.. والناس يصرخون:
حال رغيف العيش «يغم»
كتبت :سماحو موسي
غريب أمر الشعب المصري، فدائماً ما «يرضي بالهم»، والهم لا يرضي به علي الإطلاق. هذا المثل الشعبي ينطبق علي كثير من أمور المصرين مثلاً «رغيف الخبز» وهنا نتحدث عن الخبز المدعم. طوابير طويلة تنتظره. ناس تعيش وناس تموت والرغيف علي حاله لا يتحسن، وكيف يتحسن وهناك من يكسب من ورائه الكثير، وكلنا نعرف السوق السوداء وما يحدث بها.
المصريون يعانون يوميا للحصول علي لقيمات تسد جوعهم، والرغيف في حالة يرثي لها، ورغم ذلك إذا حصلت أسرة علي عشرة أو عشرين رغيفاً فقد ظفرت بالكثير. هذا الكثير يحتوي علي مسامير، حشرات، وأخشاب. لكنهم كما ذكرت دائماً راضون، ولكن ما يحدث في المخابز وفي السوق السوداء حدث ولا حرج.
ومع الطوابير وأصحاب المخابز ونشطاء السوق السوداء كان هذا التحقيق..
البداية مع معاناة المواطنين وشكواهم من رغيف الخبز، تقول «ماجدة أحمد - ربة منزل وأم لستة أطفال -» ما يضايقنى هو الانتظار أمام المخبز لكى أحصل على «8 أرغفة».
وتضيف على الرغم من أننى مشتركة شهرياً بحيث تصلنى حصة الخبز إلى المنزل لكن لم يحضره لى أحد منذ فترة فاضطررت للذهاب إلى المخبز لإحضاره بنفسى وعانيت الأمرين فى الطابور، بجانب أن الخبز اختلف اليوم عن زمان حيث كان حجمه كبيراً وشكله أفضل، والآن نحصل عليه وهو محروق وأحيانا نيئاً ومليئاً بالزلط والرمل وأعقاب السجائر».
أما سميرة محمد محمد - موظفة - فتقول «أصابتنى صدمة شديدة عندما تصادف ودخلت فى إحدى المرات المخبز من الداخل، فوجدت أن العاملين به يضعون الدقيق فى حلل غير نظيفة، ويغسلون أيديهم المتسخة فى نفس الحلل التى يضعون فيها الدقيق، فبعد أن كنت أحصل عليه لكى آكله أنا وأولادى أصبحت أشتريه لاستخدامه فى إطعام الطيور».
وعندما سألت أحد المواطنين عن مشكلة أصحاب المخابز ووزارة التضامن على زيادة الدعم حتى يتلاءم مع زيادة تكلفة الإنتاج، قال محمد محيى - محاسب ليس من حق أصحاب المخابز الحصول على أى زيادة من وزارة التضامن، لأننى شاهدت بعينى أصحاب المخابز وهم يبيعون الدقيق فى السوق السوداء أضعافاً مضاعفة مما يحصلون عليه من وزارة التضامن، فأنا أعلم أن الوزارة تعطيهم شوال الدقيق الواحد بثمانى جنيهات، فيقومون ببيعه بثمانين جنيها، لذا لابد من مراقبة مستمرة من الحكومة على أصحاب المخابز حتى لا يتم سرقة الدقيق، لأن ذلك يؤثر على حجم رغيف الخبز الذى نحصل عليه كمواطنين.
أما محمد عباس فيؤكد أن أصحاب المخابز يتعمدون إذلال المواطنين وسرقة حقوقهم فى الحصول على رغيف العيش ويضيف: إنهم يقومون ببيع الخبز المدعم من الدولة إلى المطاعم والكافيتريات ويفاضلون بين الناس أثناء التوزيع بل ونتعرض - أحياناً - للضرب والإهانة والسباب نتيجة التزاحم فى الطابور ولا يفرقون فى ذلك بين طفل أو شاب أو كهل أو امرأة عجوز أو مريض أو معاق.
ويشير أحمد صابر -مدرس- إلى غياب الرقابة الدائمة على مراحل صناعة الخبز وعدد الأرغفة المفترض بكل مخبز أن يطرحها فى السوق واقترح إنشاء آلية شعبية لتكون حلقة وصل بين الوزارة والأحياء حتى نقطع الطريق على مفتشى التموين أصحاب الضمائر المنعدمة الذين يساعدون فى إفساد أصحاب المخابز والتستر على مساوئهم.
غياب الرقابة
على عبدالنعيم صاحب أحد المخابز يقول : نعانى من زيادة تكلفة الإنتاج التى يدخل ضمنها أجرة العاملين بالمخبز، فتصل الحصيلة الإجمالية منها «550 جنيهاً يومياً» بعد خصم أجور العاملين بالمخبز، فأضطر أن أبيع الدقيق فى السوق السوداء حتى أدفع أجرة هؤلاء بعد أن حاولت زيادة الدعم المقدم مع وزارة التموين والتضامن، وإلغاء الغرامات المالية الظالمة التى فرضتها مديرية التموين علينا دون وجه حق، والتى تبدأ من «3000 جنيه لتصل إلى 70 ألف جنيهاً التى يقررها علينا بعض مفتشى التموين عديمى الضمير، ورغم هذه المعاناة لم أهدد بوقف العمل أو زيادة سعر رغيف الخبز لأن الضرر سيقع على المواطن المصرى الذى لا ذنب له.
وعن رداءة مستوى رغيف الخبز يقول عبدالنعيم: السبب عدم وجود رقابة على المطاحن التى تورد لنا الدقيق السيئ غير المطحون بشكل كامل، والمليء بالمسامير والزلط وأعقاب السجائر والرمل، وهذا ينعكس على جودة المنتج النهائى للمخابز.
ويلفت صبرى حسين - صاحب مخبز - النظر إلى أن هناك عقبة تقف أمام صاحب مخبز يريد الربح من مشروع. وهى أننا نحصل على شوال الدقيق المدعم من الوزارة بـ «65 جنيها» فى حين أنه يباع خارج الوزارة بـ «83 جنيها»، فنجد الفارق «22 جنيهاً»، وكصاحب مهنة ورثتها عن آبائى وأجدادى وليس كمستثمر أبحث عن الربح ،وهذا الفارق، أتحمله وحدى كصاحب مخبز حتى أستطيع تقديم منتج جيد.
العاملون فى المخابز
وبعد أن تحدثنا مع أصحاب المخابز وعرفنا طبيعة مشكلتهم، توجهنا من داخل المخبز إلى العاملين به لنتعرف على رأيهم فى رغيف الخبز ومعوقات الحصول على رغيف جيد. «سيد عبدالحكيم» فران يقول: «إذا كان المواطن يشتكى من سوء الخبز ففى الغالب ترجع رداءة الرغيف إلى مراحل إنتاجه والسرعة فى إنجازها، فلا تأخذ الوقت اللازم لتتم بالشكل والوقت المطلوبين، فقصر مدة «التخمير» مثلاً تؤدى إلى إفساد مرحلة الخبز هذا غير سوء جودة الدقيق الوارد للمخابز.
أما «عبده مرسي» «عجان» فيطالب بحقوقه فى التعيين وما يترتب عليه من تأمين ومعاش يقول: أحصل على 50 جنيهاً يومياً ينفق منها على أسرته المكونة من أربعة أفراد بالإضافة إلى نفقات علاجه وأسرته التى يتحملها بالتكامل ولا يجد أى دعم من أى جهة.
المطاحن تنفي
وينفى إبراهيم عوض بمطحن «الرمالي» مسئولية المطاحن عن سوء ورداءة الدقيق، وأن يكون ما يراه المواطن من مخلفات صلبة له علاقة بمسألة الطحن، حيث يتم غسل القمح جيداً ثم طحنه عن طريق أحدث الماكينات داخل المطحن وليخرج الدقيق نظيفاً.
وأرجع هذا الأمر إلى خلط الدقيق بأرضية المخبز نفسه وما فيها من رمل وزلط وأعقاب سجائر.
من المسئول؟
واستمراراً فى البحث عن الحقيقة الغائبة والمسئولية المتأرجحة من بين أصحاب المخابز ووزارة التضامن، توجهنا إلى عبدالله غراب المسئول عن الشعبة العامة للمخابز بالغرفة التجارية، الذى أكد بدوره تجاهل وزير التضامن الاجتماعى لمشكلة أصحاب المخابز بشأن زيادة الدعم الحكومى ليواكب تكلفة الإنتاج والغرامات المالية مما زاد الخلاف بين الوزارة وصناع الخبز، وتهديد أصحاب المخابز بالإضراب ووقف العمل الذى لم يحدث، لكننا نطالب بحقنا فى وضع آلية جديدة تتناسب مع الأسعار الحالية بدلاً من اللائحة التى تم وضعها منذ 2006م ولم تتغير إلى الآن.
سمن على عسل
ولأن وزارة التضامن الاجتماعى وضعت موضع اتهام، كان لابد أن نستمع لآراء المسئولين بها لتحديد من المسئول عن هذه المهزلة.
يؤكد «فتحى عبدالعزيز» المسئول عن المخابز ورئيس قطاع التوزيع والرقابة ووكيل وزاة التضامن الاجتماعى، أن علاقة أصحاب المخابز بالوزارة بأنها «سمن على عسل»، مكذباً ما نشرته وسائل الإعلام وما أكده لنا بعض أصحاب المخابز أنفسهم وقال «إن كل ما تردد عار تماماً عن الصحة، وما هى سوى شائعات يتم ترويجها».
ولكن كلماته القصيرة الحاسمة لا تنفى مسئولية الوزارة عن ما يعانيه المواطن، فالرقابة ضرورة وإن لم يراع أصحاب المخابز ضمائرهم فى تصنيع رغيف الخبز فلابد من الرقابة الصارمة والتجريم من قبل الوزارة، وإلا لا داعى للدعم لأنه - وبحق - لا يصل لمستحقيه، فالرغيف لا يذهب للبطون ولكن للطيور. وفى النهاية يظل المواطن هو الضحية. فإلى متى؟!
حماية المستهلك
فكما بدأنا بشكوى المواطن من سوء صناعة الخبز تنتهى بسؤال المسئول عن حماية المواطن حيث تقول سعاد الدين رئيس الجمعية الإعلامية للتنمية وحماية المستهلك نائب رئيس الاتحاد العربى للمستهلك عن وضع رغيف الخبز.
لابد من إعادة النظر فى منظومة الخبز سواء المتعلقة بالقمع أو المطاحن أو المخابز أو المستهلك نفسه أو ترشيد استهلاكه، فمصر من أكثر بلاد العالم استهلاكاً لرغيف الخبز، حيث يستهلك الفرد الواحد 180 كيلو جراماً من القمح فى العام فهذه نسبة عالية جداً لذا لابد أن أوجه دعوة للاكتفاء الذاتى من القمح بزيادة نسبة الأراضى المزروعة، وتقليل الفاقد فى الكميات الموجودة حالياً.
ساحة النقاش