إن مكانة الدول لا تقاس بمواردها الطبيعية فقط وإنما تقاس بأنظمتها الاجتماعية والسياسية وبرامج التنمية البشرية، كما تقاس بالوعى الخاص بضرورة مواجهة التحديات والأنماط السلبية التى تواجه السياسات الخاصة ببرامج التنمية، وبأهمية وضع صياغة لأولويات مواجهة هذه التحديات، مع الأخذ فى الاعتبار أن احتياجات الفرد والمجتمع قد تمتد إلى ما وراء الخطط والبرامج المعتمدة على المستوى المحلى والدولى، ومن أهم التحديات التى تعرقل مسيرة التنمية فى المجتمع المصرى، وتستوجب تضافر كل الجهود لمواجهتها جريمة المخدرات وما يتبعها من جرائم منظمة مثل غسيل الأموال، والإرهاب، وتعاطى وإدمان المخدرات، والتى فرضت نفسها على العالم كله كواحدة من أخطر التحديات المعاصرة التى تهدد أمن واستقرار المجتمعات وتقضى على كيانها الاقتصادى والاجتماعى والثقافى والسياسى، ورغم أن نسبة تعاطى المخدرات فى مصر قد وصلت إلى 10.4% وهى ضعف المعدلات العالمية، إلا أن مصر كانت من أوائل الدول التى أصدرت تشريعا متكاملا لمواجهة هذه المشكلة عام 1928، وأنشأت أول إدارة لمكافحة المخدرات عام 1929، ليكون نقطة انطلاق لموجة من الاهتمام المصرى بمواجهة هذا التحدى لم تتوقف بل استمر تدفقها حتى الآن، وخطورة هذا التحدى تكمن فى أن الشباب من أكثر الفئات المستهدفة بظاهرة تعاطى المخدرات - كما أثبتت نتائج البحوث المعنية بظاهرة تعاطى وإدمان المخدرات - وذلك على تنوع مستوياتهم التعليمية والاجتماعية والمهنية، والأخطر من ذلك انخفاض سن تعاطى واستخدام المواد المخدرة بين النشء والشباب، والتى قد تصل إلى تسع سنوات فقط، لذلك يقع على الدولة عبء كبير للوقاية من الإدمان، وذلك بحكم ما لديها من أجهزة الضبط وما تسنه من قوانين، لذلك تقوم الدولة بمجهود كبير جدا وخطير فى إحكام المنافذ لتقليل كمية المخدرات التى تهرب إلى داخل البلاد إلى أقل حد ممكن، وذلك عن طريق التعاون بين وزارة الداخلية والقوات المسلحة، مع الحزم فى مواجهة المهربين وتجار المخدرات والموزعين، كما أنها نجحت فى الحد من صرف الأدوية من مختلف الصيدليات والتى تحتوى على بعض المواد المخدرة بنسب متفاوتة، وقرار الحكومة المصرية بضرورة الكشف الدورى المفاجئ على سائقى النقل الثقيلوالقطارات وأتوبيسات المدارس، وإجراءات الكشف عن الإدمان والتعاطى بين موظفى الدولة قرار صائب للحفاظ على حياة مواطنينا وأطفالنا، خاصة بعد حادثة قطار رمسيس والذى راح ضحيتهأكثر من عشرين مواطنا بسبب إهمال وتعاطى سائقه للمخدرات، كما أن التوعية بمخاطر الإدمان سواء على المدمن أو على أسرته أو على المجتمع مهم جداً فى هذه القضية خاصة من خلال الاستخدام الجيد لوسائل الإعلام والإعلان عن أماكن وتليفونات مراكز العلاج، والحذر كل الحذر من الإعلام الخطأ، ويأتى الدور الأهم فى الحد من انتشار المخدرات والإدمان، وهو دور الأسرة وخاصة الأم فى حماية وتحصين أبنائها فى ضوء ظهور أنواع جديدة وغريبة من المخدرات على مجتمعنا، وفى ضوء المفاهيم المغلوطة التى يتعرض لها الشباب المصرى سواء من الخارج أو فى الداخل، وحمايتهم من تعاطى المخدرات لا يقل أهمية من حمايتهم من الوقوع فى براثن التطرف والإرهاب.. وتحيا مصر.
ساحة النقاش