الملف إعداد : سمر عيد -منار السيد - أميرة إسماعيل - سماح موسى- هايدى زكى

منذ الوهلة الأولى تلمح في عينيها إصرارا وعزيمة وتحدي شقيقها الأكبر، ففي صوتها نفس النبرة المهذبة الحالمة بالمستقبل، ومن عباراتها تنهال حكمته وطريقته المبسطة في توصيل المعلومة لمن يحدثه، إنها شقيقة د. أحمد زويل عالمنا الجليل صاحب "الفيمتو ثانية" والحاصل على جائزة نوبل للعلوم عام 1999م، تحدثنا معها عن دور والدتها في تنشئتها وإخوتها وعلى رأسهم العالم الراحل، وشرحت لنا كيف صنعت والدتها من أستاذ علوم في جامعة الإسكندرية عالما ينحني لعلمه واختراعاته العالم..

- فى البداية نود أن نتعرف على نانا زويل..

أنا الشقيقة الصغرى للدكتور أحمد زويل، تخرجت فى كلية التجارة وعملت لفترة في الأكاديمية العربية للعلوم والتكنولوجيا، ونحن 4 إخوة .

- وكيف كانت علاقتك بزويل؟

إذا تحدثنا عن زويل "العالم الكبير" سنحتاج إلى كتب ومؤلفات ففي 21 أكتوبر 1999 حصل على جائزة نوبل في الكيمياء عن اختراعه لكاميرا لتحليل الطيف تعمل بسرعة الفيمتو ثانيةFemtosecond Spectroscopy)  ‏،) ودراسته للتفاعلات الكيميائية باستخدامها، ليصبح بذلك أول عالم مصري وعربي يفوز بجائزة نوبل في الكيمياء، وليدخل العالم كله في زمن جديد لم تكن البشرية تتوقع أن تدركه لتمكنه من مراقبة حركة الذرات داخل الجزيئات أثناء التفاعل الكيميائي عن طريق تقنية الليزر السريع، كما حصل على مجموعة جوائز لم يسبق أن حصل عليها عالم مصري أو عربي منها: جائزة ماكس بلانك وهي الأولى في ألمانيا، جائزة وولش الأمريكية، وهاريون هاو الأمريكية، وجائزة الملك فيصل العالمية في العلوم، وهوكست الألمانية، وانتُخب عضوا في أكاديمية العلوم والفنون الأمريكية وحصل على ميدالية أكاديمية العلوم والفنون الهولندية، كما استحق جائزة الامتياز باسم ليوناردو دا فينشي، وحصل على الدكتوراه الفخرية من جامعات أوكسفورد والأمريكية بالقاهرة والإسكندرية، فضلا عن جائزة ألكسندر فون هومبولت من ألمانيا الغربية، وهي أكبر جائزة علمية هنا، وباك وتيني من نيويورك، وجائزة السلطان قابوس في العلوم والفيزياء سنة 1989، ووسام بنجامين فرنكلن سنة 1998 على عمله في دراسة التفاعل الكيميائي في زمن متناهي الصغر،وانتخبته الأكاديمية البابوية ليصبح عضوا بها ويحصل على وسامها الذهبي سنة 2000، ثم حصل على جائزة وزارة الطاقة الأمريكية السنوية في الكيمياء، وكارس من جامعة زيورخ في الكيمياء والطبيعة، وانتخب بالإجماع عضوا بالأكاديمية الأمريكية للعلوم، وحصل على وسام الاستحقاق من الطبقة الأولى  1995، وقلادة النيل العظمى، وفي أبريل 2009 أعلن البيت الأبيض عن اختياره ضمن مجلس مستشاري الرئيس الأمريكي للعلوم والتكنولوجيا والذي يضم 20 عالما مرموقا في عدد من المجالات، وحصل على قلادة بريستلي، كما أُطلق اسمه على بعض الشوارع والميادين في مصر.

وماذا عن زويل الإنسان؟

كان يراعي مشاعر الصغير قبل الكبير، وورث عن والداي حسن الأخلاق والطباع ورحابة الصدر، ولقد عرض على أخي أن يلتحق بكلية الطب بعد دراسته لمدة عام في كلية العلوم بجامعة الإسكندرية لكنه رفض وتمسك بدراسته لأنه عالم ومخترع وليس طبيبا، وكان يعشق الأجواء الأسرية، وعلى الرغم من حصوله على الجنسية الأمريكية إلا أنه ظل محتفظا بجواز سفره المصري وهويته المصرية، وكان يزور مصر من حين لآخر كي ينعم بأجواء الدفء الأسري ويستشير والدتي رحمها الله في الكثير من مشكلات ومشاغل حياته.

- وإذا تحدثنا عن دور والدتك في تربيتك وإخوتك ومنهم د. زويل، هل كان لها نهج مختلفا في تربيتكم؟

والدتي رحمها الله كانت سيدة بسيطة جدا ربتنا جميعا على الأخلاق والدين والعطاء دون انتظار المقابل، وربت الفتيات بالذات على التمسك بالتقاليد، بينما ربت أخي أحمد على تحمل المسئولية والاجتهاد والإخلاص في العمل، وأذكر أنه عندما كنا نجلس في غرفته كان يترك لنا الغرفة ويحمل كتبه ويستذكر خارجها نظرا لأنه كان يحرج أن يطلب منا مغادرة غرفته كي يستذكر، ولا أذكر مطلقا أنني سمعت لفظا خارجا أو تحدث أحدنا للآخر بأسلوب غير مهذب، وكانت والدتي على الرغم من أنها شخصية حنونة تحتوي الجميع إلا أنها كانت قيادية تشجع كل أبنائها على الوصول لأهدافهم، وأذكر عندما قرر أخي أحمد السفر للولايات المتحدة كاد قلبها ينفطر من الحزن لفراقه لكنها شجعته كي يستكمل دراسته هناك، وعندما وصل إلى أعلى الدرجات العلمية وحصد عدة جوائز كانت تود أن يعود إلى مصر، وكان يخبرها أنه سيعود حتما لا محالة لكن أبحاثه وعمله في الولايات المتحدة وسيظل هناك لأجل عمله فكانت تسانده وتقوي عزيمته على الرغم من علمها ومعرفتها بمدى اشتياق وحب أخي أحمد لمصر.

- ما الذي اكتسبته من والدتك رحمها الله؟

أمي كانت شخصية رائعة تجمع بين القيم والعادات المصرية الأصيلة وبين الحداثة والتطور والنهضة الحضارية، وكأنها جمعت كل خصال الزمن الجميل الرائعة وكل إبداع وتقدم الزمن الحديث، وقد تعلمت منها أن التكنولوجيا والعلوم وكل مستحدثات العصر الحديث لابد وأن تكون في خدمة البشرية وصالحها وليست ضدها، وقد اكتسبت منها معالجة المشكلات بحكمة وهدوء والسيطرة على الغضب، وأذكر جيدا أنها كانت تفهم أخي أحمد رحمه الله من عينيه قبل أن يتحدث بكلمة واحدة، فتبادر وتخبره بما يخفيه عنها ولا يجد مهربا من أن يعترف لها بما في قلبه وما يدور في وجدانه، وقد تعلمت منها فن قراءة الأشخاص وتحليل نبرات صوتهم ونظراتهم للوصول إلى ما يفكرون به وما يشعرون به، وورثت عنها الفراسة ومعرفة الناس على حقيقتهم.

- هل ترين أن هناك أمورا تميز الأم والدة العالم أو العبقري أو أي شخص متميز عن بقية الأمهات؟

نعم فهي تسعى لتوجيه الطفل إلى دراسة ما سيبرع به، والمبادرة باكتشاف مواهبه وتنميتها وإتاحة الفرصة والحرية له في اختيار المجال الذي سيبرع فيه وسيجد فيه نفسه، وعدم إجباره على دراسة مواد لا يحبها أو ممارسة هواية يمل منها، وإطلاق العنان لخياله وأفكاره وبذل كل الجهد المادي والمعنوي لتحقيق طموحه، وهذا ما فعلته أمي رحمها الله مع أخي زويل.

- ما الأخطاء التي تقع بها أمهات الجيل الجديد وكانت تتجنبها أمهات الزمن الجميل؟

هناك أخطاء فادحة تقع فيها أمهات هذا الجيل، منها ترك الحرية المبالغ فيها للبنات والأولاد، فقد كانت أمهات الزمن الجميل يحققن المعادلة الصعبة بين مبادئ التربية القديمة من احترام الآخر والوقوف احتراما للكبير وخفض الصوت أثناء التحدث مع الأم والأب والمحافظة على مواعيد تجمع الأسرة على الغذاء أو العشاء وبين ترك مساحة حرية للأبناء للتعبير عما يجول بخاطرهم ومصادقتهم وتشجعيهم على التحدث في أية مشكلة يواجهونها.

- وإلى أى مدى استفدت من أسلوب والدتك فى تعاملك مع أبنائك؟

لدي ثلاث بنات إيمان وأماني وليلي، وأحرص على ملء عقولهن ووجدانهن قبل أن أهتم بنوعية السيارة التي ستقودها كل منهن أو أهتم بالهاتف المحمول الذي سأشتريه لأي منهن، فالتركيز على الإنسان عقله وقلبه ووجدانه أهم بكثير جدا من طهي الطعام المفضل بالنسبة له أو الاهتمام بمظهره وطلته الاجتماعية أمام الناس، لذا أحرص أن تقرأ بناتي ولو سور صغيرة من القرآن الكريم يوميا وأنا أيضا أشاركهن وأقرأ معهن، وأحرص أن أجعلهن فتيات عمليات يركزن على تنمية شخصياتهن وعقولهن بدلا من الركض خلف مظاهر كاذبة مع الأسف أصبحت معظم فتيات الجيل يركضن خلفها، وهذه نصيحتي لكل أم أن تشبع أبناءها حنانا وحبا وتنمي عقولهم قبل أن تبحث عن مظاهر خادعة ربما قد تضر أبناءها أكثر مما تنفعهم.

- ما الرسالة التي تريدين توجيهها إلى أخيك الراحل زويل؟

أريد أن أقول له (أخي أنت الطفل الهادئ، أنت التلميذ النجيب، أنت الشاب الخلوق، أنت العالم المتواضع، وأنت الإنسان والإنسان أنت، يا فخري، يا فخر مصر والعرب بل العالم 

المصدر: الملف إعداد : سمر عيد -منار السيد - أميرة إسماعيل - سماح موسى- هايدى زكى
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 325 مشاهدة
نشرت فى 25 مارس 2021 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,758,191

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز