كتبت : سماح موسى

 

"شهر رمضان هو شهر الفرص، ليس فرصة للكبار في إقامة الشعائر الدينية فحسب بل نافذة لتعليم وتربية الأبناء تربية دينية سليمة، فلابد من تربية أنفسنا أولا، علينا أن نراعي تصرفاتنا فلا تنه ابنك عن الكذب وفي نفس الوقت تطلب منه أن يكذب على جارك بأنك غير موجود في البيت، لا تقل له لا تتنمر على أخيك وأنت تتنمر على شخص عابر أو ممثل، انتبه إلى تصرفاتك ثم أدب ابنك وعلمه الصدق والأمانة واحترام الكبير والعطف على الصغير ومساعدة الفقراء فلا تأمره بل اجعل نفسك قدوة ونموذجا حسنا يقتدي به.

 

في البداية تقول أسماء محمد، 33 عاما ربة منزل أم لثلاثة أبناء انتهزت فرصة شهر رمضان الماضي في تعليم أبنائي صلة الرحم والتسامح، فسامحت أشخاصا أساءوا إلي وأطفالي يدركون إساءتهم لي لكنهم تعلموا معني العفو والتسامح، فوجدت ابني البالغ من العمر ١٠ سنوات يطلب مني أتصل على صديقه ليصالحه رغم أن صديقه هو المخطئ في حقه.

 

أما نورا أحمد، ٤٥ عاما موظفة بالشهر العقاري أم لبنت تقول: وجدت ابنتي البالغة من العمر ١٢ عاما  تكذب وتقول كذبة بيضاء فسألتها يعني إيه، ردت قائلة إنها سمعتها من والدها، ومن يومها قررت أنا ووالدها أن ننتبه ونحاسب على كل تصرف أمام البنت، ونحاول نعدل من سلوكياتنا لأجلها، ففاجأتنا شهر رمضان الماضي أنها تشجع صديقاتها في المدرسة أن تجتمع كل يوم معهن بعد الإفطار ويقرأن قصص عن النساء في الإسلام.

 

 

"عودت أولادي على توزيع أكلات للمحتاجين في شهر رمضان"، هذا ما بدأ به محمد أحمد، 40 عاما، مدرس لغة عربية وأب لولدين وبنت، يضيف قبل قدوم رمضان بشهرين اشتريت حصالة لنجمع فيها أموالا ويشاركني فيها أبنائي من مصروفهم اليومي، نقوم بفتح الحصالة ونسجل ما نحتاج شراءه قبل الشهر الفضيل بخمسة أيام فقط، نقوم بالشراء ونساعد زوجتي في طهو أكلات للفقراء والمحتاجين طيلة شهر رمضان ونساعدها أنا وأولادنا في التجهيز والطهو والتوزيع حتى نعلم أبناءنا مساعدة الفقراء والمحتاجين.

 

بعد سرد حكايات لآباء وأمهات عن السلوكيات التي تعلمها أبناؤهم منهم في شهر رمضان فماذا عن تعليق خبراء التربية والنفس..

 

في البداية يقول أ.د. حسن شحاته، أستاذ المناهج بكلية التربية جامعة عين شمس: شهر رمضان فرصة طيبة لتنمية وتحسين السلوك الأخلاقي والديني لدى الأطفال لتعليمهم عن طريق النموذج والقدوة في التزام الوالدين بالطقوس الدينية والسلوكيات المتبعة عن طريق سرد قصص لهم بعد الإفطار أو أثناء النهار خاصة قصص الأبطال والشهداء الذين ضحوا بأنفسهم من أجل مصر من خلال تعامل الآباء مع بعضهم البعض مع الأقارب والجيران، أيضا يستمد الطفل سلوكياته عن طريق الألعاب الذكية التي تعلمهم فن الإتيكيت في المأكل والملبس والمشرب والتعامل مع الآخرين واستقبال الضيوف، أقصد بالإتيكيت الذوق العام وهو فن التعامل مع الآخرين بسلوك راق ومراعاة مشاعرهم واحترام الآخرين خاصة الأكبر سنا، الأدب عند طلب المساعدة والشكر عند تقديم أي شيء لك واحترام المواعيد والاستئذان بالطرق على الباب أثناء وجود الضيوف، الاهتمام بحسن المظهر والنظافة والترتيب والحفاظ على الابتسامة دائما، تجنب الحديث بصوت عال وعدم إفشاء الأسرار العائلية، الاعتذار عند ارتكاب الأخطاء وعدم مقاطعة الآخرين حين الانتهاء من الكلام، الصدق وتجنب الحلف كثيرا والمجاملة مطلوبة لكن مع الحذر من النفاق والتملق وعدم زيارة أحد دون استئذان.

يضيف د. حسن لابد أن نعلم أولادنا أن التسامح  والإيثار خلق ديني راق وأسمى الصفات التي أمرنا بها عز وجل "خذ العفو وأمر بالعرف وأعرض عن الجاهلين"، إن العفو عند المقدرة والتجاوز عن أخطاء الآخرين والتماس الأعذار لهم والنظر إلى مزاياهم بدلا من التركيز على عيوبهم يحرر من الكراهية والحقد والحسد والغضب والتوتر وكل الضغوط النفسية، وإقامة علاقات سوية سعيدة ومحترمة مع الآخرين لا تقوم على المصالح الخاصة والمنفعة بل على تقدير واحترام الآخر.

يؤكد د. حسن على أهمية هذا الشهر الفضيل في تعليم أطفالنا قيمة الغذاء الصحي فضل التعبد والتقرب إلى الله، شكر الله على نعمه واصطحابهم إلى المساجد في كل صلاة مع وجود الإجراءات الاحترازية فرمضان فرصة لممارسة الحياة السلوكية الناجحة ومعايشة السلوك الأخلاقي الصحيح.

 

من ناحية أخرى ينصح أستاذ المناهج الوالدين  باحترامهما للأبناء مهما كان عمرهم فالعدالة وعدم التفرقة بينهم والاستماع إلى شكوى أطفالهما ومناقشة مشاكلهم معهم واحترام مشاعرهم وعدم فرض سلوك أو رأي عليهم يكون شعارهم التفاهم.

 

أما د. جمال فرويز، استشاري الطب النفسي يقول: "الطفل وليد التقليد" لا يسمع نصائح لكنه يقلد تصرفات الآخرين، نربي أنفسنا أولا ككبار، ننتبه إلى سلوكياتنا فلا نكذب، لا ننم، لا نسرق، لا نسب، لا نحلف ونتحدث عن الآخرين، مساعدة الفقراء وجعلهم شركاء في هذا العمل الخير بإعطائهم أموال أو مساعدات أخرى يقدمونها بأنفسهم إلى الفقراء والمحتاجين، واصطحابهم إلى دروس الدين ليتعلموا منها احترام الديانات الأخرى وعدم التنمر على الآخرين.

ينصح د. فرويز الآباء اظهروا حبكم لبعض مثلما تظهروا مشاكلكم مع بعض أمام أبنائكم، فكلما شعر الأبناء بحب الآباء لبعضهم البعض شعروا بالأمان والاطمئنان والسعادة داخل البيت.

 

يتفق أ.د. جمال شفيق أحمد، أستاذ علم النفس الإكلينكي بجامعة عين شمس مع الآراء السابقة، ويضيف شهر رمضان هو شهر القرآن والجود والكرم والعطاء والروحانيات وبالتالي يعتبر فرصة موسمية  عظيمة لصيانة النفس البشرية وإعادة حساباتها مع نفسها وربها ومع كل المخلوقات البشرية، ويعتبر فرصة لتعويد وتدريب أطفالنا من خلال سلوكياتنا نحن ككبار، فعلينا أن نلتزم بقواعد السلوك الطيب والأخلاق الحميدة وأهمها الالتزام بأداء الفرائض الدينية في موعدها والتعود على تحمل الحرمان فالإنسان في حرمانه من بعض المتع والملذات يجد راحة وسعادة لأنه يطيع الله سبحانه وتعالي وفي نفس الوقت يشعر بإحساس الآخرين المحرومين من هذه النعم طوال العام وتعويده على كثرة العطاء، وفكان الرسول الكريم كالجود وكالريح المرسلة في الجود والعطاء في شهر رمضان خاصة، فحينما نكثر من الصدقات وإفطار غير القادرين والتعود على قراءة القرآن باستمرار وصلاة الفجر حاضر وصلة الرحم والبعد عن القطيعة والبعد عن القيل والقال التي أصبحت شائعة بين الأهل والجيران والأصدقاء والزملاء والسخرية من الآخرين فشهر رمضان يجعل الناس تمسك عن كل هذه العادات السيئة التي قد تضيع فائدة الصيام، كل هذه السلوكيات تتكرر كإعادة تقييم لسلوكياتنا ويعتاد عليها أطفالنا.

 

أخيرا وليس آخرا تقول د. شيماء إسماعيل، استشاري الصحة النفسية والعلاقات الأسرية: من أعظم فوائد الشهر الفضيل أنه يعطي البيوت طابعا روحانيا عظيما وبهجة إيمانية بسبب اجتهاد أفراد الأسرة في إقامة شعائر الله تعالى إذا تحدثنا عن دور الأم والأب فلهما دور عظيم في تعليم أطفالهما على العبادات والطاعات التي تورث محبة الله في قلب الطفل منذ الصغر، شهر رمضان فرصة عظيمة لتعليم الأطفال حسن الخلق والتحلي بالصبر والهدوء والسكينة، إذا تعرض للإساءة من الآخرين يقول "إني صائم"، هنا يتعلم الطفل الثبات الانفعالي وتدريب الأبناء أيضا كيفية إدارة الوقت ووضع برنامج أو أجندة خاصة بالطفل يكتب فيها ما قام به خلال شهر رمضان من الصلوات والصوم ومساعدة الفقراء والمحتاجين ومشاركة الأسرة في إعداد المنزل، دوره في مساعدة الآخرين من خلال توزيع المياه والتمر على الصائمين ودوره في المشاركة المجتمعية في تزيين العمارة التي يسكن فيها والشارع مهم جدا حث الطفل على أهمية صلة الرحم وزيارة الأهل والأقارب والأصدقاء ومجالسة الأطفال للصالحين في المسجد والاستماع إلى التواشيح والابتهالات التي تسعد القلب وقراءة القصص الدينية التي تعرف الطفل بالأنبياء والصالحين.

المصدر: كتبت : سماح موسى
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 628 مشاهدة
نشرت فى 13 مايو 2021 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,814,564

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز