سجناء الانسانية 2

كتبت :سكينة السادات

حكيت لك الأسبوع الماضى حكاية قارئى علي (40سنة) الذى بدأ العمل فى مكتب مقاولات بشهادة دبلوم تجارة «شرب الصنعه» تماما كما قال لى وصار هو الكل فى الكل فى المزايدات والمناقصات وهو الذى يحاسب ويجمع الفواتير ويراقب العمال ويلاحظ سير العمل بدقة ثم تقدم بأوراقه للجامعة وانتسب أربعة سنوات وحصل على بكالوريوس التجارة بامتياز.

ولم تكن المرأة قد دخلت حياته، فلم يكن لديه وقت للحب والغرام إذ كان له سبعة أشقاء وشقيقات وهو كبيرهم وكان والده يعتمد عليه اعتمادا كاملا فى دفع مصاريف الطعام والشراب والكساء والدروس الخصوصية لإخوته فقد كان راتب والده بسيطا يكاد لا يكفى الخبز الحاف، وكانت أسعار الكهرباء والغاز والتليفونات قد تضاعفت كما أن أصحاب البيوت القديمة قد قاموا بالاتفاق مع السكان بدفع القيمة الإيجارية وديا التى هى من حقهم فعلا فظهر الغلاء الفاحش على كل الناس بدون تمييز.

وقال قارئى على، إن وضعه فى المكتب لم يتغير بعد أن حصل على الشهادة الجامعية فقد كان يدفع راتبه الكبير الذى يتقاضاه من صاحب المكتب الحاج عبد المقصود لوالده ووالدته كل أول شهر وكان يأخذ مصروفه من أمه عندما يحتاج لأى فلوس، فهو لايدخن ولا يستقل مواصلات إذ أن سيارة المكتب تمر عليه كل صباح فى السابعة صباحاً ويظل فى المكتب حتى الحادية عشرة مساء كل يوم.

وظل الحال علي ما هو عليه حتى مرض الحاج عبد المقصود وصار يتردد على المنصورة بالمركز الطبى لإجراء غسيل الكلى وكانت صحته تتدهور وكان الحاج عبد المقصود أبا لطبيب هاجر إلى أسكتلندا وأقام بها، وضابط متزوج يعيش بعيداً عن والده وله ابنة واحدة هى آيات التى تزوجت وطلقت بعد شهرين من زواجها إذ اكتشفت أن زوجها مريض نفسى كان يضربها ضربا مبرحا ثم يجلس بجوارها وذات مرة كاد يقتلها يومها فرت من البيت وطلبت الطلاق وعندما حاول والدها إصلاح ذات البين بينهما حكت له ما كانت تخفيه عنه ومحاولاته قبلها، وطلقت آيات من زوجها وعادت إلى بيت والدها وكانت جميلة وربة بيت ممتازة لكنها عصبية وخلقه دائما!

وقال قارئى «علي» إنه فوجئ بالحاج عبد المقصود يطلب منه أن يتزوج ابنته آيات حتى يستريح قبل أن يموت فقال له «علي» إنه لا يعرف هل تقبل به زوجا أم لا؟

 

ويستطرد قارئى .. رد على الحاج عبد المقصود ولى نعمتى الذى فى مقام والدى وأكثر وقال إنها لم ترفضنى وأن علىّ أن أخطر أهلى وفعلا كلمت والدتى فى الموضوع وفوجئت باعتراضها لكونها مطلقة وعندما شرحت لها ما جرى من زوجها وأنها تزوجت شهرين فقط وأنها جميلة وربة بيت وأننى أحاول رد جميل ولى نعمتى الحاج عبد المقصود سكتت ولم تتكلم ،

أما أبى فقد خرج وقال... على بركة الله!

  

وتزوجت آيات ابنة ولى نعمتى وأقمت فى بيت حماى وحماتى كما طلب منى الحاج وكانت ولا تزال ربة بيت وأماً فاضلة ومحترمة وشريفة وكل ما يمكن أن يقال عن زوجة مثالية رغم عصبيتها الشديدة وتدقيقها فى كل صغيرة وكبيرة، المهم أننى نعمت بالحياة الزوجية وكان ذلك فى حياة والدها ووالدتها. رزقت بأربعة أطفال مثل القمر ثم بدأ التغير بعد ما توفى الحاج عبد المقصود وكان قد عهد إلى بالمكتب والعمل كله على شرط أن أحتفظ لآيات وإخوتها وأمها بحقهم فى صافى الأرباح على اعتبار أنهم أصحاب رأس المال وفعلا كنت أفعل ذلك وأضع نصيب كل واحد منهم فى البنك باسمه وأخطرهم بذلك!

  

ويستطرد «على»... ثم ماتت حماتى وبدأ التغير فى حياة زوجتى ومثل ما يقولون (كانت فى جرة وخرجت لبرة) بدأت تهتم بنفسها وتذهب إلى الكوافير كل يومين أو ثلاثة وتعرفت على شلة صديقات من النادى يدخن السجائر ويضحكن بصوت عال وبدأت تسىء معاملتى وتهملنى وتهمل الأطفال الذين كانت ترعاهم بنفسها وطلبت منى أن أستأجر دادة أجنبية فلبيت لها طلبها وبدأت أعانى من العصبية وطولة اللسان كلما سألتها عن أسباب تأخيرها خارج البيت وأقل ما كانت تقوله لى..

أوعى تحاول ترفع عينك على أسيادك إنت كنت «حيا الله» سكرتير عند بابا.. ماتنساش روحك!

ويبكى قارئى على ويقول كنت أرد عليها قائلا.

- بس أنا دلوقتى جوزك وأبو أولادك وماليش حد فى الدنيا غيٍرك ووالدك ووالدتك موصِّينى عليك وهي دى وصيتهم الكبيرة لى.

وكانت ترد قائلة..

أنا مش صغيرة علشان حد يتوصى على!!

  

وبكى «علِي» ويقول... أعمل إيه ياسيدتى لا أستطيع أن أرفض لها طلباً ولا أستطيع أن أقسو عليها وعندما تخرج مع صديقاتها يبكى ابنى الصغير (عامين) ويقول لى... عاوز ماما أبقى باتقطع ومش عارف أعمل إيه أنا حاولت معاها كثير وحاول معاها أخواها وهما يحباننى ويحترماننى جدا ويراجعان حساباتهما ويقولان لو كان بابا موجود ما كانش يعمل اللى أنت بتعمله وأنا أراعى «عظم التربة» والرجل صاحب الفضل علىّ وعلى أسرتى ولكننى سجين الإنسانية، مكبل بجميل الرجل من ناحية وحتى لزوجتى وأولادى من ناحية أخرى فماذا أفعل؟

  

إلى السيدة آيات عبد المقصود أرجوك أن تعودى إلى بيتك وأولادك وزوجك المحب وأن تعرفى أن أولادك يحتاجونك أنت وليس الدادة الفلبينية وزوجك يحبك ولا تخسريه وتخسرى حياتك!

متعة الحياة فى دفء البيت وتوفيق الأولاد.

المصدر: مجلة حواء -سكينة السادات
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 572 مشاهدة
نشرت فى 22 ديسمبر 2011 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,820,948

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز