اركب .. اتشعلق
.. اتبهدل :
يا مواصلاتك يا مصر !!
كتبت :نجلاء ابو زيد
«سمك .. لبن .. تمر هندى» .. هذه حال المواصلات فى مصر، فمن التوك توك لتاكسى العاصمة مسافة طويلة تملؤها أتوبيسات أشكال وألوان، ومينى باصات خاصة وعامة، وميكروباصات وتاكسيات أبيض وأسود، وبالرغم من كل هذه الأنواع إلا أن الحصول على وسيلة انتقال آمنة وآدمية حلم يصعب تحقيقه، فالمواصلات العامة والخاصة أحد أدوات تعذيب المواطن المصرى يومياً، ولرصد المشكلة بدقة قمنا بعمل رحلة داخل العديد من وسائل النقل لنستمع لمستخدميها وأزمتهم آزائهم لحل المشكلة اليومية التى أصبحت كابوساً فى حياة المصريين >>
عن ذلك تحدث أ. مجدى حسن مسئول مبيعات قائلاً: أسكن فى شبرا الخيمة وأعمل بأحد المولات بمدينة نصر، ورحلة الوصول للعمل والعودة منه هى أسوأ شىء فى حياتى، لأن الأتوبيس الذى يمكن أن ينقلنى من بيتى إلى عملى لا يأتى إلا على فترات متباعدة، وإذا أتى يكون مزدحماً بشكل غير آدمى فأضطر إلى أخذ الميكروباص ،وده حكاية ثانية فالميكروباصات وقت ذهاب الموظفين ووقت عودتهم تقطع المسافات وطبعاً الأجرة مضاعفة، ولا أحد يهتم ،أشعر بمرارة كل يوم وأنا نازل من البيت وأنا راجع، نفسى أقدر أركب تاكسى وأوصل وهدومى مكوية !!
وقال مهدى صلاح - موظف إن ما يحدث لنا فى المواصلات يومياً مهزلة، فأنا دخلى بسيط ولا أستطيع ركوب تاكسى أبداِ إلا فى المناسبات !
والميكروباص بالنسبة لى رفاهية، الأتوبيس هو وسيلتى الأولى والأخيرة وأنتظره حتى يأتى، لكن المشكلة إن السائقين «باردين» يعتبرونه «تكية» يقف على جنب ليشترى سجائر أو عيش من الفرن وإذا اعترض أحد قال له مش عاجبك انزل خد تاكسى.
البهدلة
وترى شيرين طلعت - رابعة آداب عين شمس- أن المواصلات فى مصر مشكلة أذلية وزادت صعوبتها مع اعتصام سائقى النقل العام، فخلال هذه الفترة كنت أتردد على الجامعة لإنهاء بعض الإجراءات وبالرغم من أننى أعتمد على الميكروباصات، واعتقدت أننى لن أتأثر بأزمة الأتوبيسات، إلا أننى فوجئت بأن الناس كلها بتتبهدل، وسائقى الميكروباصات يرفعون الأجرة ولا أحد يناقشهم، وإذا تشاجروا مع راكب أجبروه على النزول وأهانوه ولا أحد يقف معه خوفاً من أن يتم إنزاله.
المنسى
«المواصلات كلها كوم والتوك توك كوم ثانى منه لله إللى دخله مصر وبهدلنا» ،هكذا بدأت السيدة سعاد محمد - موظفة حديثها وقالت: أسكن فى منطقة المرج وعملى بوسط البلد وأعتمد بشكل أساسى على المترو والذى رحمنا من بهدلة الأتوبيسات ،لكن المسافة من البيت للمترو كبيرة نسبيبا ،وكنا نعتمد فيها على الميكروباص أو التاكسى المشترك حتى ظهر التوك توك وسيطر على الوضع ،وللأسف أضطر لركوبه رغم أن أطفالاً هم من يقودونه ،وأكثر من مرة أتعرض للأصابة أثناء ركوبى لكن لا بديل ،وأصل عملى وأنا مستهلكه وكل ما يشغلنى ماذا سيحدث فى رحلة عودتى للبيت؟ وهل سأصل بالسلامة أم سأصاب فى التوك توك؟
كانت هذه بعض نماذج معاناة المصريين مع المواصلات بأنواعها الخاصة والعامة ولمعرفة أثر ذلك عليهم ودور الدولة فى حمايتهم ،وتوفير وسيلة انتقال آدامية لمواطنيها تحدثنا مع المتخصصين.
د. حمدى عبدالعظيم العميد السابق لأكاديمية السادات وأستاذ الاقتصاد عن العلاقة بين الوضع الاقتصادى للدولة والفرد وأزمة المواصلات قال إن أزمة المواصلات فى مصر ترتبط إلى حد كبير بسوء الإدارة ،وعدم قدرة الدولة على تنظيم هذا القطاع بشقية العام والخاص وتعتبر هذه المشكلة من مشكلاتنا المزمنة قبل وبعد الثورة ،لكن زاد الإحساس بها مع اعتصام سائقى النقل العام وبلطجة أصحاب الميكروباصات مع اختفاء الشرطة وعدم قيامها بدورها فى رصد المخالفات.
ساهم ارتفاع معدل البطالة عقب الثورة إلى زيادة المشكلة لأن أفراد الأسرة يقتسمون دخل الأب ،وهذا الاقتسام يقلل نصيب الفرد من إجمالى دخل الأسرة ،وعادة يأتى الأهل على أنفسهم لصالح أبنائهم ،فيقف الأب على محطة الأتوبيس ساعات ليتمكن ابنه من ركوب الميكروباص أو تاكسى. وأضاف أنه كلما كان دخل الفرد مرتفعاً قل إحساسه بالأزمة لأنه يستطيع اللجوء لبدائل.
خدمة الفرد
ويؤكد د. عبدالناصر جبل - أستاذ خدمة الفرد بكلية الخدمة الاجتماعية أن المجتمع المصرى يمر حاليا بمجموعة من المتغيرات ،فمع الانتفاضات المتتالية يحدث خلل فى القيم وتفكك فى الكثير من المبادئ والأخلاقيات ،ويظهر أصحاب النفوس الضعيفة والأستغلاليون، مما يزيد الأزمات التى يمر بها المجتمع خاصة مع ارتباط هذا بسوء وضعف الإدارة فالأزمات المختلفة هى مسئولية الدولة، وساهم المواطن فى اتساعها بسبب سلوكه غير المنظم، ففى المواصلات مثلاً لم يعتد الناس أن يقفوا طابوراً ليركب الذى جاء أولاً ثم من يليه لكن اعتادوا الهجوم على الميكروباص مما يجعل السائق يعتبر الأمر «عرض وطلب» فيتحكم فيهم إما برفع الأجرة أو تقسيم المسافة. والمواطن للأسف يتحمل الاستغلال فى المواصلات بأنواعها حتى فى أجرة التاكسى لأنه يرى أن أجهزه الدولة مفككة وغير موجودة .
وهنا تظهر أهمية تفعيل دور الرقابة الشعبية لتساهم مع الدولة فى مسألة تنظيم استخدام المواصلات ،وعلى كل جمعية فى حى ما أو منطقة أن يكون لها دور فى مواقف الركوب المختلفة ،وأن يعطيها الجهاز الرسمى للدولة سلطة الإشراف وهذا ما يجب تحقيقه بعد الثورة عندما يتغير الفكر الأساسى للمسئوليين.
د. إسماعيل يوسف - أستاذ الطب النفسى جامعة قناة السويس يوضح لنا الأثر النفسى لما يعانيه المواطنون فى المواصلات على أدائهم لأعمالهم المختلفة قائلاً:ـ الإنسان عندما يخرج من بيته فى الصباح ويتعرض لمشكلة ما أو يدخل فى مشاجرة أو يعانى فى المواصلات حتى يصل لعمله تتولد عنده طاقة سلبية تجاه كل شىء ،والعكس صحيح إذا تعامل بشكل آدمى حتى وصوله لعمله ،فأنه ستتولد بداخله طاقة إيجابية . فالجميع يطلب ممن يؤدى خدمة لهم أن يعاملهم ببشاشة وحب ولا أحد يفكر فيما عاناه هذا الشخص والذى شئنا أم أبينا سينعكس على أدائه فى عمله. المشكلة أن هناك فجوة كبيرة بين الدولة والمواطنين، وهذه الإشكالية تزيد من معاناة المواطنين وتزيد من معدلات إصابتهم بالاكتئاب والإحباط وهنا يجب أن ننتبه إلى أن المعاناة متكررة مع المواصلات ،ومن أجل الحصول على رغيف أو علاج أو أنبوبة تخلق عنفاً داخلىاً عند الشخص إما يقضى به على نفسه فينتحر أو يصدره إلى الآخرين فيكون عدوانىاً فى كل سلوكياته.
لذا أرى أن المواطن يحتاج إعادة نظر من أجهزة الدولة وأن يكون هناك اهتمام بنفسيته وهذا ليس من الرفاهية لكن حتى نعيش فى مجتمع آمن .
ساحة النقاش