كتبت : سكينة السادات
قال ربى سبحانه وتعالى فى كتابه الحكيم: (وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحسانا) صدق الله العظيم, وفى كل الأديان السماوية تأكيد على ضرورة البر بالوالدين والإحسان إليهما خاصة عندما يتقدم بهما السن, وأنا أنفذ تعاليم ديننا الحنيف بما أننى رجل مسلم أعرف واجبات دينى جيداً, وبصرف النظر عن تعاليم الدين فإنها أمى صاحبة الفضل علي منذ أن جاءت بى إلى الدنيا وحتى يومنا هذا, وأتساءل هل اهتمامى بأمى وهى فى السبعينات من عمرها عيب أؤاخذ عليه؟ هكذا تصور زوجتى الأمور وكأن بى نقيصة أو عيب تعايرنى به, تقول لى: أختك لا تهتم بها مثلك؟ وأولادك أولى برعايتك, أقول لها أمى قبل أولادى عندى, فتقول حقيقى أنت ابن أمك!
***
المهندس أحمد, 44 سنة قالى لى: هل عنايتى واهتمامى بأمى يعتبر من العيوب يا سيدتى؟ قلت له بل العكس هو الصحيح يا بنى, فمن لا يبر والديه هو العيوب؟ قال إذن أرجوك لا تنزعجى وتعارضينى إذا طلبت موافقتك على أن أطلق زوجتى أم ابنى وابنتى لأنها تعايرنى باهتمامى بأمى التى فى السبعينات ومصابة بأمراض مزمنة لا أول لها ولا آخر, أبسطها ضغط الدم المرتفع والسكر وهشاشة العظام والقولون العصبى! وقبل كل ذلك هى هذه الأم فى حياتى وكيف سيرت حياتى وربتنى وأنفقت علي أنا وأختى كل مالها وصحتها وحياتها هذا ما سوف أحكيه لك باختصار شديد!
***
قال المهندس أحمد: تعتبر أسرتنا من الأسر المتوسطة أو ربما تكون فوق المتوسطة, فقد كان أبى رحمة الله عليه مهندسا مرموقا فى وزارة الرى وكان والده أيضاً مهندسا بالحكومة كانوا قد أرسلوه إلى السودان أيام كانت بالسودان ومصر مملكة واحدة, وأعود إلى أسرتنا فقد تزوج أبى من والدتى وهى خريجة كلية المعلمات وكانت تعمل مدرسة وراعية للنشاط الاجتماعى فى إحدى المدارس الخاصة, ولم ينجبا سواى أنا ابنهما الكبير, وجاءت أختى الوحيدة بعدى بخمسة أعوام, وكنا أسرة هادئة موفقة, فقد اخترت أن أكون مهندسا مدنيا أى مهندسا للبناء وليس للرى مثل والدى وجدى, ووافق والدى على مضض, وتخرجت أختى الوحيدة من كلية الآداب الإنجليزية, أما والدتى فقد كانت إلى جانب عملها كمعلمة وإشرافها على كل نشاطات المدرسة التى تعمل بها، كانت أمى ربة بيت ممتازة, ولم تكن تسمح لأحد غيرها بالدخول إلى مطبخها إذ كانت هى التى تطهى لنا الطعام, وهى التى تعد لنا الحلوى الرائعة, وهى التى تشترى ملابس أبى وأختى وملابسى بالطبع, وهى التى تذاكر لنا دروسنا, وهى التى تعد صوانى الطعام اللذيذة وترسلها إلى بيت جدى وجدتى والد أبى, وكان دائما يقول عنها - عن أمى-: "سوسن دى آية فى مصحف ومعزتها عندى أكثر من معزة أولادى نفسهم", هذه هى أمى التى عاشت حياتها من أجل رعايتى ورعاية أبى وأختى حتى أصيب أبى بذبحة صدرية، عقبها فشل كلوى وخرج على المعاش مريضا يحتاج إلى الرعاية والدواء والطعام الخاص الذى يتناسب مع صحته, فما كان من أمى إلا أن تستقيل من عملها وهى بعد لم تصل إلى سن المعاش وتفرغت لرعاية والدي وإعطائه الدواء فى الوقت المطلوب وإعداد حياته وإعطائه الحمام اليومى أو"الدش" كما كان يسميه, وهى التى تقوم بموافقته فى الحمام ولكى تغسل له ظهره ثم يخرجان لأداء الصلاة ويتناولان الإفطار والدواء, ثم يرتاح أبى فى فراشه هو ويقرأ الجرائد ويستمع إلى نشرة الأخبار وتقوم أمى مع "الشغالة" بتنظيف البيت والإشراف على إعداد الطعام لأبى ثم لى أنا وأختى علاوة على باقى أعباء البيت الكثيرة.
***
واستطرد المهندس أحمد.. ومرت سنوات عديدة تدهورت فيها صحة أبى وأيضاً تدهورت صحة أمى وباختصار توفى والدى بعد أن أصيب بنوبة قلبية مفاجئة, وخلال تلك السنوات قبل وفاته كنت قد تخرجت وتزوجت أنا وأختى وصار لنا بيوتنا الخاصة, حيث اخترت لسكنى منزلا قريبا من منزل والدى, أما أختى فقد سكنت مع زوجها فى إحدى المدن الجديدة, وكان خبر وفاة والدى صاعقة لأمى ولى ولأختى وتوالت الأحداث والأسبوع القادم أكمل لك ما حدث
ساحة النقاش