أليس من حقى أن أعيش (2)

كتبت :سكينة السادات

حكيت لك الأسبوع الماضى نصف حكاية قارئتى السيدة مجيدة وهى سيدة جميلة فارعة فى الرابعة والخمسين من العمر محجبة ترتدى جلبابا حريريا ثمينا أسود اللون أيضا ولها ملامح جميلة وحديثها ينبىء عن شخصية قوية واثقة وحكت لى كيف أنها تركت الدراسة فى معهد الخدمة الاجتماعية فى السنة الثانية دون أن تكمل دراستها عندما رأت أسرتها أن الزواج قد آن أوانه رغم أنها كانت فقط فى الثانية عشرة من عمرها وكان العرسان كثراً وأهمهم ضابط مهندس وسيم ومحترم نجل أعز صديقات والدتها وكان لطيفا دمثا وبالنسبة للوضع المالى كان يمتلك شقة فى مدينة جديدة تبعد عن القاهرة عدة كيلو مترات لكنها كانت مدينة راقية وجميلة!

وقالت السيدة مجيدة انه خلال ثلاثة شهور كانت شقة الزوجية قد جهزت بأجمل الأثاث والفرش وكانت (الخياطة) الخاصة بالأسرة قد طرزت لها أجمل الأزياء وقمصان النوم وكان كل شىء يتم فى حب وفرحة وسعادة وتم الزواج وتمت السعادة المطلقة التى لم يفسدها بعض الشىء سوى تأخر الحمل وقال الأطباء أن العيب من مجيدة التى كانت تعانى من ضعف فى التبويض ثم بعد عام آخر حملت فى وليدها الوحيد الذى قالت عنه أنه مثل «فلقة القمر» !

وتقول مجيدة انه كان من أبناء السعادة فقد تفوق حتى دخل كلية الطب وتخرج وسافر إلى إنجلترا وحاز شهادة الزمالة فى طب التخاطب وكان جديدا فى مصر وهو طب إعانة المريض على النطق الصحيح سواء كان طفلا أم كبيرا وتقول إنه حاز شهرة كبيرة فى مصر وأنه اختار إحدى زميلاته من أسرة طيبة وتزوجها بين فرحة الأهل لكن الأقدار أبت إلا أن تدير ظهرها لها فإن السعادة لا تدوم لأحد وكانت مأساة حياتها !!

 

 

وتستطرد السيدة مجيدة .. مات زوجى حبيب العمر بسكتة قلبية مفاجئة وهو يمارس عمله فى بناء إحدى منشآت الجيش وجاءوا به جثة هامدة وتبدلت حياتى السعيدة إلى حياة تعيسة وحيدة وحائرة وضائعة ! فلم أكن أعرف أى شىء عن أية تعاملات خارج بيتى إلا من خلاله هو وكنت فعلا لا أعرف سوى رعاية بيتى وزوجى وأسرتى فقط وادخال السرور إليهم وطهى الطعام لهم بيدى كما كانت تفعل أمى ووجدت الناس لا يرحمون الضعيف أو التائه أو الضائع مثلى وكان ابنى الوحيد «محمد» قد سافر إلى الخارج هو وزوجته وأولاده للعمل فى أكبر مستشفيات اسكتلندا وكانوا شبه مستقرين هناك حيث كان قد أنجب ولدا وبنتا وأخذوا جميعاً الجنسية وكان دائما يحدثنى تليفونيا ويقول لى خلاص يا ماما .. قربت آجى مصر ومر على كلامه هذا معى أكثر من عشر سنوات وهو يجىء فقط فى زيارات متقطعة ويقول لى كل مرة .. خلاص يا ماما .. دى آخر سنة ولازم أرجع تانى !!

وقتلتنى الوحدة والملل والضجر، والبيت كبير وأنا وحدى ولا أحد يتصل بى إلا إذا كان يريد منى شيئا وأصبحت لا أطهو أى طعام فلم أقف وأطبخ ؟ لى أنا وحدى؟ أكتفى بالطعام الجاف مثل الجبن واللانشون وأحيانا (أقلى بيضتين) ولا أقف فى المطبخ لكى أطهو لنفسى فقط.

ثم كانت زيارة مفاجئة فى ابن خالتى وكان أحد العرسان الذين تقدموا لخطبتى قبل زواجى ولم يحدث نصيب إذ فضل والدى أن أتزوج ابن صديقه الذى كان أكثر ثراء ووسامة وجاء ابن خالتى لزيارتى هو وابنته الوحيدة المتزوجة وقالت لى ابنته .

يا تانت انتى عايشة لوحدك وبابا عايش لوحده بعد وفاة الوالدة وأنا متجوزة بعيدة عنه وإنتو الاثنين لسه شباب (ما عديتوش الستين سنة) فكرى كده لماذا لا تتزوجان وتؤنسان وحشه بعضكما البعض حتى لا تقتلكما الوحدة؟

واستنكرت ما قالته ابنة ابن خالتى وقلت لها .. يا حبيبتى خلاص بقى العمر ما بقاش فيه؟ وقال هو لا تصادرى على مشيئة الله سبحانه وتعالى فربما نعيش حتى الثمانين !

ونظل فى هذه الوحدة التى تقتلنى وتقتلك .

 

 

 

تقول السيدة مجيدة .. فعلا يا سيدتى تقتلنى الوحدة وأخاف أن أجن وحامد ابن خالتى ليس غريبا عنى ولا طامعا فى شيء فهو أغنى عشرات المرات .. هل أتزوجه وآخذه أنيسا وونيسا أم تقوم على القيامة ويقولون شوفوا الولية الكبارة المجنونة عاوزة تتجوز ؟

 

 

بعد أن تقنعى ابنك الذى هو إنسان متحضر ولن يمانع فى أن يكون إلى جانبك إنسان يعينك ويخاف عليك تزوجى على سنة الله واعلمى أن الناس لا يبطلون الكلام فى الفاضى والمليان !

والله يوفقك بإذن الله .

المصدر: مجلة حواء -سكينة السادات
  • Currently 19/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
6 تصويتات / 569 مشاهدة
نشرت فى 13 أكتوبر 2011 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,702,623

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز