حكيت لك الأسبوع الماضى حكاية قارئى السيد محسن الذى ينحدر من أسرة معروفة ميسورة بعض الشىء والذى تخرج فى كلية التجارة وعمل فى شركة كبيرة وكان والده اللواء السابق بالجيش قد استأجر له شقة «إيجار قديم» فى منطقة منشية البكرى وتركها عدة سنوات لكى يتزوج فيها ابنه وكان محسن وسيما لطيفا محبوبا من كل الناس وعندما بلغ الثامنة والعشرين من عمره بدأت والدته تبحث له عن عروس جميلة من الأسرة أو من خارجها وتصادف أن قابل السيدة عايدة وهى مطلقة قالت له أنها تكبره بأثنى عشر عاما فقط ولديها ولد مهاجر للخارج وبنت صغيرة تعيش معها وهى ثرية تمتلك مشروعا تجاريا ناجحا وتعيش فى أرقى أحياء القاهرة ولديها سيارة فارهة (باختصار مستوى اجتماعى آخر) ونصبت عايدة شباكها حول محسن الشاب الوسيم وجعلته جزءا لايتجزأ من يومها وليلها وصارت تصطحب بنتها معهما لتناول الغذاء فى الأندية والمطاعم وبدأ الشاب ينصرف عن عرائس أمه البنات البكر سليلات العائلات المحترمة وعلمت أمه بالأمر فنصحته أن يبتعد عن تلك السيدة تماما لأنها لن تنجب له طفلا ولن يصبح هو رب البيت وعائل الأسرة كما هو الحال فى كل الأسر الطبيعية فماذا فعل محسن ؟

 

 

أكمل محسن حديثه لى قائلا :

كنت مسحورا ومبهورا بالفرو الشياكة التى تعيش فيها عايدة التى اكتشفت أننى أحببتها وأحببت ابنتها ولم التفت إلى كلام أمى بل قلت لعايدة ونحن نتناول طعام الغذاء فى الفندق الكبير .

عاوزين نتجوز ونقطع لسان كل من يتكلم عنا!! وفورا وإلا لن ترينى بعد اليوم !! وردت عايدة قائلة .

مأذون الزمالك جاهز دلوقتى !!

تزوجنا ولم أقل لأسرتى أننى تزوجتها بل اشتريت ملابس جديدة وأوهمت أمى أننى مسافر للخارج فى رحلة لمدة شهر لكن قلب الأم كان صائبا وشاعرا قالت لى .. بل أنت ذاهب لكى تتزوج من عايدة سوف تندم يا ابنى حيث لا ينفع الندم وسوف تعرف أن كلام أمك هو الصواب!

 

 

ويستطرد السيد محسن .. ما هذه الجنة التى كنت غارقا فيها مع عايدة الجميلة؟ بيت كبير جميل خدم وحشم فلوس بالكوم أذهب إلى عملى وأتمه على خير وجه ثم أهرع إلى أحضانها الدافئة ثم نقرر أين نسهر كل ليلة؟ وكل ليلة نشرب ونرقص ونقابل عليه القوم وهم يحبونها ويحبوننى لايرون أى شىء غريباً فى زواجنا بل إن ابنتها تحبنى وتعاملنى وكأننى والدها تماما !!

وعلمت بعد ذلك يا سيدتى أن فارق السن بينى وبينها ليس 12 عاما كما قالت لى بل حوالى 19 عاماً وذلك عندما جاء ابنها المهاجر إلى مصر ورحب بى ووجدته فى مثل سنى تقريبا !

ومع هذا وذاك كان اليوم يجرى والليل يهل سريعا حتى وجدتها ذات يوم تقول لى .

لك عندى مفاجأة ! واصطحبتنى إلى شقة صغيرة بالزمالك كانت قد استأجرتها «زمان» لسكناها لكنها انتقلت منها إلى الشقة الفاخرة، وقالت لى :

هذا مكتب المحاسبة الخاص بك وأنا شريكتك فى المكتب! لقد انهيت كل الإجراءات بل جئتك بعدة زبائن محترمين وما عليك إلا أن تأخذ أجازة بدون مرتب من عملك لمدة سنة ! فإذا أعجبك الحال كان بها وإذا لم يعجبك تعود إلى عملك وكأن شيئا لم يكن !

 

 

واستطرد السيد محسن ..

ماذا أقول يا سيدتى ؟ ضممتها إلى صدرى وأقسمت لها ألا أتركها طول عمرى ولكن أظل وفيا ومخلصا لها حتى آخر أنفاس حياتى .

ومرت السنوات وأنا غارق معها فى الصباح فى المكتب الذى نجح نجاحا فائقا وفى الليل مع الأصدقاء والصديقات والسهر والتمتع بكل شىء حتى أصبت أخيرا بمرض (فيروس سى) الذى هدنى هدا ورقدت فى البيت وحيدا فهى فى مكتبها والبنت الصغيرة فى المدرسة وابنها عاد إلى مهجره بعد أن أبدى ارتياحاً لوجودى ورعايتى لأمه وتأملت حياتى فوجدتنى كما قالت أمى «أسبح فى الهواء! لا ولد ولا بنت ولا وريث ولا أى شىء؟ فماذا فعلت بحياتى؟ لقد انتهت أحلام الأبوة التى كانت تراودنى بين الحين والآخر أنتهت تماما بأن بلغت سن الخامسة والخمسين ومرضت بذلك المرض اللعين (فيروس سى) ومضاعفاته وصار كل ما استطيعه هو مباشرة عملى فى المكتب ثم أعود متعبا إلى البيت الذى كانت صاحبته زوجتى مريضة أيضا مثلى لكنها تتحايل على السن والمرض بعمليات التجميل والعلاج وخلافه؟ أليس حالى بائسا تماما؟

 

 

الدنيا لا تعطى الإنسان كل شئ، تمتعت بالمال والحب والسهر والسفر والسيارات الفارهة والشقة الفاخرة وفضلت ذلك على طفل يقول لك يا بابا فلماذا لا ترضى بالمقسوم وتزكى عن مالك وتبر أمك وجيرانك القدامى وكل من يلجأ إليك محتاجا.

 

المصدر: سكينة السادات - مجلة حواء
  • Currently 60/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
18 تصويتات / 817 مشاهدة

ساحة النقاش

nazrat

صدق رسول الله صلى الله عليه وسلم حين سئل من أحق الناس بحسن صحابتي قال : أمك قال ثم من ؟ قال أمك الى آخر الحديث المشهور , عموما لن نزيد من إحباطك ولومك لنفسك ويكفي بذلك زاجرا أو رادعا ومن قبل قدر الله وماشاء فعل ولتعزم النية أو تعقدها على زيارة بيت الله الحرام والقيام بعمرة تغسل فيها نفسك غسلا وسوف تسترد عافيتك باذن الله كما لو كان شيئا ضائعا منك ووجدته فجأة

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,795,793

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز