بقلم : سكينة السادات
حكيت لك الأسبوع الماضى طرفاً من حكاية الابن نور الدين 24 سنة خريج كلية التجارة والابن الأكبر لصاحب شركة معروفة فى مصر - رحمة الله عليه - والذى قرأ بتأثر شديد حكاية الأبناء والبنات الذين حكوا لنا حكايات الأمهات فى الأعداد السابقة من حواء فى هذه الصفحة، أم ترفض الحياة بعد زوجها الحبيب وأم أخرى تزوجت عرفياً بعد وفاة زوجها بستة شهور لكنها لم تفرط فى أولادها لأنها عاشت حياة لم تكن سعيدة مع زوجها الراحل، سألنى نور الدين لماذا تعاطفت مع الاثنين؟ هل لأنهما أمهات فقط؟
قلت له.. لأن لكل منهما ظروف خاصة وقد بينت فى ردى الخطأ والصواب فى كل من الحالتين، فقال وماذا عن أمى التى تغيرت إلى النقيض بعد وفاة أبى؟ وكان نور الدين قد حكى لى أن والده وقبل مرضه عند إنشاء الشركة فى البداية كان قد كتب الشركة التى يمتلكها باسم زوجته )أمي( وأولاده نور الدين وناهد ونهال اللتين ما زالتا تدرسان في الجامعة بينما تخرج نور الدين فى كلية التجارة! وقال نور إن والده كان يخطر زوجته بكل ما يمتلك ويشركها فى إدارة كل شىء ويطلب منها النزول للشركة يومين أو ثلاثة فى الأسبوع كله. كانت دائماً تقول له: الأمر أمرك والشورة شورتك!
***
واستطرد نور الدين.. بعد أيام من وفاة أبى ارتدت أمى ملابسها السوداء وذهبت إلى الشركة وجلست مكان أبى فقد كان قد عينها نائبة له فى حياته وبدأت تباشر العمل فى الشركة حتى ساعة متأخرة من الليل، وحدث التحول فى أمى الوديعة الهادئة أصبحت شرسة وعصبية ومتوجسة حتى مع أولادها صارت تشك فى كل شىء ولا تصدق أحداً وتعامل الجميع بقسوة وعصبية وأحيانا تتجاوز فى طريقة الكلام فتوجه السباب والشتائم الفظيعة وأحياناً تطرد من يخطئ خطأ ولو بسيطاً، ويأتى إلى هؤلاء الغلابة بصفتى العضو المنتدب بالشركة فأعطيهم الجزاء المناسب على قدر الخطأ فتثور أمى وتتهمنى بأننى )بكسر كلامها( وأن الناس لن تحترمها بعد أن تلغى أوامرها بواسطة ابنها وأن الشركة معرضة لأن يستشرى فيها الفساد )فمن أمن العقاب أساء الأدب( كما تقول أمى!! وغالباً بعد هذه الأزمات تغلق أمى باب الغرفة بالمفتاح.
وتنفجر فى بكاء طويل ثم تهدأ وتغسل وجهها بالماء وتعود لفتح الباب مرة أخرى!! وتكرر ذلك المشهد طويلا حتى صارت مدام فوزية )أمى( أو الحاجة فوزية البعبع الذى يخاف منه الجميع فهى لا تتناقش ولا تستمع إلى آراء معارضة لرأيها وأحكامها رادعة والكآبة تعلو وجهها طول اليوم!! والشركة كلها تقول مين يقدر على مدام فوزية ؟
***
ويستطرد الابن نور الدين.. نسيت أن أقول لك إن أمى فى الثانية والخمسين من عمرها وهى سيدة جميلة ومن أسرة كبيرة وخريجة كلية الآداب قسم اللغة الإنجليزية لكنها كانت ملمة بأعمال الشركة حال حياة أبي فقد كان يشركها فى كل أعماله كما قلت سابقا، وأنا الآن أشكو لك من أفعالها وعصبيتها الزائدة فى البيت مع الخدم.
ومع إخوتى ومعى وفى الشركة، والمصيبة الكبيرة أنها تغضب منى وتقاطعنى عندما أطيب خاطر إخوتى أو الخدم الذين عاشرونا منذ طفولتنا لقسوتها فى معاملتهم، وكذلك السائق الذى كان يحملنى على كتفه وأنا صغير وتتهمنى بأننى أتعاطف مع من لا ترضى عنهم، ويتقطع قلبى عندما تغلق على نفسها الباب، وتبكى فى المنزل وفى الشركة؟ ماذا أفعل مع أمى التى أحبها واحترمها؟
***
يا ابنى.. أمك عليها ضغط شديد وتخاف من اللصوص والمفسدين ولها حق فى التوجس من الناس فمعظمهم أصبحوا لا يفكرون إلا فى مصالحهم فقط ولا يهمهم مصالح الشركة ولقمة العيش والأجر الذى يأخذوه، فمنهم من لا يحلل اللقمة التى يأكلها، وهى تعتبرك ابنها الصغير مهما كبرت فى المقام وفى العمل، وهى وحيدة عليها أعباء كثيرة جدا وهى تريد أن تسير بالسفينة إلى بر الأمان.. من أجلكم يا بني!! أرجوك يا نور كن إلى جوار أمك لا تتخلى عنها وحاول إصلاح ما تفعله بالناس من جراء عصبيتها والضغوط التى عليها حتى لا يغضبوا منها، وفى النهاية هى أمك وملاذك أنت وإخوتك وربما عندما تستقر الأمور تعود إلى هدوئها وإلى أريحتها .
ساحة النقاش