هدى إسماعيل
باتت وسائل التواصل الاجتماعي جزءًا لا يتجزأ من حياة الأبناء، لكنها في الوقت نفسه فتحت بابا واسعا من التحديات أمام الأهل خاصة الأمهات اللائي يحملن على عاتقهن مسئولية التربية والمتابعة اليومية، وبينما يرى الأبناء أن السوشيال ميديا وسيلة للترفيه وتكوين علاقات اجتماعية، تجد الأمهات أنفسهن في صراع متكرر مع أولادهن بسبب الإدمان على استخدام الهواتف وتأثيره على مستوياتهم الدراسية، وسلوكياتهم، والتواصل الأسري، ومع ازدياد هذه الفجوة بين الأجيال، تتعالى أصوات الأمهات لتروي معاناتها مع هذا الواقع الجديد الذي غيّر شكل العلاقات داخل الأسرة.
في البداية تقول أم رامي: يستخدم ابني الموبايل على مدار اليوم، حتى أثناء تناول الطعام، وإذا حاولت منعه من استخدامه أو معاقبته بحرمانه منه يرتفع صوته.
وتقول ريهام صبحي، موظفة:«مشكلتي الحقيقة مع مواقع التواصل الاجتماعي هو التقليد، فابنتي تقلد كل ما تراه، وتريد أن تفعل ما يفعله المشاهير، حتى أنها أصبحت ترى نفسها غير جميلة بسبب كثرة الفلاتر التي تستخدمها صديقاتها الأمر الذى أفقدها ثقتها بنفسها.
"التنمر أزمة كبيرة" هكذا بدأت نهال، مدرسة حديثها وتقول: لدي ابن في المرحلة الابتدائية، يتعرض كثيرا للتنمر على مجموعات الواتس آب من أصدقائه وزملاء الدراس، الأمر الذي جعله يرفض الذهاب إلى المدرسة.
وتقول رشا محمد، موظفة: عندما أعود من العمل أحب أن أجلس مع أبنائي وأستمع إليهم، لكن للأسف أجد كل واحد منهم منتبها إلى هاتفه والمنزل في حالة صمت تام، أحاول بكل طاقتي تحديد أوقات معينة لاستخدام الموبيل لكن للأسف لا يلتزمون بها لكنى لا أفقد الأمل.
سلاح ذو حدين
تقول ريهام عبدالرحمن، استشاري الصحة النفسية: تعد مواقع التواصل الاجتماعي ضرورة يومية خاصة في الدراسة العلمية والبحث العلمي والتواصل مع المعلمين والأصدقاء في المدرسة، وبالتالي يجب توعية الأبناء بالجانب السلبي لها مثل الابتزاز الإلكتروني ومخاطر التطرف الديني والانسياق وراء الشائعات المغرضة، وذلك من خلال توعيتهم بعدم مشاركة المعلومات الخاصة بهم مع الغرباء، أو التحدث عن معلومات تخص أفراد الأسرة، أو مشاركة الرقم السري لحساباتهم، وتقليد أقرانهم المراهقين على موقع التيك توك وغيره، وأيضا الحذر من تحميل بعض التطبيقات التي تقوم بالتجسس عليهم وبالتالي تعرضهم للابتزاز الإلكتروني، فمواقع التواصل الاجتماعي ضرورة حتمية في حياتنا إلا أنها سلاح ذو حدين يستوجب التعامل معه بحذر شديد حفاظا على شخصية أبناءنا وحماية لهم من مخاطر التطرف والانحراف، ويأتي ذلك بعدة طرق منها:-
– القدوة: تعد الأسرة بمثابة القدوة الأولى في حياة أبناءها وبالتالي لابد من استخدام مواقع التواصل الاجتماعي بطريقة معتدلة أمام الأبناء وعدم الإفراط في الاستخدام الذي يجعلهم يقلدون ذلك دون وعي منهم وكأن ذلك أسلوب حياة لا غنى عنه.
– بناء الضمير: يبدأ منذ الطفولة المبكرة وبالتالي لابد من غرس مراقبة الله عز وجل والخشية منه سبحانه وتعالى في نفوس الأبناء، من خلال سرد القصص التي تعبر عن الخوف من الله ومراقبته وأن أي عمل يقومون به لابد من مراقبة الله عز وجل في المقام الأول دون الخوف من البشر.
– تقديم الدعم والمساندة: قد أثبتت بعض الدراسات العلمية أن لمواقع التواصل الاجتماعي أثر سلبي على مستوى التحصيل الدراسي لدى الأبناء، فالجلوس لفترات طويلة على مواقع الانترنت تؤثر بالسلب على مستوى التركيز لديهم، وتجعلهم يشعرون بالقلق والاكتئاب نتيجة للانعزال والرغبة في عدم التحدث مع أفراد الأسرة وخاصة المراهقين والذين يعانون من المقارنة السلبية بينهم وبين أقرانهم على مواقع التواصل الاجتماعي الأمر الذي يصيبهم بالسلبية والإحباط وانعدام الشغف وغياب الهدف.
– تحمل المسئولية: الأسرة الواعية هي التي تعمل على تدريب الأبناء على تحمل المسئولية من خلال مساعدة الأسرة في الأعمال المنزلية والمشاركة في وضع الخطط المالية للأسرة، وأيضا من خلال تعويد الطفل على المشاركة والعطاء داخل الأسرة كترتيب غرفته وتنسيق المائدة وترتيب ألعابه فهذه الممارسات الإيجابية تشغل الطفل عن إدمان اللعب على مواقع التواصل والانشغال بها الأمر الذي يتسبب في ضعف الحصيلة اللغوية لديه ويجعله مشتت للانتباه.
– المشاركة والاحتواء: الاتفاق مع الطفل على مشاركة الأسرة كل ما يحدث له على مواقع التواصل وخاصة إذا تعرض للابتزاز الإلكتروني، فالأسرة الواعية هي التي تحتضن أبناءها وتحتويهم ولا تصدر الأحكام عليهم وبالتالي يشعرون بالثقة وعدم الخوف والرغبة في اللجوء لأسرتهم.
– تفعيل تطبيقات آمنة: من خلال الاستعانة ببعض التطبيقات التى يمكن من خلالها متابعة الأبناء وما يشاهدونه على مواقع التواصل الاجتماعي، وحذف أو حجب المواقع غير المرغوب فيها والتي تؤثر بالسلب على نفسية الأبناء وتقتل براءتهم وبالتالي لابد من التصدي لها بشتى الطرق الممكنة.
– مكان مخصص للاستخدام: الحرص على أن يكون هناك مكان واحد لجميع أفراد الأسرة وليكن صالة المنزل لضمان أن يكون طفلك تحت متابعتك، مع الالتزام بوجود وقت مقنن ومحدد للاستخدام اليومي للانترنت بحيث يلتزم به جميع أفراد الأسرة دون استثناء.
إيجابيات السوشيال ميديا
حول إيجابيات استخدام مواقع التواصل الاجتماعى تقول د. نادية جمال، استشاري علاقات أسرية وإرشاد نفسي: من أهم الإيجابيات الخاصة بالسوشيال ميديا التعلم، فهناك أكثر من برنامج لتعليم الرسم والألوان وسماع الموسيقي وأيضاً كتابه قصص أو موضوعات، ومثل هذه البرامج تعلم الأطفال كيفية التعبير عما بداخلهم ويزيد من ثقتهم بأنفسهم، كما أن السوشيال ميديا وسيلة للتواصل مع الأصحاب والأهل، ويمكن أيضا مساعدة الأبناء في اختيار مشاهدة بعض الفيديوهات المفيدة وتقديم شرح مبسط عنها، ودائما يجب أن يكون هناك حوار مع الأبناء عن كيفية الاستفادة من الوقت، وعرض العديد من الاقتراحات الإيجابية لبرامج مختلفة يمكن الاستفادة منها.
وتتابع: على الأمهات توجيه الطفل في عدم مشاركة أي بيانات أو معلومات شخصية أو معلومات خاصة بالأسرة مع أي طرف آخر خاصة مع أصدقاء السوشيال الميديا غير المعروفين في الحقيقة، والتنويه دائما على المحافظة على الخصوصية والمساحة في التعامل، ومن وقت لآخر يجب تذكير أبنائنا بأن فيديوهات العنف ليست حقيقة فهي مجرد تمثيل لتحقيق نسب مشاهدة عالية، ومن الطرق التي تساعد الأمهات على تقليل أضرار السوشيال ميديا تحديد عدد ساعات محدد لاستخدام الهاتف مع ضرورة مراقبة ما يتعرضون له من محتوى.
ساحة النقاش