للمرة الثانية وللعام الثانى على التوالي، أعيد كتابة نفس العنوان بل ونفس الموضوع، «بلدك ولا ياميش رمضان ؟»
نعم فمازلنا نحتاج ونحن نستعد لاستقبال شهر رمضان، وفى نفس الوقت نحاول أن نكمل المسيرة حتى نعبر ببلدنا إلى بر الأمان، أن نتساءل أيهما أهم أن نفكر فى شراء مستلزمات شهر رمضان العديدة ونحن نتعامل معها كأزمة ومشكلة، أم نحمد الله أنه مازال لدينا بلد وأرض وأمام هذا لا يهم ماذا نشترى وبأى كمية فيمكننا أن نصبر ونضع من الخطط الاقتصادية - والتى تبرع فيها المرأة المصرية - ما يمكننا من اجتياز أى مرحلة ومناسبة طالما نعيش على أرضنا وبلدنا ولسنا بلاجئين أو مقيمين بخيام لا بديل لديهم سوى ما يقدم إليهم من أطعمة كمعونات!
أقول هذا للمرة الثانية لأنه وكالعادة بدأت مواقع التواصل الاجتماعى وككل عام فى تداول الإسقاطات والنكات المعتادة، «السنة دى هناكل كنافة بالتقسيط بعد ما كانت بالكريمة والمكسرات، عين الجمل والكاجو بـ 500 جنيه أو أكثر، رمضان إيه، هو احنا عارفين نشترى ياميش! .»
لدرجة أن الأمر قد يتحوّل أحيانا لأزمة تتطرق لها بعض وسائل الإعلام، بل وتهدر حول مناقشتها إمكانيات عديدة كان فى الإمكان توظيفها لما هو أجدى!
الأمر فى رأيى لا يتطلب أن نسلك نفس المسلك، أو نهدر الوقت فى مثل هذه المهاترات كل عام، دعونا ونحن نعيد هذا السيناريو للمرة الثانية أن نحاول العودة بآلة الزمن للوراء قليلاً بل ونُعيد قراءة التاريخ لعلنا نستفيد، ففى أعقاب حرب 1967 واجهت مصر ظروفًا اقتصادية بالغة التعقيد والخطورة، حيث انخفض معدل النمو خلال فترة الحرب إلى 3%، وأغلقت قناة السويس، وبالتالى فقدت إيراداتها، كما حدث انخفاض فى إيرادات قطاع السياحة، وبالتالى تراجع مستوى المعيشة وانخفضت الأجور، واستمرت هذه الظروف الصعبة حتى قيام حرب أكتوبر 1973، أى لمدة ست سنوات ارتفع خلاها الدَّين الخارجى لمصر ليتجاوز 5 مليارات دولار خلال السنوات الثلاث الأولى من حقبة السبعينيات، وتراجعت الصادرات، وكان الحل الوحيد للاستمرار هو تكاتف المصريين ومشاركتهم فى التحدى حتى يمكن الوصول لصناعة ملحمة النصر فيما بعد، من خلال حشد كل الإمكانيات المتاحة لصالح خوض المعركة أولا ،ً وبالتالى كان على الشعب أن يواجه ارتفاع أسعار بعض السلع كاللحوم والخضراوات، ونقص بعض السلع الغذائية الأخرى، مع انخفاض الأجور، ومع هذا صبر وأكمل الطريق وتحمل المسئولية، حتى كان نصر أكتوبر 1973 ، الذى لم يكن سوى انتصار لإرادة الشعب فى مواجهة الظروف الحياتية المعاكسة، والتراجع فى مستوى المعيشة، والتعنت والحصار الاقتصادى الذى فرضته دول عدة ضدنا، البعض سيقرأ هذا التاريخ بمنطق أننا نعيش ظروفًا مغايرة، ولكننا فى الواقع نعيش نفس اللحظة ونفس الحالة، نعيش وضع التصدى لمؤامرات عدة لا هدف لها منذ نجاحنا فى الوقوف أمام الحكم الإخوانى الغاشم ورحيل الجماعة الإرهابية الخائنة عن حكم مصر، سوى تركيع هذا البلد وتحويله إلى حطام لا يختلف كثيرًا عما وصلت إليه بعض من دول الجوار والتى لم تنجح للأسف فى الصمود، فكانت النتيجة شعوبًا مشردة ولاجئين بالملايين من الأطفال والنساء والرجال العُزّل الهاربين من جحيم ودمار الحروب والنزاعات الطائفية والعرقية، البعض منهم ساعده الحظ واستطاع الوصول إلى بلدان أحسنت استقباله، والبعض الآخر لم يجد سوى خيام اللاجئين على الحدود منتظرًا أن يرسم مصيره بأيدى دول أخرى يعلم الله وحده حقيقة أهدافها!
دعونا ننظر إلى بعض أشقائنا من دول الجوار الذين فروا من هذا الواقع الأليم إلى أرض مصرنا الحبيبة، والتى فتحت ذراعيها لاستقبال الجميع بكل الحب، ومع هذا فقد فقدوا وللأبد الوطن والأرض، وتحولت الحياة لديهم لوطن بديل وحياة بديلة وعمل قد لا يمت بصلة لتخصصهم العلمى وخبرتهم المهنية، ببساطة انتهت الحياة بالنسبة لهم وأصبحت مجرد وقت يمضي!
عن نفسي، أرى الوطن أهم من أى سلعة أيًا كانت، أهم من الكاجو والياميش وقمر الدين وغيرها، هذا إذا كانت لهم أهمية بالفعل!
وكامرأة مصرية أدعو كل النساء إلى أن يثبتن أنهن بالفعل «عظيمات مصر » كما يصفهن سيادة الرئيس دائمًا، ويكملن المسيرة بوضع خطة اقتصادية محكمة للتعامل مع هذا الواقع حتى نعبر ببلدنا إلى بر الأمان، فالاحتفال بشهر رمضان وغيره من المناسبات ليس من خلال شراء الطعام بكميات مبالغ فيها، أو التباهى بشراء ياميشرمضان بقدر ما هو احتفال دينى وروحاني، إذا أضفنا لهذا أننا نحتاج إلى التعامل مع المرحلة الراهنة بمنطق الاستغناء عن كل الكماليات وتخفيض النفقات ومقاطعة السلع التى ترتفع أسعارها دون مبرر واضح حتى وإن كانت أساسية، بل حشد الطاقة للبناء والتنمية، سنجد أنفسنا بدلاً من أن نهتم بشراء الكاجو والمكسرات وغيرهما، سنتجه لشراء مشروباتنا المصرية المميزة كالكركديه والعرقسوس والخروب، والفول السودانى كبديل عن المكسرات.
نصائح لا أقدمها من برج عاجى ولكن أقدمها كامراة عادية تنتمى للطبقة الوسطى، وتنفذ هذا على أرض الواقع، لأن بلدى أهم وأغلى عندي، وثقتى أن نساء بلدى لسن أقل وطنية مني، بل أكثر قدرة على تحقيق هذا، حماية لهذا الوطن وإكما لدورهن نحوه.
ساحة النقاش