<!--<!--<!--[if gte mso 10]> <style> /* Style Definitions */ table.MsoNormalTable {mso-style-name:"Table Normal"; mso-tstyle-rowband-size:0; mso-tstyle-colband-size:0; mso-style-noshow:yes; mso-style-priority:99; mso-style-qformat:yes; mso-style-parent:""; mso-padding-alt:0cm 5.4pt 0cm 5.4pt; mso-para-margin:0cm; mso-para-margin-bottom:.0001pt; mso-pagination:widow-orphan; font-size:11.0pt; font-family:"Calibri","sans-serif"; mso-ascii-font-family:Calibri; mso-ascii-theme-font:minor-latin; mso-fareast-font-family:"Times New Roman"; mso-fareast-theme-font:minor-fareast; mso-hansi-font-family:Calibri; mso-hansi-theme-font:minor-latin; mso-bidi-font-family:Arial; mso-bidi-theme-font:minor-bidi;} </style> <![endif]-->
خمس وستون سنة انقضت على ما عرف باسم "مأساة مايرلنج" ولم يمزق الستار بعد عن حقيقة ما حدث في تلك الليلة- 30 يناير 1889- التي فقد فيها ولي عهد النمسا رودلف حياته، وفقدت معه حياتها عشيقته ماري فتسيرا... فما هي قصة العاشقين... وما هو سرهما؟
1- لم يوافق الأرشيدوق رودولف، ولي عهد النمسا، على الزواج من ستفاني ابنة ملك بلجيكا ليوبولد الثاني، إلا نزولا على رغبة والده الإمبراطور فرانسوا جوزيف الذي قرر أن يتم الزواج عام 1880. وقد وافق عليه ملك بلجيكا، وقال هذا لابنته وذلك لابنه: إن مصالح الدولة العليا ومستلزمات التوازن السياسي في أوربا، والتقاليد والعادات المرعية، كلها تتطلب أن يتم ذلك الزواج.
ولا أهمية للعاطفة في هذا التعاقد بين الأمير والأميرة. فهو لا يحبها وهي لاتحبه، بل أنه لا يعرفها وهي لا تعرفه، والأثنان يعلمان أنهما يضحيان على مذبح التقاليد، وكل منهما يفكر، منذ اللحظة الأولى، كيف السبيل للتمتع ببعض الحرية، وبعض الهناء، وبعض السعادة، على هامش الحياة الزوجية المفروضة عليهما فرضا؟ لقد بكت ستفاني يوم زفوها إلى زوجها وثار هو يوم أرغموه على أن يلعب دوره كولي عهد إلى النهاية.
2- كان رودولف في الثانية والعشرين فقط. فقد ولد في سنة 1858. وزوجوه في سنة 1880. وقدر له أن يموت قبل أن يتم الواحدة والثلاثين، في سنة 1889، بعد قضاء تسعة أعوام مع زوجته لم تربطه بها في وقت من الأوقات رابطة حب، أو رحمة! ومرت الأعوام الأولى بعد زواجه، وحاول أن يوجد تلك الرابطة بينه وبين زوجته. وحاولت هي مثله. ولكنهما فشلا، وعاشا جنبا إلى حنب وكل منهما يدير ظهره للآخر!.. وأراد الزوج الشاب أن يرزق من زوجته مولودا يحمل اسمه ويرث العرش من بعده. ولكن ستفاني لم تلد!.. وبحث الأرشيدوق عن الملذات في كل مكان، فراح يصادق النساء من كل طبقة ومن كل نوع، وذات ليلة، كان يشاهد التمثيل في دار الأوبرا بفيينا عندما وقع نظره على صبية بارعة الجمال، جالسة مع أهلها في مقصورة مواجهة لمقصورته. وظل طول الوقت يحدق فيها البصر، فتنبهت هي إلى ذلك.
3- كان الأرشيدوق رودولف قد قضى ثمانية أعوام مع الزوجة التي فرضوها عليه، يوم وقع نظره على الفتاة المجهولة في دار الأوبرا. كان قد قام بمغامرات غرامية في جميع أوساط فيينا، ويوم رأى الفتاة الجميلة الصغيرة في مقصورتها، أدرك أن شيئا ما قد حدث في حياته، أو على وشك أن يحدث. وسأل من تكون الفتاة؟ فقيل له أنها تدعى " البارونة ماري فتسيرا" وأن عمرها 17 سنة وهي من أسرة نبيلة أصلها من بلاد اليونان.؟ وأكتفى الأمير بهذا القدر من المعلومات عن الفتاة التي استرعت انتباهه. ولكن الصدف مهدت للقاء آخر، فقد التقى الأرشيدوق بماري فتسيرا بعد بضعة أيام في مكان النزهة المعروف باسم " براتر" وبادرها بالتحية فردت عليه تحيته، وفطن الشاب إلى أن الإحمرار قد علا وجهها. وقالت ماري لصديقتها " الكونتس لاريش" أن رودولف فارس جميل، وأن لقاءه في "الأوبرا" قد بعث الدوار في رأسها!
4- وأسرعت الكونتس إلى الأرشيدوق تنقل إليه كلام الفتاة، وتضيف إليه من عندها ما جعل الشاب يتوق إلى لقاء أطول وموعد يختلي فيه بالحسناء التي أثار اهتمامها، وأثارت هي اهتمامه. فاتفق مع الكونتس لاريش على أن تكون واسطة بينه وبين الفتاة فقامت صديقة الطرفين بدورها على أحسن وجه. وجاءت "ماري فتسيرا" إلى القصر ودخلت خلسة على الأمير بدون أن يراها أحد. وبدأ بين الشابين غرام عنيف لم يدم طويلا ولكنه انتهى بفاجعة، فقد شعر الأرشيدوق رودولف فجأة أنه وجد السعادة وعثر على الهناء خارج نطاق الزوجية. وأنه خير له أن يربط حياته بالفتاة التي أحبها منذ اللحظة الأولى، بدل أن يظل رازحا تحت وطأة التعاسة مع زوجة يزداد نفوره منها يوما بعد يوم، ولكن، كيف السبيل إلى التخلص من قيود الزوجية... وهل ترضى الأسرة أن يتزوج الأرشيدوق رودولف حبيبة القلب؟..
5- لم تظل علاقته بماري فتسيرا مخفية عن ذويه أكثر من بضعة أيام، فقد خان الأمير نفسه، وخانت الفتاة نفسها، وقالت هي لأهلها أنها تحب رودولف وتنوي أن تهجر بيتها وتعيش في كنفه. وقال هو لأبيه أنه لم يعد يطيق العيش مع زوجته ويود لو تم الإتفاق بينهما على الطلاق لكي يتزوج الفتاة التي أحبها وأحبته. وثار أبوه أمام هذا الأعتراف الصريح. وقال أن أسرة "هبسبورج" لن تسمح بأن يتزوج أميرها وولي عهدها فتاة من أسرة لا تتفق درجة نبلها وشرفها مع مقام أقدم أسرة ماكة في أوربا. وهدد الأمبراطور ابنه بأن يعمد إلى تأديبه بالطرق التي يراها مؤدية إلى الغرض المنشود، وهو الإبقاء على الحالة كما هي، وعدم إحداث فضيحة في الأسرة تفقدها الاحترام عند الشعوب الأخرى وكانت ستفاني تصفى إلى هذا الحديث وتشاهد جدل الأب والابن، مرددة مرة بعد مرة أنها على استعداد للعودة إلى أسرتها في بروكسل...
6- أما هو، الزوج التعس والعاشق المعذب، فإنه لم يقتنع بما قاله أبوه، ولا بما توعدته به زوجته، بل سمى ليحصل من البابا على قرار بإلغاء زواجه، لكي يخلو له الجو مع الفتاة التي أحبها، وقال هذا لماري فكتبت في مذكراتها هذه الكلمات " لقد عرفت اليوم أسعد لحظات حياتي". ولكن البابا رفض إجابة الأرشيدوق طلبه. وعاد أبوه يخيره بين أن يهجر عشيقته الصبية أو أن يرحل عن البلاد... حدد الأمير العاشق موعدا للفتاة في قصر مايرلنج على مسافة أربعين كيلو مترا من العاصمة " فيينا". وطلب الأرشيدوق ثلاثة من أصدقائه ليوافوه إلى هناك بحجة أن يخرجوا معه إلى الصيد في الغابات المحيطة بالقصر، وفي الموعد المحدد دخل الأرشيدوق إلى القصر، ودخلت معه ماري فتسيراـ ثم وصل الرفاق الآخرون في اليوم التالي، وخرجوا إلى الصيد حيث حصلوا على محصول وفير ثم عادوا.
7- ولكن ماذا حدث في الليلة الثالثة، بعد أن أوى كل من الرفاق الخمسة إلى حجرته وفراشه؟ هذا هو السر الذي لم يمزق عنه الستار بعد. فقد دخل الأرشيدوق رودولف حجرته وهي المعدة له ولصديقته ماري.... حيث قضى الليل مع عشيقته...وفي صباح اليوم التالي- الأربعاء 30 يناير 1889- توجه الخادم " لوشيك" إلى باب حجرة سيده ليوقظه تنفيذا لإرادته. فطرق الباب وفتحه الأرشيدوق، وقال للخادم أن يذهب ويعد العربات للرحيل. وتأخر الأرشيدوق، وكان أصدقاؤه ينتظرونه فصعدوا إلى حجرته وطرقوا الباب فلم يرد عليهم أحد، فنادوا بأعلى صوتهم. ولم يتلقوا ردا. وحاولوا أن يفتحوا الباب فإذا به مقفل من الداخل. وقرروا أن يقتحموه، وقال لهم الخادم إنه خيل إليه أنه سمع طلقا ناريا في داخل الحجرة عند الفجر. وقرروا أن يحطموا الباب فحطموه ودخلوا.. وكانت هناك مفاجأة.
8- ويالهول المنظر الذي رأوه داخل الحجرة: كانت جثة ماري فتسيرا ملقاة على السرير. وبجوارها جثة الأمير رودولف لم يكن في جثة الفتاة آثار لجراح، وكان الدم قد سال بغزارة من فم الأرشيدوق، من بطنه وكانت بندقيته بالقرب منه. ونقل الشهود الخبر إلى الأمبراطور والأمبراطورة وزوجة الأمير وأعلن في اليوم التالي أن الأرشيدوق رودولف قد انتحر بعد أن قتل عشيقته في قصر مايرلنج. ولم يعرف بعد إلى الآن حقيقة ما حدث في تلك الليلة: هل خنق الأرشيدوق عشيقته ثم انتحر؟ هل قتلته هي ثم قتلت نفسها؟ هل ثار وقتلها ثم قتل نفسه؟ أم أن هناك جريمة أقترفت في سكون الليل وفي ذلك المكان المنعزل- جريمة قضت بها السياسة ومصالح الدولة العليا- وأعلن على أثرها أن الأمير وعشيقته قد انتحرا؟.. إن مأساة مايرلنج لا تزال من أسرار التاريخ وقد ظلت كذلك إلى يومنا هذا!...
ساحة النقاش