شعب .. «ابن نكتة»

كتبت : تهاني الصوابي

من ميدان التحرير إلى الاخوة الاشقاء العرب، فى حد مضايقكم تانى نخلعه قبل ما نترك الميدان »

«عارفين له النظام سقط ؟! عشان شال 6 مواد من الدستور» هذه بعض النكات الصادرة من ميدان التحرير حيث ثورة 25 يناير والتى تعبر عن كم الأحداث العديدة والمتتالية والمطالب المشروعة التى نادى بها الثوار، فالنكتة ليست بغريبة على الشعب المصرى، الذى يطلق عليه العالم أنه شعب «ابن نكتة» ويشتهر بإطلاق النكات دوماً حتى فى أحلك الظروف لتعبر عن «خنقته» من أى نبى آدم على وجه الأرض، أياً كان منصبه، لايهم، المهم أن يعبر عما داخله بنكتة تثير الضحك حتى البكاء أحياناً لما آل اليه حاله من التردى والتأخر والتخلف، فهو يطلق النكات والفكاهات و«القفشات» فى كل وقت خاصة فى أشد الاوقاف والازمات، فهو المعروف بخفة دمه، وقدرته على تأليف النكات التى تتناسب مع المواقف التى يمر بها سواء كانت سياسية أو اقتصادية أو اجتماعية، بل يشتهر ببراعته فى كيفية القائها.

والمصرى دائم التطور فى كيفية تبادل النكات، بداية من الأتصال الشخصى وتتاقلها من شخص لآخر، ثم خلال المحمول، واخيراً الفيس بوك الذى أصبح بطلاً، وأبطاله هم «الفيسبوكيون»، وهم شباب الثورة الذين لفتوا انتباه الجميع الى شىء يسمى الفيس بوك، عبر ذلك الصندوق السحرى العجيب وهو الكمبيوتر الذى ظل حكراً على مجموعة من الشباب قد تصل الى الآلاف أو الملايين على مستوى العالم، لكنه فى النهاية اختراع شبابى خاص جداً بهم بل أن الكثيرين قبل 25 يناير لم يسمعوا عنه، وحتى لو سمعوا كانوا يعتبرونه إحدى أدوات اللهو الشبابية ، والآن أصبح المواطن المصرى الذى بلا موقع على الفيس بوك، هو مواطن بلا هوية هذا الكلام ليس جاداً بل يدخل فى اطار النكتة وخفة دم المصريين على مدى الايام الاخيرة رغم قسوتها ومع حلاوتها .

وهو ما دفع العالم كله ليردد ويقسم بأن المصرين ناس «رايقة» حتى فى المظاهرات ووسط الضرب بالعصى والحجارة والرصاص وزجاجات المولوتوف، حيث أخذوا يطلقون النكات التى لا تخلو من رسائل واضحة وصريحة للنظام بمطالبهم وأمالهم واحلامهم، ربما كان هؤلاء على حق فى ملحوظاتهم حول الشعب المصرى، لكنهم معذورون فهم لا يعرفون هذا الشعب جيداً، الشعب الصامد القادر على قهر من يحاول قهره بالنكات تارة وبالثورات تارة اخرى، والتاريخ شاهد على ذلك.

عندما تشتد الازمات تخرج النكات، ففى اعقاب الهزيمة فى حرب 67 الشهيرة بالنكسة خرجت النكات من الشارع المصرى تعلق وتعبر عن خيبة الأمل التى أصابت الشعب، وكان الرئيس الراحل جمال عبدالناصر حريصاً على سماع النكات لمعرفة نبض الشارع المصرى، ولم يخالفه فى النهج والسلوك الرئيس الراحل أنور السادات فى حرصه على معرفة ماذا يقول المصريون من نكات خاصة فيما يتعلق بشخصه، وها هو الشعب المصرى يعيد الكرة مرة أخرى، ويطلق النكات ليعبر عن ثورته العظيمة، ولكن هذه المرة على الفيس بوك، وهى نكات معبرة عن مطالب الشباب عبر أيام وليال، وهم ثائرون معتصمون فى ميدان التحرير، من أجل الحفاظ على ثورتهم، حريصون أن تكون النكات خير توثيق لمطالبهم المشروعة التى طالبوا بها وتحقيق بعضها وأن كان البعض الأخر مازال فى الطريق.

أعتقد أنه قد آن الأوان لعلماء الاجتماع للعمل بجدية لتوثيق تلك النكات، وعمل الدراسات الاجتماعية، لمعرفة ماذا كان يدور فى عقل ووجدان الشباب وكيف عبر الشعب المصرى بالنكات والتعليقات عن ازمته مع النظام حتى رحل، والمؤكد انهم سيخرجون بمئات الدراسات عن تلك الثورة العظيمة، فالاحداث كانت كثيرة متلاحقة سريعة مثيرة، وهو ما عبرت عنه احدى النكات الصادرة من ميدان التحرير حيث تقول:

«نداء من تلميذ فى المرحلة الابتدائية الى الثوار فى ميدان التحرير والحكومة، لا تنسوا أن تلك الأحداث ستدخل مادة التاريخ، واحنا اللى هنتعب فى مذاكرتها، اختصروا من فضلكم، حددوا مطالبكم مع بعض وخلصونا كدة المادة هتبقى صعبة قوى».