أماني ربيع
منذ إطلاقها عام 2019 قدمت "حياة كريمة" نموذجا رائدا للتنمية الشاملة التي تهدف لتحسين جودة حياة المواطنين في الريف والمناطق الأكثر احتياجا، من خلال حزمة متكاملة من الخدمات في مجالات الصحة والتعليم والرعاية الاجتماعية، منها بناء المدارس وتجديد المنازل وتوفير وصلات المياه وإنشاء المستشفيات وإطلاق قوافل طبية مجانية تجوب القرى المختلفة.
وتكاتفت لتحقيق ذلك كل قطاعات الدولة من حكومة ومجتمع مدني وقطاع خاص لإنجاح المشروع القومي الأكبر في تاريخ مصر، تأكيدا لما أوضحه الرئيس عبدالفتاح السيسي منذ إطلاقه لهذا المشروع الطموح حول أهمية الاستعانة بقدرات المصريين حكومة وشعبا.
لسنوات ربت السيدة "إ. محمود" أبناءها من إيرادها اليومي البسيط والذى تتحصل عليه من بيعها الخضراوات في السوق، كان المكسب قليل لذا اضطر ابنها الأكبر لترك التعليم والتوجه إلى سوق العمل للمساهمة في توفير مصروفات المنزل، وعندما خطبت ابنتها زاد العبء عليها وابنها ما دفعها للاستدانة من الجيران، واضطرت للشراء بالقسط من أحد المحلات لكن تراكمت الفواتير التي لم تسدد، ومع إصابتها بالسكر تدهورت صحتها وباتت لا تقوى على العمل، ما جعلها عاجزة عن سداد الأقساط فانتها أمرها بالسجن.
كانت مبادرة حياة كريمة بمثابة طوق نجاة لـ "إ. محمود"، حيث أنهت عذابها في السجن عن طريق مبادرة "فك كرب الغارمات"، لم تقتصر جهود "حياة كريمة" على سد الدين فحسب، حيث قدمت برامج توعية حول أسباب ظاهرة الغارمات والحد من الاقتراض، وقدمت بالفعل طرقا لتقليل هذه الظاهرة منها ندوات حول العمل الحر وتوعية قانونية بالعواقب الخطيرة لإيصالات الأمانة.
وفي إحدى قرى المنيا عاش "ع. عبدالجواد" عامل البناء الذي يذهب إلى ملوي أو إلى المنيا وأحيانا إلى القاهرة للبحث عن رزقه، لكن كبر سنه وضعف قوته نالا من قدرته على العمل، تداعى المنزل الذي يسكن فيه ولم يعد سقفه المصنوع من الخشب يقيهم أمطار الشتاء وشمس الصيف، وعن طريق "أولاد الحلال" في القرية وصلت حكاية "عبدالجواد" للقائمين على مبادرة حياة كريمة الذين بادروا بتجديد منزله وبناء سقف أسمنتي وقاه وأسرته المطر بالشتاء والشمس بالصيف.
الصحة النفسية
استفادت "صباح. س" من مبادرة 100 مليون صحة التي انطلقت عام 2018 للكشف عن فيروس سي والأمراض غير السارية، وبعدما اكتشفت إصابتها بالفيروس تقول: "ذهبت لدكاترة كتير، وكانت صحتي في النازل، خاصة إن العلاج لم يكن متوفرا، ولما سمعت عن المبادرة ذهبت، وكشفوا عليّ وأخذت جرعات العلاج المقررة، وخلال شهور شفيت نهائيا من الفيروس وأصبحت صحتي بخير".
وإلى جانب الاهتمام بالصحة الجسدية لم تغفل حياة كريمة الصحة النفسية، ففي أغسطس الماضي أطلقت مبادرة "اتكلم هنسمعك" لدعم الصحة النفسية للفئات الأكثر احتياجا على رأسها الأطفال وذوي الهمم والمرأة المعيلة، وبمجرد سماع السيدة "منى . ص" عن المبادرة اصطحبت ابنها الطالب في المرحلة الابتدائية الذي يعاني تنمر زملائه في المدرسة بسبب قصر قامته إلى قافلة "حياة كريمة" الطبية التي تجوب المحافظات والقرى والتي تضم طبيبا نفسيا.
تقول منى: كان ابني يرفض التحدث معي، وخفت كثيرا لأن تعرضه للتنمر أثر على مستواه الدراسي، ولما سمعت عن المبادرة أخذت الولد فورا، وجلس معه طبيب نفسي تحدث معه ورفع معنوياته، وتحدث معي وأرشدني لكيفية التعامل مع الأمر، وما زال الطبيب يتابع الحالة معنا بانتظام، وأشعر بتغيير في شخصية ابني، أصبح أكثر جرأة وأقل خوفا كما تحسن مستواه الدراسي مجددا.
تمكين اقتصادي
في إحدى قرى شرق القناة عانت أسرة "مطاوع. هـ" عدم انتظام وصول مياه الشرب، وكان الاعتماد على المياه الجوفية أو عربات المياه المتنقلة، لكن بفضل مشروع حياة كريمة تم مد وصلات المياه إلى بيوت القرية والقرى المجاورة، ولم تعد المياه مشكلة بالنسبة لهم.
ولعبت حياة كريمة دورا بارزا في حياة المرأة المعيلة في القرى والمحافظات المختلفة، وقدمت فرصا كثيرة للتمكين الاقتصادي ودعم المشروعات الصغيرة للنهوض بمستوى حياة أسر النساء المعيلات، وكانت "منى عبداللطيف" 31 سنة، أحد المستفيدات من الدورات التدريبية لتعلم الحرف اليدوية، حيث اضطرت للعمل بعد وفاة زوجها تاركا إياها مع 3 أطفال، ولم يسمح تعليمها المحدود بأن تعمل بوظيفة جيدة، لذا تعلمت الخياطة وعن طريق تمويل المشروعات الصغيرة من حياة كريمة حولت إحدى غرف المنزل إلى مشغل تقوم فيه بخياطة أطقم السرير ومفارش السفرة وغيرها من المنتجات، ولديها الآن عاملتين يساعدنها وبدأ العمل يكبر وتحسنت حياتها.
مبادرة نبيلة
أوضح د. علاء فتحي، أستاذ علم الاجتماع أن حياة كريمة ليس مشروعا عاديا وإنما مبادرة نبيلة قدمت رؤية متكاملة وشاملة للتنمية تهتم ببناء الإنسان أولا، وقد وفرت لها القيادة السياسية أسباب النجاح من ميزانية ضخمة ومتابعة مستمرة لمراحل العمل، وبالفعل بدأت العديد من القرى المصرية ومناطق العشوائيات في جني ثمار المبادرة.
ويتابع: نستطيع بالفعل لمس التحسن في مستوى جودة حياة المواطنين من خلال بناء المدارس والوحدات الصحية ومد شبكات المياه والصرف الصحي والغاز الطبيعي وبناء مجتمعات سكنية لائقة، إلى جانب تعزيز الحماية الاجتماعية لجميع المواطنين وهو ما سينعكس على المجتمع مستقبلا، فتحسين جودة حياة المواطنين ليست رفاهية لأن هذا يصب في صالح عملية التنمية، فبمجرد أن يتخلص المواطن من مشاكله الصحية والاجتماعية سيصبح أكثر سعادة واستقرارا وسيتحول إلى فرد منتج وليس عبئا على المجتمع، كما أنها تربط الإنسان ببلده وعندما يلمس المواطن جهود الدولة وقيامها بواجباتها تجاهه وأنه أصبح موضع اهتمام، سيساهم ذلك في بناء الثقة مع الدولة وزيادة شعوره بالأمان والانتماء، ويحفزه على المشاركة بإيجابية في عملية التنمية.
أجيال أكثر انتماء
ترى د. منى عبدالوهاب، استشارية الصحة النفسية أن تأثير مشروع حياة كريمة سيظهر على الأجيال القادمة التي لمست منذ الصغر اهتمام الدولة ورعايتها بهم في كافة جوانب الحياة من صحة وسكن وتعليم وحماية اجتماعية وتوفير سبل العيش الكريم الذي يجعل حياة الأسر أكثر استقرارا.
أما محمد مرتضى، الخبير الاقتصادي فيؤكد أن نجاح المبادرة في تحقيق قطاع كبير من أهدافها خلال السنوات الماضية يخلق بيئة داعمة للتنمية وزيادة الإنتاج، لافتا إلى أنه بجانب تقديم خدمات الصحة والتعليم والسكن، هناك أولوية لدعم الشباب والمرأة بشكل خاص عبر تمويل المشروعات الصغيرة ومتناهية الصغر، وهو ما يحول القرى المصرية إلى مجتمعات منتجة وليست مستهلكة، وهذا الاهتمام برفاهية العنصر البشري واستقراره يعزز من عملية التنمية ويجعلها أكثر استدامة.
ساحة النقاش