يحيا الهلال مع الصليب

كتبت : تهاني الصوابي

رغم أنف الحاقدين والمتربصين كان وسيبقى شعارنا جميعا كمصريين يحيا الهلال مع الصليب، فعلى مدى عقود وعهود طويلة حافظ المصريون على تراب هذا البلد الأمين، وسالت دماء المسلمين والمسيحيين فى سبيل وحدة هذا الوطن، وحدة الدم والأرض والتاريخ التى تأصلت فى نفوسهم، منذ أن فتح عمرو بن العاص مصر، وترك لأقباطها حرية الديانة والعقيدة، وتعهد لهم بالعيش فى أمان وسلام، تحت راية الإسلام، لا أكراه فى الدين أو ارغام على اعتناق الإسلام، بل كان الفتح الإسلامى خلاصا لأقباط مصر من اضطهاد الرومان للمسيحيين، وأخذ الفاتحين على عاتقهم حماية المسيحيين، وحماية معتقداتهم وكنائسهم وأموالهم وأعراضهم، انطلاقا من عقيدتهم الإسلامية « لا إكراه فى الدين»، ولعل خير دليل على ذلك العهد الذى كتبه عمرو بن العاص عندما دخل مصر، وجاء فيه «بسم الله الرحمن الرحيم، هذا ما أعطى عمرو بن العاص أهل مصر من الأمان على أنفسهم وملتهم وأموالهم وكنائسهم» وقد حافظ عمرو بن العاص على العهد هو ومن جاءوا بعده من الخلفاء المسلمين لسنوات وسنوات.

وقد استمر المسلمون على عهدهم بحماية المسيحيين، وترك حرية العبادة لهم، ففى العصر الحديث حرص محمد على الكبير مؤسس مصر الحديثة على بث روح التسامح والمساواة بين جميع المصريين منذ توليه حكم مصر سنة 1805، مؤمنا بأن المسلم والقبطى كلاهما يسيتطيع أن يقدم للوطن سويا أحسن ما لديه، وحرص على المساواة بينهم فى الحقوق والواجبات، فعين أقباطا فى وظائف عليا، ومنحهم رتبة البكوية، بل اتخذ منهم مستشارين، وكان لسعة أفقه فى إزالة التمييز بين المسلمين والمسيحيين، أن الغى الزى الرسمى الذى مفروضا على الأقباط ارتداؤه حتى لا يفرق بينهم وبين المسلمين فى الشكل مع الغاء كافة القيود التى كانت تفرض عليهم لممارسة طقوسهم الدينية، وهو ما بث روح الطمأنينة والأمن بين المصريين، وأنهم جميعا سواء لا فرق بينهم، ومما يدل على سعة أفق محمد على الكبير، وأحد أسرار عظمته التى جعلت مصر فى عصر يعيش أبهى عصورها الذهبية فى النماء والازدهار .

هكذا ظل أقباط مصر فى حماية المسلمين يعيشون فى أمان بلا خوف على أموالهم وأعراضهم أو من ممارسة طقوس عقيدتهم، وهو ما ساعد على مر السنوات فى ترسيخ هذا الشعور، شعور النسيج الواحد تتشابك خيوطه فى منظومة قوية يصعب تفكيكها، أساسها الحفاظ على حرية العقيدة الدينية، والمساواة التامة فى الحقوق والواجبات، دون تمييز، وهو ما أدى إلى تنامى دور المواطنين جميعا فى ثورة 1919، التى تجلت فيها مظاهر الوحدة الوطنية فى أبهى صورها، حيث خرجت المظاهرات الشعبية تجوب شوارع مصر فى وجه عدو واحد، هو الاحتلال الإنجليزى الذى حاول اتباع سياسة فرق تسد، رافعين شعار «يحيا الهلال مع الصليب»، ولأول مرة، وليظل مرفوعا منذ ذلك الحين ما يقرب من قرن من الزمان، حتى عاد مرة أخرى وبقوة بعد غياب سنوات يوم 25 يناير، عندما وقف المسلم والمسيحى وسط ميدان التحرير يطالب بالحرية والكرامة، لا فرق بينهم فى تلقى رصاص الغدر، وسقوط الشهداء حتى تحقق لهم ما أرادوا، وأخيرا تلك المسيرات للتأكيد على الوحدة الوطنية فى عدد من محافظات مصر، حمل فيها أبناؤها مسلميها وأقباطها اللافتات التى تشير إلى تعانق الهلال والصليب، عندما شعروا بالخطر على وحدتهم مرة أخرى، بل قاموا بأداء الصلاة كل حسب عقيدتهم، يحمون بعضهم البعض، حتى يعم السلام والمحبة بأكمله، مؤكدين أن فلول النظام السابق هو اليد الخفية وراء أحداث الفتنة الطائفية، التى أطلت بروسها مرة أخرى فى قرية أطفيح فى محاولة لاتباع تلك السياسة المتهالكة التى عفا عليها الزمان «فرق تسد» لكن المصريين أدركوا الفتنة بوعى وإدراك كاملين وتعهدوا على العمل سويا لمطاردة الفلوك الهاربة فى جحورها حتى لا تحاول أشعالها فى مكان آخر، فقد أعلن الشعب المصرى عن عزمه على المضى سوياً يدا واحدة، مسلم ومسيحى مؤكدين أن قوتهم فى وحدتهم، لايتنازلون عنها رغم أنف المتربصون والرافضين، وأن المسلمين والمسيحيين أخوة مترابطين يشربون من نفس النبع ويأكلون ثمرة واحدة، يرفعون شعارا واحداً «الدين لله والوطن للجميع».

المصدر: مجلة حواء- تهاني الصوابي

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,812,083

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز