شيماء أبو النصر
"يغلبك بالمال ..اغلبيه بالعيال.. كل عيل بيجى برزقه" من أكثر الأمثال الشعبية التى سادت لعقود طويلة وما زالت تنتشر فى الكثير من القرى والتى تشجع على زيادة الإنجاب بزعم تحقيق العزوة والسند على الرغم من التأثيرات الخطيرة للزيادة السكانية على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع كله، وهو ما تؤكده د. سامية خضر، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس فى حوارها مع "حواء".
- فى البداية ما أهم الأسباب الاجتماعية التى تشجع على زيادة الإنجاب؟
فى بعض المجتمعات خاصة الريفية وفى الصعيد هناك ربط بين مكانة المرأة فى الأسرة وقدرتها على الإنجاب خاصة الذكور، فبمجرد الزواج يتم تشجيع الزوجين على الإنجاب سريعا، وكذلك ارتباط مشكلة الزيادة السكانية بعدم الحرص على تعليم البنات والزواج المبكر وهو ما يعنى زيادة فرص الحمل وتعرض المرأة لمشاكله والإجهاض المتكرر، وأيضا الرغبة فى إنجاب أبناء ذكور، بل أن بعض الأسر تدخل فى سباق مع الأسر المحيطة فى عدد الأبناء بصرف النظر عن القدرة الصحية أو المادية لتلك الأسر، حتى الميسورة حالا فهى تسبب ضغطا على المجتمع نتيجة زيادة انجابها.
- كيف تلعب الموروثات الاجتماعية دورا سلبيا فى الزياد ة السكانية؟
على الرغم من التطور الفكري والثقافي الذي شهده المجتمع المصري على مدى عقود طويلة، إلا أنه ما زالت تتحكم به أفكار - خاصة فى ريف مصر والصعيد - تؤكد على أهمية الأسرة التي يزداد عدد أبنائها باعتبارهم "العزوة والسند" والنظر إلى الأسر الصغيرة على أنها ضعيفة، كما تتعلق هذه المعتقدات أيضا بأن الأسر الكبيرة يمكنها تشغيل أبنائها في عمر مبكر وهو ما يمثل لها قوة اقتصادية فى المستقبل.
- وما أهم تأثيرات زيادة الإنجاب على الأسرة ؟
للزيادة السكانية تأثيرات سلبية كثيرة على الأسرة، فالأسر ذات العدد الكبير تعانى العديد من المشكلات الصحية والتى ترتبط بصحة الأم المنهكة من كثرة الإنجاب، وبالتالى قدرتها على رعاية أفراد الأسرة تقل لعدم القدرة الصحية، ومن التأثيرات السلبية أيضا تأثيرات اقتصادية تنعكس بشكل مباشر على الأسرة التى يفقد الأب فيها القدرة على الإنفاق على الأبناء ما ينعكس على جميع اوجه حياة هذه الأسرة من صحة وتعليم ورعاية وترفيه، كما تضعف الروابط الاجتماعية بين أفرادها نتيجة لعدم تلبية متطلباتهم بشكل متوازن، فالشجار والصوت العالى هو أسلوب للتفاهم بين أفرادها كما تزداد الخلافات نتيجة إحساس كل فرد إنه لا يحصل على ما يريد من رعاية واهتمام.
- وماذا عن تأثير الزيادة السكانية على المجتمع؟
المجتمعات التى تعانى زيادة عدد أفرادها بشكل أكبر من مواردها تعانى ضغطا شديدا على الخدمات وزيادة الطلب على السلع ما يزيد من الأسعار، كما أن الزيادة السكانية تؤثر بالسلب على استقرار المجتمع بالإضافة لما ينتج عنها من العديد من الآثار السلبية المرتبطة بالزحام سواء فى المرور والمواصلات أو التعامل مع الخدمات التى تقدمها الدولة، كما تزداد الجريمة والعنف فى المجتمعات التى تعانى من الزيادة السكانية لارتباطها بقلة فرص العمل وانخفاض الدخل وتوريث الأبناء الفقر والحرمان.
- الزيادة السكانية كانت ولاتزال هى التحدي الأكبر أمام الدولة المصرية.. ما رأيك؟
بالفعل الزيادة السكانية مازالت تحدي كبير ومشكلة تقضي على ثمار أية إنجازات لخطط التنمية المستدامة أو جهود الدولة لتحسين حياة المواطنين خاصة في ظل الجمهورية الجديدة التي تستهدف تغيير واقع المصريين إلى الأفضل، كما أنها تمثل ضغطا هائلا على الميزانية العامة للدولة والتى ستتجه رغما عنها لتلبية احتياجات وخدمات المواطنين بدلا من إنشاء المزيد من المشروعات الاقتصادية والتنموية التى توفر حياة كريمة للمواطنين، وتحسن بدروها من مناخ الاستثمار وتسهم في تحقيق تقدم الدولة المصرية.
- وكيف يمكن مواجهة هذا التحدى؟
تبذل الدولة المصرية جهودا كبيرة لمواجهة الزيادة السكانية، وما يرتبط بها من قضايا تنموية ذات أبعاد تؤثر في مجملها على جودة حياة المواطن، لذلك أعلنت الدولة الخطة التنفيذية للاستراتيجية الوطنية للسكان والتنمية 2023-2030، وتعتمد الاستراتيجية على إعادة رسم الخريطة السكانية في مصر من خلال إعادة توزيع السكان على نحو يحقق الأمن القومي المصري، ويأخذ في الاعتبار تحقيق أهداف سكانية للمشروعات القومية، ويتحقق ذلك من خلال خلخلة الكثافات السكانية المرتفعة وجذب السكان للانتقال إلى المناطق العمرانية الجديدة.
- وما دور الإعلام فى مواجهة الزيادة السكانية؟
يلعب الإعلام دورا كبيرا ومؤثرا فى مواجهة مشكلة الزيادة السكانية من خلال تقديم الأعمال الدرامية التى تظهر حجم المشكلة وابعادها وتأثيراتها المختلفة وبيان أوجه القبح فيها فالأسرة الكبيرة ليست عزوة وسند ولكنها اسرة ضعيفة يعانى أفرادها من مشكلات صحية وتعليمية مع انخفاض فى الدخل وتوجد الكثير من الأفلام والمسلسلات والحملات الإعلامية والتوعوية التى ركزت على هذه المشكلات وبيان تأثير زيادة الإنجاب عليها، وكذلك الندوات وحملات طرق الأبواب التى يقوم بها المجلس القومى للمرأة فى القرى والنجوع لتوعية المرأة بأهمية دورها فى تنظيم الأسرة، وأن زيادة الإنجاب له أضرار خطيرة على صحتها وعلى قدرتها على رعاية أبنائها.
- وهل يوجد مردود قوى لهذه الجهود التوعوية؟
بالفعل فهناك زيادة فى معدلات تنظيم الأسرة عن الأعوام السابقة وكثير من الأزواج أصبحوا على قناعة بأن تنظيم الأسرة وأن إنجاب طفلين يحقق مصلحة مباشرة لتكوين أسرة قوية فأسرة صغيرة هى أسرة قوية صحيا وماديا واجتماعيا.
أصدر رئيس مجلس الوزراء، توجيهات بإطلاق الخطة العاجلة للاستراتيجية الوطنية للسكان والتنمية بداية من أول يناير 2025، مع التركيز على السنوات الثلاث الأولى للخطة، واستهداف الوصول إلى معدل إنجاب كلي 2.1 لكل سيدة بحلول عام 2030.. هل يمكن تحقيق هذا الهدف؟
نعم فالدولة جادة فى معالجة هذه المشكلة لما لها من تأثيرات سلبية على أوجه التنمية، والدولة بجميع وزارتها وجهاتها المعنية وبالتنسيق فيما بينها تقوم بدورها بشكل متكامل لمواجهة الزيادة السكانية حتى لا يصبح الأمر مجرد مجهودات متناثرة وغير مركزة، كما أطلقت الدولة المشروع القومي لتنمية الأسرة المصرية، والذى يركز على الوصول بالأسرة المصرية إلى مستوى أفضل فى التعليم والصحة وتحسين جودة الحياة بشكل عام.
ساحة النقاش