بقلـــم : د. داليا مجدي عبد الغني
تابعت في الأيام الأخيرة مسلسل كان يُعرض في التسعينيات وهو "النصيب" بطولة خالد زكي، وبوسي ودينا عبد الله، وهذا المسلسل يحكي عن رجل يشعر بعدم الاستقرار مع زوجته، فيميل إلى سكرتيرته، فيقرر الانفصال عن زوجته ويتزوج من سكرتيرته، ثم يُحاول العودة إلى زوجته الأولى حينما يعلم أنها تحمل طفلا في أحشائها، ومن هنا تبدأ الحالة النفسية لزوجته الثانية في الانهيار بسبب غيرتها الشديدة عليه وخشيتها من أن يتركها ويعود لزوجته الأولى، والحقيقة أن من أدت دور الزوجة الثانية الفنانة دينا عبد الله التي أبدعت في أداء الزوجة المُتخبطة نفسيًا، والتي أوشكت على الانهيار العصبي بسبب الاضطرابات العصبية التي تمر بها، لأنها تعيش في حالة من الشكوك والهواجس، والحقيقة أن شُكوكها كانت في محلها، حيث إن الزوج بالفعل نجح في إقناع الزوجة الأولى في العودة إليه سرًا لكي تعيش ابنتهما في جو صحي مُستقر، وأقنعها أن زواجهما لو تم إعلانه سيتسبب في انهيار زوجته الثانية، والتي تتألم بسبب عدم قُدرتها على الإنجاب، ثم ذهب في طريقه إلى مُحاولة إقناع الزوجة الثانية بتقبل عودته إلى زوجته الأولى.
والخُلاصة أن هذا المسلسل بل العديد من الأفلام والمُسلسلات كانت تُرسخ الفكر الذكوري، وهو أن الرجل يفعل ما يشاء وقتما يشاء، وله مُبرراته وأعذاره التي لابد أن يلتمسها لها المُجتمع والمُحيطين به.
وفي الواقع أثناء مشاهدتي للعمل كنت أستشعر بالفعل أن الزوج على حق، سواء في انفصاله عن الزوجة الأولى، أو زواجه من سكرتيرته، أو رغبته في العودة إلى الزوجة الأولى مرة أخرى، لكي يحتضن ابنته، لاسيما وأن الزوجة الثانية كانت في حالة عصبية بشكل مُستمر، ونجح المُخرج في إظهار الزوج بالصورة المثالية، فهو لا يُخطئ ولا يجرح، ودائمًا الخطأ بسبب زوجاته، وهو مجرد رد فعل لسلوكياتهما.
والغريب في الأمر هو رد فعل زوجاته، فالزوجة الأولى رغم أنها شديدة الاعتزاز بنفسها ولديها كبرياء كان هو سبب مشاكلها معه، إلا أنها تقبل وترضخ أن تعود إليه بعد أن خانها وانفصل عنها وتزوج بغيرها، والأغرب أنها تتقبل فكرة أن تعود إليه سرًا، رغم أنها كانت هي حُبه الأول وزوجته الأولى وأم ابنته الوحيدة، أما الثانية فتتحمل فكرة تواجده الدائم مع زوجته الأولى بحُجة رؤية ابنته الرضيعة، رغم أن تلك التصرفات تضعها تحت ضغط عصبي عنيف يُودي بها إلى تناول العقاقير المُهدئة باستمرار، وعندما تعلم بطريق الصدفة أنه عاد إلى زوجته الأولى تُخفي عنه الأمر تمامًا وتعيش في عذاب دائم ومُستمر بسبب صراع قلبها وعقلها رغم أنها لم تقبل فكرة الزواج منه إلا بعد انفصاله عن زوجته الأولى.
وكما لو أن المرأة تتغير وتتبدل وفقًا لأهواء الرجل، فهو لديه القُدرة على إقناعها بما يُريد، ويستطيع أن يُشكلها كيفما يشاء، فهو الذي يُرسخ القواعد ويضع الاستثناءات بغض النظر عن تكوينها الشخصي وكرامتها وكبريائها، وبغض النظر كذلك عن أحاسيسها ومشاعرها. ودائمًا الرجل لا يعبأ بما آلت إليه حالة زوجته من انهيار، أو ألم، أو تخبط، بل على العكس فهو يتخذ من تلك الحالة ذريعة ومُبررا لأي سلوك يأتي به، وينسى وربما يتناسى أن سُلوكياته كانت هي نواة تلك الحالة التي بات يتضرر منها ولا يقوى على تحملها.
والسؤال الآن، هل الدراما تنقل الواقع الذي يدور فيه الرجل والمرأة، أم أن هذا الواقع مُستمد من الدراما؟! وأيًا ما كانت الإجابة، فلا خلاف على أن الدراما لا يُمكن أن تنفصل عن الواقع المُحيط، وإلا تحولت إلى خيال يستنكر العقل تقبله، ولكن لا يُمكننا أن نُنْكر أن الدراما تُشكل إلى حد بعيد وجدان الإنسان، فهي تُرسخ العديد من المفاهيم الإنسانية، وتُكوّن الثقافة المُجتمعية.
والحقيقة أن وجدان المُجتمع قد ترسخ فيه أن الرجل يحق له كل شيء، فلو خان زوجته يكون المُبرر أنها مُقصرة في حقه، ولو تزوج عليها فهذا شرع الله، ولو طلقها تكون هي التي دفعته إلى ذلك، ولو أهملها يكن ذلك بسبب تصرفاتها التي لا تُطاق، ولو قرر العودة إليها، لابد أن تعود حتى تُحافظ على بيتها وأبنائها، وعليها ألا تشترط طلاق الزوجة الثانية لأن هذا حرام، ولا يجوز إنسانيًا، خاصة لو كانت الأخيرة قد أنجبت أطفالا لا ذنب لهم.
وهكذا تحولت المرأة إلى أداة في يد الرجل يُحركها في الاتجاه الذي يريده، فهو يتحكم في مشاعرها وأعصابها وحالتها النفسية، بل وحالتها الاجتماعية، فهو وحده من يملك أن يجعلها الزوجة الأولى والأخيرة، أو الزوجة الثانية، أو مُطلقة، أو مجرد حاضنة لأطفاله ليس لها أي وجود حقيقي في حياته.
وعليه نشأ الفكر الذكوري، وتكوّن بفعل سُلوكيات الواقع، ومفاهيم الدراما.
ساحة النقاش