بقلم : إقبال بركة
كنت قد التقيت السيدة الفاضلة الراحلة جيهان السادات فى جو من الألفة والمرح حيث أمضينا عدة ساعات فى صحبتها بين ربوع دار الهلال العريقة وفى رحاب مجلة حواء من خلال إحدى صالوناتها الشهرية، ورغم أنى التقيت بالسيدة جيهان السادات العديد من المرات قبل ذلك إلا أن لقاءنا هذه المرة وبصحبة زملائى وزميلاتى الأعزاء محررى حواء كان له مذاق مختلف، كانت العزيزة سمر الدسوقى رئيسة تحرير حواء النشيطة المتألقة قد دعتنى لحضور هذا اللقاء فلبيت الدعوة سعيدة رغم مشاغلى الكثيرة ومتاعبى الصحية، ومثل كل لقاءات السيدة الرائعة جيهان السادات مر الوقت سريعا ولم نشبع من كلامها الصريح ولا تعليقاتها المرحة.
هى سيدة مصرية تنتمى فى أصالتها وعراقتها إلى الجذور المصرية القديمة وقت أن كانت المرأة المصرية تسبق نساء العالم بعدة قرون، إنها جيهان السادات التى فرضت وجودها بقوة على الساحة المصرية ليس بحكم موقعها كزوجة لحاكم البلاد ولكن بنشاطها وحضورها ومساهماتها فى الميدان الاجتماعى بالذات، تركت حلبة السياسة يتصارع فيها الرجال ويختصمون وقادت هى مسيرة النساء نحو حقوق أفضل وتواجد أكثر فى الحياة العامة، رأيناها أول مرة وهى تتجول بين الجنود فى خط بارليف المنهار بعد انتصارنا فى حرب أكتوبر.
جيهان السادات كانت امرأة قوية تعرف ماذا تريد، اختارت طريقها بعزيمة قوية وثبات نادر غير عابئة بما واجهها من عقبات وما قد يتردد حولها من أقاويل وانتقادات، وهى فى السادسة عشرة من عمرها اختارت الزواج ممن أحبت رغم أنه لم يكن ذا مال ولا منصب وكان مستقبله مهددا، وكان مكبلا بالتزامات عائلية مرهقة، فكانت نورا أضاء حياته، فتحول من ضابط مفصول من الجيش المصرى إلى رئيس الدولة، قليلات من نساء العظماء من لعبن دورا مؤثرا فى حياتهم، وكان لهن فضل الصمود فى مواجهة الأعاصير السياسية والمؤامرات والكبوات والإخفاقات، بهرت العالم برأسها المرفوع فى شموخ ونظرة التحدى التى حضرت بها جنازة رجل أحبته وأخلصت له وأصرت على رفقته حتى آخر لحظة فى حياته، لحظة أن اغتالته يد الغدر وهو فى قمة انتصاره، مرت جاكلين كينيدي أرملة الرئيس الأمريكى الراحل جون كينيدى بنفس التجربة، صدمت وبكت وانهارت ثم تزوجت من رجل آخر بعد خمس سنوات من رحيله، أما جيهان الزوجة المصرية الأصيلة فقد ظلت وفية لزوجها حريصة على سمعته مدافعة عنه لسنوات طويلة، استطاعت هذه السيدة العظيمة بلقاءاتها المتعددة فى الندوات والفضائيات أن تدعم زوجها وتتحدث عنه بفخر حتي بعد وفاته بسنوات طويلة، هكذا علمتنا جيهان السادات وأقنعتنا ودخلت قلوبنا، فوداعا السيدة الفاضلة جيهان السادات.
ساحة النقاش