مرات كثيرة التقيت بها... و كان لها فى كل مرة مكانها الرفيع فى النفس، تقديرا،و حبا،و ايجابيا. و لكنى حين فكرت فى لقائها منذ أيام،و حين جلست إليها أسأل و أتلقى الجواب.. كان لمشاعرى طعم آخر جديد،و مذاق لم أعرفه من قبل.. كنت أحس أنى على موعد مع مرحلة من التاريخ تحتضنها كل عربية فى حنايا القلب،و تعتز بها فى أعماق الضمير.
كنت أرى رائدات الطليعة... و كل منهن تشق طريقها فى أرض صماء قاسية، ليس فيها ألا الشوك يدمى الاقدام،و الا أصوات الرجعية تدمدم كقصف الرعد يصم الأذان.
كنت أرى الرحلة الطويلة الشاقة،و ليل عاصف يلفها فى قطع من الظلام، لا بطل منها نجم،و لا يلمع فيها نور
كنت أرى القافلة الصغيرة المؤمنة، لمضى و قد أجهدها السير،و عفر جبينها التراب،و مزقت أهابها أنياب هنا و مخالب هناك،و مع ذلك لم تفقد فى يوم وجهتها،ولا ضلت ساعة عن هدفها.
و من خلال أبتسامتها الرقيقة العذبة،و صوتها الهادئ العميق،و منطقها الناصع الدقيق، أدركت كيف استطاعت (كريمة السعيد) أن تفرض أرادة التقدم،و تملى كلمة التاريخ،و تضع على معالم الطريق انتصار تفخر به كل أمرأة...
قلت لاول وكيلة للوزارة فى بلادنأ:
-كلمة تعريف.. لو تفضلت.
قالت و الابتسامة على شفتيها:
-فلتكن أذن سريعة.
-وهو كذلك.
-تخرجت فى الجامعة عام1932،و وكيلة و ناظرة و مفتشة بالمدارس الثانوية، ثم مراقبة لتعليم البنات و البنين.. و أخيرا وكيلة لوزارة التربية و التعليمو قد مثلت بلادنا فى أكثر من مؤتمر.. أذكر منها المؤتمر الاسيوى الافريقى الذى عقد بالهند سنة1947 برئاسة الزعيم الراحل نهرو.. و مؤتمر الجامعيات الذى عقد بلبنان فى العام الماضى.. و رأست أول مؤتمر للمرأة الاسيوية و الافريقية، الذى عقد بالقاهرة سنة1961
• لقد كانت معظم جهودك موجهة للتربية، فكيف يمكن للمدرسة فى رأيك أن تخدم النظام الاشتراكى و تدعمه؟
-يتفانى المدرسين و المدرسات فى أداء واجبهم،و تعاونهم مع الرؤساء، نظارا كانوا أو مفتشين أو غيرهم.. و من الضرورى فى رأيى أن يعاد النظر فى المناهج حتى تلائم نظامنا الجديد. كما ينبغى أن تكون المدرسة مؤسـسة جماهيرية بالمعنى الصحيح، تتفاعل مع البيئة التى حولها،و تضع أمكانياتها فى خدمة الشعب..و التوسع فى تطبيق نظام المجالس الشعبية بالمدارس هو مساهمة ناجحة فى تدريب التلاميذ على مواجهة المسئوليات.
• و ما رأيك فى تدريس التربية الاسرية و الجنسية فى مدارسنا؟
-ليس من المفيد تخصيص مادة للتربية الاسرية.. من الافضل أن تقدم بطريق غير مباشر ضمن دروس الدين أو الاجتماع.. أما التربية الجنسية فمن رأيى أن نقوم بتدريسيسها،و لكن بطريقة علمية بعيدة عن الاسفاف. أن فى ذلك ضمانا كبيرا لحماية أجيالنا الصاعدة من الانحراف.
• و الاختلاط فى المدارس؟
-لقد نجح فى بعض المحافظات،و أفاد منه الطلبة و الطالبات. و هو يمنح الطالبة بالذات كثيرا من الثقة بالنفس،و يعدها للحياة الجامعية بعد ذلك. و ليست بهذا أنادى بتعميم الاختلاط فى كل المدارس.. لابد من وجود مدارس خالة للبنات.. على الاقل فى هذه المرحلة من تطورنا،و التى يرفض فيها بعض الاباء و الامهات اختلاط الجنسين.
• أصبحت المرأة تحتل كثيرا من المناصب القيادية.. فكيف يمكنها تثبيت قدميها فى هذه المناصب؟
-بتحمل مسئولياتها كاملة،و مواجهة المشاكل و العمل على حلها بجرأة و شجاعة.. على ألا يدفعها ذلك الى التنكر لما يبديه الآخرون من رأى صائب و مشورة صادقة.و عليها أن تساوى فى معاملتها بين المرءوسين، فلا تتعصب لبنات جنسها... ان الرجل لا ينكر على المرأة حقها فى أن تكون رئيسية له. أنه يرحب بذلك و يتعاون معها مادامت تحسين معاملته،و قد لمست ذلك بنفسى فى كل المناصب التى توليتها.
• آن كثيرا من القوانين تقف عقبة فى طريق المرأة، فكيف يمكنها أن تقوم بدورها كاملا على الرغم من ذلك؟
-بالعمل الصادق فى كل الميادين..أنها بذلك تجرد الرجعية من أهم أسلحتها.و عليها فى نفس الوقت أن تكافح من أجل الحصول على ما ينقصها من حقوق، بالدراسة العميقة،و تعبئة كل الجهود و الامكانيات.و ما أكثرها.
• و كيف نستطيع الحصول على جيل من الامهات الواعيات؟
-يستطيع التنظيم النسائى على مستوى الحى أن يقدم الينا هذه الاجيال من الامهات، بما يقوم من توعية فى جميع الاتجاهات الاجتماعية و الاقتصادية و السياسية و التربوية.. المهم أن يقوم بهذه التوعية أخصائيون و أخصائيات.
و عندما وضعت يدى فى يد _كريمة السعيد) مهنة و شاكرة.. كانت كل قطرة فى دمى تنبض فخرا بأول وكيلة وزارة لنا،و تفاؤلا بالمستقبل الظافر الذى ينتظرنا..و كان ينبعث من أعماقى دماء حار مخلص.و فقها الله فى عملها الجديد الكبير.
المصدر: مجلة حواء
نشرت فى 28 نوفمبر 2010
بواسطة hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »
ابحث
تسجيل الدخول
عدد زيارات الموقع
22,868,027
رئيس مجلس الإدارة:
عمر أحمد سامى
رئيسة التحرير:
سمر الدسوقي
الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز
ساحة النقاش