كتبت : أماني ربيع
مع انتشار الهواتف المحمولة لم يعد استخدام شبكة الانترنت قصارا على أجهزة الكمبيوتر المنزلية ما جعل الرقابة الأبوية مهمة على استخدام أبنائهم لمواقع التواصل الاجتماعى وغيرها من تكنولوجيا العصر، وهو ما ظهر فى انتشار تطبيقات الفيديو التى باتت ملاذا للشباب لقضاء أوقات فراغهم وإظهار مواهب البعض منهم، ما دفع "حواء" إلى التساؤل عن أضرار هذه التطبيقات، وكيف يمكن حماية شبابنا منها؟
في التحقيق التالي "حواء" تتواصل مع أولياء الأمور والمختصين في التربية وعلم الاجتماع والقانون والأمن الجنائي للوقوف على فوائد وأضرار تلك التطبيقات.
البداية مع سحر عبد الله، ربة منزل وتقول: بالطبع كأي أسرة يمتلك ابناي هواتف ذكية عليها ألعاب مختلفة وواتس آب وفيس بوك وهو ما اعتبرته أمرا طبيعيا حتى فوجئت بإلحاحهما لتحميل تطبيق فيديوهات جديدة يشترك فيه أصدقاؤهما، ما دفعنى لإلقاء نظرة على هذا التطبيق قبل دخولهما عليه وفوجئت بالمحتوى الصادم لبعض الفيديوهات عليه، فرفضت تحميله وتناقشت معهما بهدوء وتواصلت مع أولياء أمور أصدقائهما لأوضح وجهة نظري وبالفعل منعوا أبنائهم من الولوج إليه.
وتقول هديل عبد الرحمن، مهندسة: أعامل ابنتي ذات الـ 15 عاما كصديقة لى، لكننى تفاجأت فى الفترة الأخيرة باستخدامها الهاتف لساعات طويلة حتى علمت بتسجيلها لمقاطع فيديو، وعندما سألتها أخبرتنى أنه تطبيق جديد خاص بالفيديوهات اشتركت فيه وفوجئت أنها تصور فيديوهات كثيرة تقلد فيها أصوات المشاهير أو تقدم مواقف ساخرة، وعلمت أن لديها هوسا بالتطبيق جعلها تشعر أن كل شيء في حياتها يمكن أن يكون فرصة لتنال شهرة أكبر، ولأول مرة شعرت أننا بعيدات جدا عن بعضنا البعض، وأننا لا ننتمي لنفس العالم.
أما نشوى الرحماني، مدرسة ففوجأت بأن أبناءها ينشرون محتوى على حساباتهم مع تفعيل خاصية تجعلها لا ترى كل ما يكتبون أو ينشرون، هذه المساحة الافتراضية يحاولون فيها التعبير عن أنفسهم بعيدا عنها ووالدهم، وتقول: في الحقيقة هناك فوائد لهذه التطبيقات، فابني الأكبر مثلا موهوب في الغناء، وبدأ في نشر مقاطع قصيرة يغني فيها لمطربين يحبهم ووجد تفاعلا كبيرا من أصدقائه، بصراحة وجدته سعيدا جدا، وأصبح أكثر إيجابية في حياته.
وعن شعور الشباب باستخدامهم مثل هذه التطبيقات فتقول جويرية حسين، طالبة بكلية التجارة: تشعرنا تطبيقات الفيديو أننا نقف على المسرح وأمامنا جمهور عريض، أحيانا نفتقد لمن يهتم بنا في الحياة الحقيقية، ويشعرنا بالاهتمام والإعجاب بما نقدمه بالرضا عن أنفسنا والشعور بالتقبل من الآخرين، أعتقد أن مسألة المحتوى غير مهمة، والكوميديا والمحتوى الساخر ليست عيبا، المهم فقط ألا يكون المحتوى مسيئا لأحد.
ويرى آدم محمود، طالب بكلية الخدمة الاجتماعية أنه لا يجب أن يكون هناك هدف من كل شيء نفعله إنها مجرد مساحة للمرح، والفيديوهات وسيلة للتعبير عن أنفسنا وتقديم مواهبنا أحيانا، وبصراحة ما المانع من تحقيق الشهرة وتحصيل نقود كثيرة تمكننا من تأمين حياتنا في سن صغيرة.
النرجسية وهوس الشهرة
يعلق د. أمجد مصيلحي، أستاذ علم الاجتماع على استخدام الشباب لتطبيقات الفيديو الجديدة المنتشرة على مواقع التواصل الاجتماعى قائلا: تطبيقات الفيديوهات تحديدا التي يحصد فيها الناشر إعجابا لمظهره أو أسلوبه تعزز لدى الشاب هوسا بالأنا والنرجسية، كما أن مشاهدة الكثير من أقرانه يحققون شهرة وأموالا تصيبه بهوس الشهرة الأمر الذي يجعله مستعدا لفعل أي شيء يتفوق من خلاله عليهم، وبمرور الوقت يتحول الأمر إلى رغبة إدمانية في زيادة "اللايكات" وعدد المتابعين، بالطبع لا يمكن منع مواقع التواصل التي أصبحت ملاذا للكثير من الشباب لكن لابد من تفعيل الدور الرقابى للأسرة ولو بصورة غير مباشرة، وأن يكون هناك حوار حقيقي بين أفراد الأسرة، لكن إذا كان الأب والأم دائما منشغلين بالعمل أو هواتفهما أيضا، سيحاول الأبناء أن يجدوا الاهتمام والحب حتى لو كان افتراضيا، ويميلون أكثر للعزلة ويصبحون عازفين عن بناء علاقات حقيقية في الواقع.
الإعلام فى قفص الاتهام
ترى هناء سعد الله، الخبيرة التربوية أن هذه المواقع تحولت بمرور الوقت إلى استنزاف للوقت بلا فائدة، وحتى النماذج التي تحقق الشهرة والأموال من خلالها فهي قليلة مقارنة بالعدد الضخم من المشتركين، لكنهم يصبحون الهدف المغري للأطفال والشباب الذين يريدون أن يصبحوا "تريند" مثلهم حتى لو لأيام معدودة، وتقول: تساهم وسائل الإعلام في الترويج لمثل هذه التطبيقات من خلال استضافتها مدونيها الذين يعتبرهم الشباب قدوة ومثلا يحتذى به، فالأطفال والمراهقين لا يزالون في طور الإنشاء والتلقي، فإذا نشأوا على فكرة تحصيل الشهرة والنقود دون مجهود أو شيء له قيمة فهذا سينعكس على مراحلهم العمرية اللاحقة، كما أن فشلهم في تحقيق ذلك يعرضهم للإحباط والعزلة.
جهود حكومية
يقول اللواء محمود الرشيدي، مساعد وزير الداخلية السابق للمعلومات: البعض لا ينتبه إلى خطورة مواقع التواصل في تعريض أمنهم وخصوصيتهم للانتهاك عبر المعلومات التي ينشرونها عليه ويجعل هواتفهم وأجهزتهم بل ومنازلهم نفسها عرضة للخطر، فبعض الهاكرز يستغلون الصور والفيديوهات وغيرها من المعلومات كأرقام تليفون وخلافه لاختراق أجهزتهم ثم ابتزازهم فيما بعد.
ويتابع: من جهتها اتخذت الدولة العديد من الإجراءات لحماية أمن المواطنين من الجرائم الإلكترونية حيث تم إنشاء مباحث الانترنت التابعة لوزارة الداخلية والخط الساخن 108 لتلقي شكاوى المواطنين ومتابعة ورصد أية بلاغات تقدم على مدار الساعة، بالإضافة إلى إجراءات تشريعية منها إصدار القانون رقم 175 لسنة 2018 لجرائم المعلومات يقنن الحجية القانونية للأدلة الإلكترونية التي تجدها المباحث، وكذلك قانون 151 لسنة 2020، لحماية بيانات المستخدمين.
ويضيف: لا يجب أن نتعامل مع قضية مواقع التواصل وتطبيقات الفيديو بتهاون، فأحيانا عن طريقها يتم تجنيد الشباب والمراهقين في الجماعات الإرهابية، وحشو رءوسهم بالأفكار المتطرفة، بالإضافة إلى استغلالهم جنسيا، وابتزازهم وتعريضهم للتنمر والتحرش، بالإضافة إلى ظاهرة تقليد أصوات المشاهير وهي تقنية يمكن استغلالها للاتصال بالآخرين بصوت شخص آخر وهي جريمة يعاقب عليها فهذا انتحال لشخصية شخص آخر، من جهتها الدولة بأجهزتها الأمنية حاضرة بقوة، ورأينا مؤخرا كلما تثار قضية تتحرك سريعا، وهنا نتساءل عن دور الأسرة التي أصبح من المعتاد فيها الآن أن يمتلك كل فرد فيها حتى الأطفال هاتفا ذكيا مرتبطا بالانترنت، ونتركه معه بلا رقيب، لنفاجأ بعد ذلك بأن أطفالنا وشبابنا يتخلون عن حرماتهم الشخصية لحصد الإعجاب والمتابعين، ويمكن أن نترك الهواتف معهم لكن أن يكون الدخول للشبكة محدود، فمثلا الأطفال لا يشاهدون إلا المحتوى المخصص للأطفال، والمراهقين يتم حجب المواقع الإباحية وغيرها عنهم، فيصبح الانترنت هنا آمنا، وقبل إنشاء حسابات لهم على مواقع التواصل يجب تفعيل الخصوصية عليها لضمان حمايتهم.
ساحة النقاش