فـــــى رمـــضـــــــــــــــــان

لوحات تشكيلية بتجليات وإشراقات الحرف العربى

كتب : صلاح بيصار

 كان الخط العربي من أكثر الفنون التي عرفتها الحضارات في العالم.. وهو الوحيد من بين فنون الشرق الذي لم يخضع لمؤثر أجنبي بطول التاريخ.. ويعد أحد الفنون الرفيعة .. تتنوع أشكاله أشبه بالموسيقي .. لكن موسيقي من النغم المرئي .. يعكس هذا التألق والاشراق الذي يفيض بسحر الكلمات.

ولاشك أنه طوال رحلته عبر القرون كان ملتقي حوار مستمر بين العلم والفن.. يعمق الوعي بهندسته ويرهف الإحساس بجمالياته ويرغم العين علي أن تتبع كل حرف من حروفه وكيفية تداخلها بعضها ببعض بما يغير مراكز اللوحة باستمرار فيخيل للمشاهد أنه يتحرك وهو ساكن وفي ذلك أحد خصائصه التشكيلية الرائعة

ورحلة الحروف والكلمات مع الخط العربي قام بها فنانون من كل بلاد الشرق الإسلامي .. وقد تألقت في مصر في مستويات عديدة من اللوحة الخطية إلي اللوحة الحروفية أو التشكيلية الحروفية والخط التصويري .

حروف وأنغام

بدءا من الفنان الخطاط عبدالعزيز الرفاعى الذى جاء من تركيا لكتابة المصحف الشريف بتكليف من الملك فؤاد .. وإلى كوكبة كبيرة من الخطاطين الكبار نذكر منهم الفنانين : سيد إبراهيم ومحمد إبراهيم وحسنى البابا والد الفنانة سعاد حسنى ومكاوى وأنور وزميلنا محمد العيسوى .. وقد توقفت رحلتهم برحيلهم عن عالمنا لكن مازالت بصمتهم عميقة فى اللوحة الخطية .. وإلى الفنان الكبير محمود إبراهيم والفنان حضير البورسعيدى .. والفنان حامد العويضى الذى رحل مبكرا .. تألق الخط العربى .. مع غيرهم من فنانينا فى هذا الاتجاه .. وازدان بالتوريق والتذهيب وانحنى فى رقة ووقف فى رشاقة .

ويعد الخط العربى المزين والمنمق فى لوحات اتجاه يجمع بين وضوح القراءة ومدلول الحرف.

وهناك اتجاه آخر فى الإبداع التشكيلى يعنى بالحرف كقيمة ومعنى ولغة بصرية يتحول فيها الحرف بطلاقة شديدة .. وينتقل من حالة تعبيرية إلى أخري .. ويلتف فى تكرارية وكل الهدف والغاية تلك المتعة البصرية .. متعة التشكيل وجمال التعبير .

الحرف لغة تشكيلية

وقد استحوذ على الفنان يوسف سيدة اهتمامه بالحروف العربية وقدم من خلالها تجارب عديدة تألقت فى لوحاته بصورة تجريدية وكانت رسالته للحصول على درجة الدكتوراه من جامعة أوهايو بأمريكا عام 1961 حول الكتابة العربية وعلاقتها التشكيلية وقد اثبت فيها بالنظرية والتطبيق أن الكلمة العربية المكتوبة عليها دور كبير فى خلق ثقافة تشكيلية جديدة عن طريق بناء أشكال فنية تتداخل فيها الحروف الهجائية بين الخطوط والألوان.

ولأن الحرف العربى يمتلك مكانة روحية بما يحمل من امكانيات التشكيل والتطويع فهو يسمو ويبتهل ويهتف ويتضرع تبعا للحالة التعبيرية .. فقد تجسد فى أعمال الفنان أحمد مصطفى بتلك اللوحات التى ذاع صيتها فى الغرب خاصة المملكة المتحدة وهى لوحات موزعة بالمتاحف هناك .. وهو هنا يقدم روح الحرف فى مزيج تشكيلى ينتقل من حالة صوفية بصرية إلى حالة أخرى وقد ساهم فى ذلك دراساته الفنية الاكاديمية وفى نفس الوقت اجادته للخط العربى ووعيه الشديد بالقيمة البصرية للحرف .. وليس أجمل من لوحته «الإسراء والمعراج» التى يمتزج فيها البنفسجى مع الأزرق والكحلى فى ألوان طيفية .. وأيضا تشكيله التعبيرى «هلال رمضان» والذى يمتزج فيه الايقاع الهندسى فى تشكيل يتدرج كالسلم الموسيقى فى كتلتين مع هذا القمر الذى يبدو معلقا فى الأفق فى هلال شاعرى نحيف .

ومع الفنان أحمد ماهر رائف الذى انتقل من التشخيص إلى التشكيل بالحرف العربى .. نطل على مساحة أخرى تهتف بسحر الحرف والكلمات .

البسملة

ويعد الفنان محمد طه حسين أحد الرواد البارزين فى اللوحة الحروفية وقد أضاف فى لوحاته أبعادا وأعماقا روحية جديدة فى هذا الاتجاه كما فى مجموعه لوحاته «البسملة» والتى تتميز بتلك الحيوية الشديدة والحس الصوفى وجمع فيها بين الايقاع الهندسـى والغنـائية التعبيرية.

فى احدى اللوحات نطل على مساحة جريئة تتألق بالغناء بهيئة حرف «T» وعلى الجانبين مساحتين بدنيا من النقوش وتنساب الحروف فى الجزء العلوى بحالة روحية لا تنتهى حيث يستدير الحرف ويتصاعد ويهبط ويعلو فى رشاقة بين الحركة والسكون وبين الاستقامة الرأسية والانحناءات الأفقية ومع أناقة التشكيل نطل على ثنائية لونية من الأبيض والأسود .. وثلاثية أخرى تتألق بالأحمر والأسود والأبيض.

ومن الجيل الجديد من فنانينا فى لوحة الحروف والكلمات الفنان عزت عبدالعليم .. والذى خرج بنا إلى اتجاه آخر جديد .. يطلق عليه الخط التصويرى وهو يقول : فى أعمال لا أقدم الحرف العربى على أنه مفردة لغوية للأداء التدوينى.

ولكن نظرت إليه على أنه مفردة تشكيلية يحتوى على ما تحتويه العناصر والمفردات التشكيلية الأخرى من سمات فنية .. فالخط العربى كما أراه يحوى شكلا متميزا علينا مطواعا قادرا على التواصل والتفاعل مع غيره من العناصر التشكيلية.

وقد تألقت أعماله فى صروح تشكيلية انتقلت بالحرف إلى كيانات أخرى جديدة تميزت بقوة البناء والحوار بين الخطوط الدائرية والمستقيمة مثلما نرى فى لوحة «الله الصمد» وهنا يطل الحرف فى ثبات على خلفية حمراء تتداخل مع لمسات من الأزرق والأصفر .. مع دائرة بيضاء تعكس للنور بمثابة الشمس أو القمر المكتمل.

وأيضا تشكيله «علم الإنسان ما لم يعلم» بخط أزرق وفى الخلفية دائرة بيضاء صغيرة .. وهنا تهتف الحروف والكلمات فى ضراعة وابتهال .. وفى قوة واعتداد .. إنه الحرف العربى الذى يوحى بالمعانى مع جمال التشكيل.

والفنان عزت يمزج بين الحرف العربى فى ايقاعات مقروءة وبين التصوير التجريدى وهو هنا يحقق إضافة جمالية فى منظومة الخط العربى والحروفية التشكيلية .

تحية إلى تلك المعزوفات البصرية التى قدمها فنانونا فى تنوع وثراء