
سماء صقر
فى زمن انتشرت فيه الوسائل الإلكترونية والتطبيقات التكنولوجية التى خلقت عالما موازيا لواقع طرأت تغيرات على الأسرة، حيث يجلس أفرادها أمام الشاشات للتفاعل على وسائل التواصل الاجتماعي لفترات طويلة بدلا من الحوار الأسرى الذى يتبادل فيه أفراد الأسرة الواحدة الحديث والمواقف الحياتية التى يتخذ منها المعرفة الحياتية والحكمة على مواجهة المواقف المختلفة، ما نتج عنه التفكك الأسرى وفقدان الفرد القدرة على بناء الروابط العاطفية، "حواء" سألت الخبراء عن كيف نستعيد الدفء العائلي في زمن السوشيال ميديا؟
فى البداية يقول د. حسن الخولي، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس: تعد "السوشيال ميديا" سلاحا ذا حدين فهي تجعل العالم قرية صغيرة تتيح للأفراد التواصل مع الأقارب والأصدقاء في المناطق البعيدة خارج البلاد، لكنها في ذات الوقت لها آثار سلبية على الأسرة خاصة مع الاستخدام المفرط لها من قبل أفراد الأسرة ما يؤدي إلي فقدان التفاعل الاجتماعي والميل للعزلة وإهدار الوقت وقلة النوم وتفكك الروابط الأسرية، لذلك يجب على الوالدين تخصيص أوقات محددة للحوار والتفاعل مع أبنائهم، وتشجيع الأنشطة العائلية المشتركة البعيدة عن الشاشات، وضرورة وضع حد زمني معين لاستخدام الأبناء للهاتف وفق مراحلهم العمرية، والحرص على التحدث معهم وسماع مشكلاتهم ومساعدتهم على حلها، مع أهمية خلق مساحة من الحوار بين أفراد العائلة والأقارب والأصدقاء وعودة المكالمات الهاتفية والزيارات بدلا من الاكتفاء برسائل الفيسبوك والواتساب.
ويقول د. سعيد ناصف، أستاذ علم الاجتماع بجامعة عين شمس: لوسائل الاتصال الحديثة تأثير إيجابي على المستوى الثقافي والاقتصادي من خلال التواصل مع الآخرين ومعرفة عادات وثقافات الشعوب الأخرى والتعرف على التنمية الاقتصادية لديهم، لكن على المستوى الاجتماعي نجد الأسرة تأثرت سلبيا بها من خلال التباعد الاجتماعي وافتقاد الأحاديث والمناقشات الأسرية واللجوء للهاتف أو التابلت والدخول على التطبيقات لساعات طويلة والتواصل الدائم مع العالم الخارجي من خلال الإنترنت، وأصبح أفراد الأسرة منعزلين عن الواقع، ما يصيب الكثيرين بالخرس الأسري، وهذه من السلبيات تتطلب استعادة التماسك والود بين أفراد الأسرة، والتقليل من استخدام الوسائل الرقمية، وتوجيه الأبناء للاستخدام الإيجابي للإنترنت المتمثل فى البحث والمعرفة والتعلم وتشكيل الوعي الثقافي والفكري لدى الأبناء، مع الحفاظ على وجود رقابة أسرية وصراحة بين الوالدين والأبناء عند استخدام السوشيال ميديا.
القدوة الأسرية
تؤكد د. منار عبد الفتاح، استشاري العلاقات الأسرية والصحة النفسية أن انعدام الحوار بين أفراد الأسرة أحد أهم أسباب تفككها، لافتة إلى أن الأسرة البيئة الأولى والحاضنة للأبناء والتى يجب أن يجدوا فيها الحنان والأمان والقدوة.
وتقول: الأسرة في عصر السوشيال ميديا اختلفت كثيرا، فالوالدين والأبناء أصبحوا منشغلين بتطبيقات التواصل الاجتماعي وغاب الحوار بينهم، كما غابت الرغبة لدى الأبناء في التواصل مع الأصدقاء في النادي أو المدرسة ما يجعلهم في عزلة عن المجتمع ويشعرون بالضغط النفسي والاكتئاب، لذا يجب التصدي لهذه المشكلة من خلال عودة الترابط الأسري بالحديث مع الأبناء وتقنين استخدام الهاتف، ومتابعة الوالدين للمحتويات التي يشاهدها الأبناء عبر الإنترنت، وتربيتهم على ضبط سلوكياتهم أثناء استخدام التطبيقات.
يوم عائلي أسبوعيا
يقول د. أحمد عبد الرحمن، خبير التنمية البشرية واستشاري الإدارة والتسويق والموارد البشرية والعلاقات الأسرية: في زمن تتشابك فيه القلوب عبر الشاشات أكثر مما تتلاقي في الواقع بدأت بعض البيوت تفقد شيئا من دفئها الإنساني إذ حلت الرسائل القصيرة محل الحوارات الطويلة وصارت الوجوه المضيئة على الشاشات أكثر حضورا من الوجوه التي نحبها ونتفاعل معها في الأسرة، ومع هذا التغيير السريع تبرز الحاجة الملحة لإعادة التوازن والدفء إلى الحياة العائلية وذلك من خلال إطفاء أجهزة الهاتف أو التابلت لمدة نصف ساعة يوميا وتقوم الأسرة بفتح الأحاديث فيها معا والحرص على تجمع أفراد الأسرة على وجبة الغداء أو العشاء بدون استخدام الهواتف، فمشاركة أفراد الأسرة في إعداد وجبة أو ترتيب المنزل معا يمنحهم إحساسا بالانتماء والعمل الجماعي، كما أن مشاركة الذكريات الممتعة معا كاللعب أو مشاهدة فيلم عائلي أو نزهة بسيطة في الحديقة كلها وسائل تمنح الأبناء شعورا بالحب والاهتمام، وتحديد يوم عائلي ثابت أسبوعيا لخروج الأسرة للنزهة وتبادل الأحاديث معا من شأنه أن يعيد جوهر الأسرة الذي هو الحب والاهتمام والتفاعل الإنساني الصادق.
وتقول د. هاجر مرعي، خبيرة العلاقات الأسرية واستشاري الصحة النفسية: لاشك أن إيقاع الزمن الحالي الذي تعيش فيه الأسرة في ظل التقدم والحداثة والثورة الإلكترونية جعل من أفراد الأسرة الواحدة أشخاصا يعيشون في منزل واحد لكن في جزر منعزلة، فظهور الإنترنت ووسائل التواصل الاجتماعي جعل لكل منا حياته الخاصة وعالمه المتفرد، وكان لذلك رد فعل مباشر وعرض جانبي واضح على حال الأسرة مقارنة بالزمن الماضي، وبحلول الإجازة وفصل الصيف أتت الفرصة لمحاولة استعادة تجمع الأسرة بالطريقة الكلاسيكية المعتادة كما كانت في السابق على الشواطئ وفي المنازل أو حتي في الحدائق العامة.
وتنصح د. هاجر بضرورة ترشيد استخدام وسائل التواصل الاجتماعي وترويض فكرة أن العالم على شبكة الإنترنت آمن، وعلى الأقل لابد أن تجتمع الأسرة في عطلة نهاية الأسبوع كما كانت تجتمع في السابق وتستمتع بالحوار معا وزيارة الأهل والأقارب، كما يجب على الوالدين توجيه الأبناء بعدم استخدام وسائل التواصل الاجتماعي والهواتف طول اليوم بشكل مبالغ فيه، ولابد أن يتسم الحوار بين الأبناء والوالدين بالود وسعة الصدر وتقبل التقلبات المزاجية ومحاولة فهم أفكار الجيل الحالي من الأطفال والشباب واستغلال طاقتهم وتوجيهها.



ساحة النقاش