إشراف : منار السيد - سمر عيد - سماح موسى - هايدى زكى
على الرغم من إشادة الأطباء ومسئولي وزارة الصحة بأهمية مبادرة فحوصات المقبلين على الإنجابمن الناحية الاجتماعية والصحيةالإنجابيةإلا أن بعض الموروثات الثقافية والعاداتالاجتماعية تمثل حجر عثرة أمام إجراء تلك الفحوصات التى تجنب الأطفال خطر الإصابة بالأمراض الوراثية المنتشرة بين حديثى الولادة.
فى هذه السطور نناقش كيفية التصدي للموروثات الثقافية الخاطئة التي تهدد صحة أبنائنا وتودي بصحة المجتمع في المستقبل.
فى البداية تقولد. لمياء محسن، أستاذ طب الأطفال بجامعة القاهرة وخبير الصحة الإنجابية والأمين العام السابق للمجلس القومي للأمومة والطفولة: من خلال خبرتي في التعامل مع بعض المجتمعات الريفية أستطيع القول إنه لاصوت يمكن أن يعلو فوق التقاليد والعادات،وهذا الأمر قد واجهناه من قبل ونحن نتصدى للختان ولبعض العادات الخاطئة المنتشرة فى المجتمع،وعلينا أن نوضح من خلال الرائدات الريفيات والإعلام أن مبادرة الكشف قبل الإنجاب هدفها الأول هو إنجاب أطفال أصحاء لايعانون من أية تشوهات خلقية أو وراثية، وكذلك التأكيد من خلال الخطاب الديني أن هذا لايتعارض مع الديانتين الإسلامية والمسيحية، وضرورة مشاركة المساجد والكنائس في تبني مثل هذه المبادرات،والدين الإسلامي لايمنع وقف الإنجاب والحمل إلا إذا كان هناك خطر بالغ على صحة الأم أو الجنين،ولعلنا ندرك جميعا أن السبب الرئيسي في إصابة العديد من الأطفال بالإعاقة هو زواج الأقارب وعدم الكشف والتحليل قبل الإنجاب، وفي النهاية كل مايهم القائمون على الدولة هو القضاء على الأمراض الوراثية والحد من تشوهات الأطفال والأجنة، وهذا الأمر أهم بكثير من معتقدات بالية لن تفيد المجتمع بشيء بل ستجرنا إلى الوراء.
الإعلام والدراما
يحمل د. محمد عويس، أستاذ علم الاجتماع وعميد معهد الخدمة الاجتماعية الإعلام والدراما والفن المسئولية لتغيير ثقافات وموروثات تحتاج إلى آلاف السنين كي تتغير أمر لايستسيغه العقل، ويقول: شاهدنا في الآونة الآخيرة بعض المسلسلات التي تعنى بتوعية الناس تجاه قضايا معينة،أما الإعلام سواء كان مقروءا أو مذاعا أو من خلال التلفزيون ووسائل التواصل الاجتماعي فهو لا يملك عصا موسى كي يغير موروثات ثقافية منذ آلاف السنين،وعلى الرغم من أهميته إلا أن الكثير من الأسر وخاصة بالريف المصري تفعل ما تراه مناسبا لقناعتها وموروثاتها دون النظر للقضايا التي يناقشها الإعلام، إذن فالحل الوحيد تفعيل مبادرة الكشف قبل الإنجاب والكشف قبل الزواج ومثل هذه المبادرات التي تنقذ المجتمع من كوارث حقيقية هو التعليم والثقافة ونشر الوعي، فالمجتمعات والأمم تتحضر وتغير ثقافاتها السيئة وفقا لرفع درجة الوعي في الأمم وبين الناس البسيطة العادية، وطبعا إذا تحدثنا مع عائلة ريفية تبحث عن الإرث والأراضي الزراعية عن الكشف قبل الإنجاب والزواج فنحن نضيع أوقاتنا سدى، فأغلبية هذه الأسر تفضل زيجات الأقارب ولا تهتم كثيرا لنقل الأمراض الوراثية ولا لما نتحدث عنه من الناحية الصحية، ورأيي أن توضع خطة على المدى الطويل تشارك فيها كافة مؤسسات الدولة للتأهيل قبل الزواج من الناحية الاجتماعية والصحية والثقافية وعلى كافة الأصعدة، والحل أيضا ربما يكون في قانون ملزم بعمل تحاليل قبل الزواج والإنجاب وتفعيل هذا القانون بحيث لا يصبح حبرا على ورق تتجاهله معظم الأسر لإتمام الزيجة أو لإنجاب الأطفال.
زواج الأقارب
عن الاستخدام الخاطئ للعادات والتقاليد تقول مها السيد، خبيرة التنمية البشرية:تكمن أهمية هذه المبادرة في الكشف عن المخاطر التي يمكن أن تواجه الأم والجنين خلال فترة الحمل،ومن المهم توعية الأم التي تحتاج رعاية خاصة أثناء فترة الحمل،فبعض الأمهات يعانين السكري أو الضغط أو بعض الأمراض التي قد تؤدي إلى تشوه الجنين أو تسبب له إعاقة معينة،وأمر جيد أن تعرف الأسرة ما الأمراض الوراثية أيضا التي يمكن أن تنتقل لأبنائها كي تحاول أن تتفاداها من خلال المتابعة مع طبيب مختص وذلك من خلال عمل التحاليل اللازمة قبل الإنجاب، حيث ينتشر زواج الأقارب بين الكثير من الأسر وخاصة في الريف المصري، وهذا الأمر يترتب عليه انتقال الأمراض الوراثية من جيل إلى جيل،وهناك استخدام خاطئ لمفهوم التقاليد والعادات، والذي يقودنا في بعض الأحيان إلى تدمير صحتنا وهدم سعادة أسرتنا، وهنا يبرز واضحا دور الإعلام والدراما في توعية المجتمع بمثل هذه المبادرات.
تأييد دينى
ربما لا يهتم الكثير في مجتمعنا بمدى قبول هذه المبادرة اجتماعيا، وربما لا يعني الكثير من الناس أهميتها من الناحية الصحية أيضا بقدر ما يهم الكثير ما إذا كانت حلالا شرعا من الناحية الدينية أم لا،وهذا ما تحدثنا فيه مع د. محمد إبراهيم العشماوي، أستاذ الحديث بكلية أصول الدين بجامعة الأزهر الشريف والذي وضح لنا قائلا:هناك الكثير من القضايا والمواضيع التي تتعلق بالصحة الإنجابية والزواج وغيرهما،وفي رأيي الشخصي أن القاعدة الفقهية التي تقول أن درء المفاسد مقدم على جلب المصالح هي التي يجب أن تطبق في كل الأحوال، فلو كان إنجاب الزوجين سيترتب عليه مشاكل صحية للأم والجنين فلابد من الامتناع عن الإنجاب، فالإنجاب ليس واجبا شرعيا، ولا يمكن أن يحرم أي شخص منعه إذا ما ترتب عليه مفاسد وأضرار تلحق بالأسرة،والتحاليل الطبية قبل الزواج وقبل الإنجاب هي أمر مباح، وفي نفس الوقت من حق أي من الزوجين الامتناع عن القيام بعمل هذه التحاليل وللطرف الآخر أحقية أن يكمل هذه الزيجة أو ينسحب منها، والرسول صلى الله عليه وسلم قد أكد للمسلمين أنهم أعلم بشئون دنياهم، أما من يرى أن يتزوج ويتوكل على الله في كل أموره فهذا صحيح ولكن الرسول قد قال: (اعقلها وتوكل) عندما سأله أعرابي هل يترك ناقته في الصحراء دون أن يعقلها ويتوكل على الله،فأمره الرسول الكريم أن يعقلها ويتوكل معا،وفي هذا إشارة إلى ضرورة الأخذ بالأسباب العقلية والعملية في الحياة مع التوكل أيضا على الله في كافة شئون الحياة، كذلك توجد قاعدة فقهية تبيح للحاكم تقييد المباح إذا كان فيه ضرر للناس،فالزواج والإنجاب أمر مباح ولكن إذا ترتب على زيجة ما إنجاب أطفال مشوهين فلابد من معرفة ذلك من خلال فحوصات قبل الإنجاب ونترك الخيار بأيدي الزوجين.
ساحة النقاش