق عام وفيه يشعر الشخص بالقلق بأى صورة ودون سبب واضح أو وجود مؤثر فى البيئة المحطية وهو هنا بالطبع مرضى، وكذلك هناك قلق عصبى وأسبابه غير شعورية وغير معروفة، ويعد فى بعض الأحيان عرض من أعراض الاكتئاب وهذا النوع أيضاً مرضى.

ضعف ونقص طاقة

ويستكمل التعرض للقلق كمرض وكيفية مواجهته وخاصة فى الأوضاع الراهنة أ.د يسرى عبدالمحسن- أستاذ الطب النفسى بجامعة القاهرة- قائلاً: لاشك أن الأوضاع التى نعيشها مؤخراً وتحديداً منذ اندلاع الثورة قد أصابت البعض ببعض الأمراض والأعراض النفسية المتفاقمة كالاكتئاب والخوف والقلق، فأصبح الكثيرون يعانون من خوف بالغ وتوتر حتى دون وقوع حدث مباشر فى حياتهم، وفقط لمجرد التأثر بالوضع العام الراهن، بل وتفاقم هذا الإحساس بصورة كبيرة لدى البعض، مخلفاً أعراضاً جسمانية كالضعف العام ونقص الطاقة، والشعور بالصداع والإعياء، هذا بجانب افتقاد الإحساس بالاستقرار، وهى حالة بالمناسبة تصيب الإناث والأطفال والمراهقين أكثر من الرجال، بل وتدرج أسفلها العديد من الأمراض الأخرى كالفزع والخوف والوسواس القهرى والاكتئاب والإصابة بقلق الكوارث، وفى هذا الإطار نجد أنها أيضاً أكثر انتشاراً فى المجتمعات البسيطة والمهمشة وكذلك الفقيرة.

كيف تقاومين القلق؟

ولكن إذا كان ما نعانى منه حالياً هو قلق مرضى وربما يكون عصبياً، ازداد تأثيراً بفعل الأحداث المتلاحقة والمحيطة بنا، فكيف يمكن لنا مواجهته، يقول د.محمد طه عبدالوهاب- أستاذ الطب النفسى بجامعة القاهرة-: التعامل بل وعلاج القلق يمر بأكثر من مرحلة، فهناك علاج بيئى يدرب فيه المريض على التعامل مع الأحداث والمشكلات والظروف المحيطة به، ومواجهتها بل وعلاج ما فيها من مشكلات، وعلاج نفسى يدرب فيه المريض على أن يكون هادئاً ويحل مشكلاته المباشرة وليس مشكلات بيئته أو مشكلات الظروف المحيطة به ، بل ويجعله أكثر قرباً من الله لأن هذا يمنحه نوعاً من السكينة والاستقرار، ويقترن كلا النوعين بالعلاج الطبى، وأن كان قبل هذا وذاك فإن أول نصيحة تقدم للمريض هى أن يقترب من الله ويوثق علاقته به، فهذا كفيل بمنحه الراحة والسكينة ويعد أولى خطوات العلاج وأكثرها فعالية وتأثيراً

المصدر: مجلة حواء- سمر الدسوقي

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,700,996

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز