أماني ربيع
مع تزايد حالات التحرش بالأطفال، أصبح من الضروري تعزيز وعي الأبناء بخصوصية أجسادهم وكيفية حمايتها، وهذه التوعية ليست خطوة وقائية فحسب، بل أداة لتمكين الأطفال من التعرف على السلوكيات غير الآمنة وطلب المساعدة بثقة.
"حواء" تستعرض تجارب بعض الأسر مع أبنائهم حول التوعية ضد التحرش عبر أفكار وطرق مختلفة، كما تقدم آراء المتخصصين في التربية وعلم النفس والاجتماع حول أهم النصائح الوقائية التي تحمي أبناءنا من خطر التحرش الجسدي أو الإلكتروني.
كانت أم ياسمين، ربة منزل قلقة على ابنتها البالغة 5 سنوات خاصة بعد سماعها حالات تحرش بالأطفال في سن صغيرة، وتقول: قرأت على أحد مواقع التواصل عن استخدام أسلوب القصص اليومية لتوعية الأبناء حول التحرش، والتي تعرف الطفل بحدود جسده، واللمسات التي يجب أن يرفضها، لأن استخدام القصص والألعاب يجعل المفاهيم المجردة أو الصعبة ملموسة للأطفال الصغار.
وتضيف: نصحت ابنتي أيضا، أنه إذا حدث ولمسها أي شخص حتى لو طفل آخر في الحضانة، بصورة غير لائقة، عليها أن تصرخ وتخبر المدرسة فورا، وألا تشعر بالخجل مني أو من والدها وتخبرنا بأي مشكلة تتعرض لها.
ويقول أ. ع، محاسب بأحد البنوك: تعرض ابني -8 سنوات- للتحرش من أحد الجيران الذي كان يطلب منه الجلوس على ركبتيه بحجة اللعب، بدأت في وضع حدودا في التعاملات، ونصحت ابني عند تكرار الأمر بالصراخ، وحددت معه قائمة “الأشخاص الآمنين، مثل والدته وعمته ومعلمته، وحين حاول هذا الجار تكرار الفعل خلال أحد المناسبات التي جمعت العائلتين، ابتعد عنه الولد فورا وأخبر والدته، وبالطبع قمنا بقطع العلاقة مع هذا الجار، وأبلغنا الشرطة، وأرى أن الحديث مع الأبناء مهما كانت سنهم صغيرة حول موضوع التحرش أمر مهم، كما أن تدريبهم على الرفض عند الشعور بعدم الراحة يعزز من ثقتهم بأنفسهم، ويحميهم حتى في غياب الوالدين.
حوار هادئ
لاحظت أم جنا، مدرسة أن ابنتها ذات الـ13 عاما أصبحت منعزلة وتخفي هاتفها، فقررت التحدث معها بهدوء ودون تهديد، وتقول: أخبرتها أنني موجودة لمساعدتها حتى لو أخطأت، وأن تخبرني بما يقلقها مهما كان صعبا، فاعترفت أن شخصا مجهولا يرسل لها صورا غير لائقة عبر وسائل التواصل الاجتماعي.
تضيف الأم: قمت بحظر الحساب فورا، وأخبرت الجهات المختصة، واحتضنت ابنتي وبدأنا في البحث معا عن نصائح حول الأمان الرقمي، عند ذلك أيقنت أن الحوار الهادئ والمراقبة غير المباشرة للمراهقين تُسهم في كشف المشكلات قبل تفاقمها.
مفاهيم أساسية لحماية الجسد
يرى سيد شكري، الخبير التربوي أن هناك مفاهيم أساسية لحماية الجسد، أهمها أن يعلم الطفل معنى الخصوصية الجسدية، ويجب على الوالدين أن يعلموا الطفل أن جسده ملك له، ولا يحق لأحد لمسه دون إذنه، خاصة المناطق الحساسة المغطاة بالملابس، مشيرا إلى أهمية استخدام المصطلحات الصحيحة لأعضاء الجسد بدلًا من الألقاب المبهمة لتسهيل التواصل عند الحاجة.
ويقول: يجب تعليم الطفل أيضا التفرقة بين اللمسات الآمنة وغير الآمنة، وأن هناك لمسات جيدة مثل: عناق الوالدين، أو الطبيب أثناء الفحص بوجود مرافق، أما اللمسات السيئة، فهي التي تُشعره بالانزعاج، أو السرية، أو الألم، لافتا إلى أهمية اتخاذ خطوات عملية لتوعية الأطفال، أهمها بناء الثقة والحوار المفتوح وتشجيع الطفل على مشاركة أي موقف يُشعره بعدم الارتياح، مع تجنب لومه أو توبيخه إذا تحدث عن تجربة سيئة.
ويتابع: يجب أيضا تعليم الأبناء رفض أي طلب يخترق حدودهم، واحترام رغبتهم في عدم تقبيل أو معانقة الآخرين حتى الأقارب، وتحديد الأشخاص الموثوق بهم عبر وضع قائمة مع الطفل بأشخاص يمكنه اللجوء إليهم داخل وخارج العائلة.
استماع بلا أحكام
تقدم د. نهلة مصطفى، استشارية الصحة النفسية والأسرية مجموعة من النصائح للتواصل الفعال مع الأبناء، أهمها استخدام لغة بسيطة ومناسبة للعمر، فمع الأطفال الصغار من (3-6 سنوات) يفضل التركيز على فكرة "اللمسات السرية التي يجب إخبار الأم عنها"، بينما للمراهقين يجب مناقشة مخاطر التحرش الإلكتروني، وكيفية التعامل مع الرسائل غير اللائقة.
وتقول: يجب الاستماع للأبناء بلا أحكام، وتجنب ردود الفعل العنيفة إذا كشف الطفل عن تعرضه لمضايقة، وشكره على شجاعته في الإفصاح، مع أهمية تعليم الطفل إشارات الخطر، مثل طلب أشخاص كبار للخصوصية معه أو الاختلاء به في مكان بعيد عن باقي الأسرة، أو إعطائه هدايا بشرط كتمان السر، وكذلك تعليم الأطفال خطوات التصرف في المواقف التي يشعرون فيها بالخطر، مثل الصراخ، والهروب إلى مكان عام مزدحم وإخبار شخص موثوق به فورا.
وتلفت استشارية الصحة النفسية إلى أهمية دور الوالدين بعد إفصاح الطفل عما يضايقه، وتقديم الدعم النفسي له، وتجنب إلقاء اللوم عليه، والإبلاغ الفوري للجهات المختصة (كالشرطة أو الجمعيات المعنية بحماية الطفل).
مسئولية مشتركة
يوضح د. علاء مندور، أستاذ علم الاجتماع أن حماية الأطفال من التحرش مسئولية مشتركة بين الأسرة والمجتمع، لافتا إلى أهمية دور المدرسة عبر تنظيم ورش توعوية للتلاميذ حول الحماية الجسدية، واستخدام قصص مصورة لإيضاح المفاهيم، وكذلك دور الإعلام من خلال نشر حملات تثقيفية عبر الرسوم المتحركة أو البرامج الموجهة للأطفال، وتفعيل قوانين صارمة ضد المتحرشين، وتوفير خطوط مساعدة مجانية للإبلاغ.
ويضيف: التوعية ليست حدثًا لمرة واحدة، بل عملية مستمرة تعتمد على الحوار والثقة، فكل طفل مُدرك لحقوقه الجسدية يصبح أقل عرضة للاستغلال، وأكثر قدرة على النمو بصحة نفسية سليمة، كما أنه لا يجب الانتظار حتى ظهور المشكلة، ويجب البدء في الحوار مبكرا مع الأبناء من سن 3 سنوات، مع استخدام أدوات متنوعة مثل القصص والرسومات ومشاهدة مقاطع الفيديو التعليمية، وعلى الوالدين أن يكونا قدوة في احترام خصوصية أطفالهما والآخرين أمامهم، كما لا يجب الاستهانة بسلوكيات التحرش مهما كانت تبدو بسيطة مثل التعليقات الجنسية أو اللمسات الخاطفة.
التحرش الإلكتروني
للحماية من التحرش الإلكتروني يوضح أستاذ علم الاجتماع، أنه يجب وضع كلمات مرور على حسابات الأطفال لضمان الأمان في وسائل التواصل الاجتماعي، لافتا إلى أهمية عدم مشاركة معلومات الطفل الشخصية، مثل الاسم الكامل أو العنوان أو تاريخ الميلاد أو رقم الهاتف، لأنه يمكن استخدامها ضد الطفل، مع عدم السماح للطفل بفتح رسائل من مرسلين غير معروفين، وإذا تلقى طفلك رسالة نصية أو مكالمة أو طلب صداقة أو رسالة خاصة من شخص لا يعرفه، فلا داع للرد عليه، كما يجب التأكد من أن طفلك يبلغ العمر المناسب لاستخدام منصات التواصل الاجتماعي، ويفضل بعد سن 13 سنة.
ساحة النقاش