كتبت: أسماء صقر

الفراق والانفصال في علاقات الحب والزواج من التجارب المؤلمة التي تترك وراءها أزمات وصدمات نفسية يعاني منها الكثير من الأشخاص حيث الشعور بالحزن والكآبة وآلام الفراق وعدم الثقة في الآخرين وصعوبة اتخاذ القرار والميل للعزلة بعدها يمر بمراحل كثيرة قد لا يتمكن بعدها تخطى الأزمة وقد يبدأ في التفكير الإيجابي ويبدأ حياة جديدة وعلاقة عاطفية ناجحة، لذا يتساءل الكثير كيف نحقق بدايات جديدة في الحب والزواج بعد المرور بتجارب فاشلة؟ 

 

في البداية تحدثنا مع هند حماد، ربة منزل وتقول: أحببت صديقي في الجامعة وتزوجته وأنجبت منه بنتا وولدا، وبعد مرور 5 سنوات على زواجنا انفصلنا نتيجة خلافات أسرية، وبعد طلاقنا بعام تزوج بأخرى ما جعلني أشعر بالهزيمة والانكسار والألم النفسي لفترة طويلة لكن تحملي لمسئولية أبنائي جعلني أفكر في تخطي هذه الأزمة وقررت يوميا أن أدون ذكرياتي مع زوجي وأكتب المشكلات والأزمات التي أدت لانتهاء العلاقة بيننا ما أشعرنى براحة نفسية ورغبة في التخلص من أحزاني والحب مرة أخرى وبالفعل أحببت ابن عمي وتزوجته.

 

ويقول مدحت جمال، موظف: كنت أحب فتاة تسكن في العمارة التي أمامنا وكنا نتقابل باستمرار، تقدمت للزواج منها ولكن والدتها رفضتني لظروفي المادية البسيطة ودخلي المحدود، ورغم اعتراض الفتاة على قرار والدتها  لكن بالضغط عليها تركتني وتزوجت من شاب يفوقني ماديا الأمر الذى أشعرنى باليأس والقلق الدائم والحزن على فراق حبيبتى، لكننى تخطيت هذه الأزمة بالعمل المستمر وإثبات ذاتي وتحقيق النجاح والترقي في العمل وبعد فترة قابلت زميلة لي في العمل وتزوجنا. 

 

أما هبه رضوان، موظفة فتقول: الحب من طرف واحد كان سبب فشل علاقتي العاطفية، كنت أتوهم بأن ابن عمتي يبادلني نفس المشاعر بسبب حسن معاملته لى لكنه كان دائما صامتا لا يبوح بمشاعره ولم يلمح يوما بالارتباط بي، حتى فوجئت بخطوبته من صديقتي، صدمت من هول المفاجئة لكن عوض الله أنسانى تلك التجربة حيث تقدم ابن صديق والدي لخطبتى ووجدت معه الحب والأمان والسعادة.

 

الدعم الأسري

لتخطى المشكلات التى تخلفها تجربة عاطفية فاشلة يحتاج لدعم أسرى، وعنه تقول د. مني كمال مدحت، أستاذ علم الاجتماع بكلية البنات بجامعة عين شمس: الدعم الأسري والمحيطين بالشخص الذي تعرض لصدمة الفراق أو الانفصال هو الأساس لتخطي هذه الأزمة بجانب الحرص على تقوية العلاقات الاجتماعية من خلال السفر والتنزه مع الأصدقاء والأقارب مع الاهتمام بتعويض مشاعر الفقدان والغضب بالمعاملة الطيبة وسماع الكلام الذي يشجع على النجاح والتفكير في بداية جديدة، وفيه حب وإحساس بالأمان العاطفي، ويختلف مدى تخطي الأزمة العاطفية من سن لآخر بالنسبة للأبناء، ففي فترة المراهقة يكون أكثر تأثيرا، فكلما كبر السن كانت الصدمة أقل تأثيرا نتيجة الخبرة، والدراية والعقل المكتمل وقوة التحمل لدي المرأة والرجل.

وتتابع: على الأسرة دور كبير وأساسي في تخفيف أثر الصدمة من خلال الاحتواء العاطفي وتقديم الدعم النفسي حتى لا يصاب الابن بالاكتئاب والقلق النفسي والحزن الشديد الذي يؤثر على حياته العملية وصحته النفسية والعضوية، لذا لابد أن يكون الإنسان لديه شيء من التوازن النفسي كي يستطيع التفاعل مع المحيطين به وتوعية الأبناء بأن الحياة مليئة بأشياء أخرى وفرص أفضل قادمة، مع تنمية وتقوية الوازع الديني بداخلهم والإيمان بالقضاء والقدر ليتغلب على الصدمات الحياتية.

 

الغضب الإيجابي

يقول د. عبدالمنعم شحاتة، أستاذ علم النفس بجامعة المنوفية: هناك فروق فردية بالنسبة للنساء والرجال فى تأثرهم بالصدمة العاطفية، فهناك رجال أقل تحملا لصدمة الفراق والانفصال من النساء، وبعض النساء يسهل عليهن بدء علاقة جديدة عن الرجال، كما أن هناك مرحلتين يمر بهما الأفراد بعد مرحلة الصدمة، الأولى الإنكار وهذا مؤشر خطر يؤثر بشكل سلبي على نفسيتهم ويدخلون في دائرة مغلقة من الاكتئاب أو الانتقام ممن سبب الصدمة لهم، والثاني هو من سينتقل إلى الغضب وهنا يجب تعلم الغضب الإيجابي بمعنى تحويل طاقة الغضب إلي طاقة دفع للأمام من خلال تطور الشخصية والتفكير في المستقبل بشكل إيجابي بالاستفادة من الصدمة وتعلم كيفية تجنب تكرارها.

ويتابع: في مرحلة الصدمة يكون من الصعب للغاية استيعاب الأمر على حقيقته والذاكرة تستعيد كل الذكريات الجميلة خاصة في الليلة الأولى من الانفصال، وهنا لا يتقبل الفرد فكرة الانفصال حيث يصعب تصديق أن كل الذكريات الجميلة صارت مجرد ذكرى، وفي هذه المرحلة يكون لدى الإنسان أمل في عودة العلاقة مبررا ذلك بعدم القدرة على النسيان، وهكذا تظل النفس تدافع وتبحث عن بصيص نور لعودة العلاقة مع الطرف الآخر، وهنا يجب على الإنسان ألا يعيش في ظل الأوهام والوساوس فترة طويلة كي يتمكن من تجاوز هذه الأزمة النفسية بأقل الآثار. 

 

ضرورة تخطي الحاجز النفسي

أما عن الاعتبارات التى يجب مراعاتها عند بدء علاقة جديدة فتقول د. هاجر مرعي، خبيرة العلاقات الأسرية واستشاري الصحة النفسية: عندما نبدأ علاقات جديدة في الحب والزواج علينا الانتباه لبعض الأمور منها أننا في حالة الارتباط العاطفي بشخص ما ننسى بعض الأمور المهمة وهي إدراكنا أنه كلما كان هناك نسبة من النجاح هناك نسبة من الفشل وعدم الاستمرارية، وعلى الطرفين العمل على تقليل النسبة السلبية وعدم الاستسلام للوعود غير المنطقية والتي تزيد من التعلق غير المفيد، وأيضا رسم صورة مثالية للآخر وتوقع عدم الإخفاق، لذا علينا التفكير في العلاقة التي انتهت بالفراق  بعقلانية وضرورة تخطي الحاجز النفسي للبدء من جديد، فإذا مر الإنسان بعلاقة عاطفية أو زواج غير ناجح يعتقد أن الحب هو سبب الصدمة لكن الحقيقة تكمن في التعلق الزائد والتفكير في الطرف الآخر حتى بعد انتهاء العلاقة.

ويضيف: علينا أن نكمل حياتنا ونحقق السعادة، وكذلك الاستعداد النفسي بواقعية للعلاقات في الحب والزواج، والمهم أن يكون الاختيار سليما ولا نلقي على الطرف الآخر مسئولية نجاح العلاقة وحده، أو أن يكون هو القائم بكل الأدوار لمجرد أننا وضعنا الثقة فيه، كما يجب أن نتعلم أن نجاح العلاقة يأتي بالبناء التدريبي دون اندفاع في العاطفة، وإدراكنا أن الإنسان قابل للتغيير والتطور بالفطرة البشرية، ولا يجب أن يعيش في الماضي ويحاسب نفسه عليه بل يجب أن يعرف أن الحياة تستحق منا أن نبدأ من جديد.

 

تعلم من أخطاء الماضي 

يقول د. أحمد عبدالرحمن، خبير التنمية البشرية واستشاري الإدارة والتسويق والموارد البشرية والعلاقات الأسرية: قبل بدء علاقة جديدة في الحب والزواج يجب على الشخص الذي تعرض للصدمة مراجعة ومحاسبة نفسه جيدا لدرجة جلد الذات  وهذا أمر ضروري  لمعرفة ما انتهت العلاقة عليه والتعلم من أخطاء الماضي وعدم الندم عليها ثم تحديد المشكلات التي واجهته لمعرفة كيف يمكن مواجهتها بشكل سليم، وكي يصل لمرحلة السلام النفسي لابد أن يكون الشخص صريحا ومتصالحا مع نفسه للتخلص من الأفكار السلبية والكره والأحقاد والغضب وتحقيق السعادة والنجاح في العلاقة الجديدة.

ويتابع: يعد الانفصال قبل الزواج أو بعده صدمة كبيرة لذا لابد من الاعتراف بالأخطاء التي وقع فيها الشخص ويصفي ذهنه ويدرك  أن أي نهاية بطبيعة الحال هي بداية جديدة، فعلاقات الحب لا تتوقف على علاقة واحدة فيمكن للشخص أن يبحث عن الحب مع الشخص الذي يتوافق معه فكريا وعاطفيا.

المصدر: اسماء صقر
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 791 مشاهدة
نشرت فى 20 أكتوبر 2024 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

23,156,933

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز