قلوب حائرة

ضحية «الشات»

كتبت :مروة لطفي

كانت الطفلة (....) تلميذة الإعدادى ، فى إحدى مدارس اللغات دائمة المرح مع زميلاتها فى المدرسة، تهتم بمظهرها ونظافتها الشخصية، فضلاً عن كونها تلميذة مجتهدة، لم تذق - لا قدر الله - طعم الفشل ولا الرسوب ، ولا حتى «ملحق».

كانت بكل المقاييس، تلميذة تعيش حياتها الطبيعية، دون تقصير ولا تفريط.. كان يدفعها مرحها لأن تقول أو تستمع إلى نكتة مهذبة، من - أو مع - زميلاتها . كانت تتحدث عن المستقبل بتفاؤل كبير، ولا تكف عن حديث الأمنيات، والأهداف المرجوة، بعد انتهاء الدراسة، كانت تتعجل الأيام والسنوات ، من أجل أن تطرق بوابة الجامعة، لتتعرف عن قرب على مستقبلها العملى - بعد اجتياز عنق الزجاجة كما يحلو للبعض أن يسميه ، كانت عنق الزجاجة بالنسبة لها - وبالنسبة لتلميذات وتلاميذ سنها هى : الثانوية العامة .. التى فيها يكرم المرء أو يهان - بحسب نظام التعليم الحالى - كانت أحلامها أن تصبح مذيعة تليفزيونية مشهورة ومرموقة.

كانت تود لو أصبحت فى يوم من الأيام ، صاحبة برنامج ضخم على إحدى الفضائيات، لتستضيف فيه شخصيات محلية وعالمية ، تساندها فى ذلك لغة أجنبية - أو لغتان - تتقنهما من تعليمها المتميز (المدفوع الثمن مقدما) .

(أحلامها) هى أحلام عشرات الآلاف من الفتيات الطموحات، التى تمتلىء بها مدارسنا ، وشوارعنا، وحوارينا، وأزقتنا ، فالحلم لا يفرق بين صغير وكبير ، قد تختلف فيه بعض التفاصيل بحسب السن والنوع، ودرجة العمق والوعى ، ولكنها أحلام اشتركنا فيها جميعاً، ثم جاء أبناؤنا وبناتنا ليتوارثوها عنا، طالما شربوا من نفس النهر، وأكلوا من نفس الوعاء.. رحت ألتهم الرسالة التهاما، وكانت أظنها عملا أدبيا من الخيال الفطرى البرىء لإحدى التلميذات.. ولكنى فوجئت برائحة وطعم الدموع فيما تبقى من سطور :

الفتاة الصغيرة كانت دائمة استخدام الكمبيوتر المنزلى ، والانترنت - وهو أمر طبيعى تماما لمن فى سنها ، إلى أن دخل عليها أحد أفراد أسرتها فى غرفتها بالمنزل ، ليكتشف أنها تتبادل الحديث مع ولد صغير - فيما ترجح زميلاتها - ويبدو أن التعنيف بلغ ذروته ، بدرجة لم تتحملها طفلة صغيرة، مرهفة الأحاسيس .. ويبدو أيضا - حسب رواية زميلات التلميذة - أن العقاب تنوع واشترك فيه أكثر من فرد فى العائلة .

الفتاة - الطفلة - لم تكن ترى أنها أخطأت ، حتى وإن كانت أخطأت، فالخطأ لم يكن جسيما ، فهى كانت تجرى (الشات) مع ولد صغير حول موضوعات عامة، وكانت تدخل على موقع المحادثة تحت اسم مستعار، ولم يخرج حديثهما عن حدود الأدب والذوق واللياقة .

ولكن كانت الفتاة الطفلة تمتلك من رهافة المشاعر، وبراءة الطفولة، ماجعلها تشعر بأن كبرياءها قد جرحت، وأن براءتها قد أغتيلت .

فأقدمت على قرار ، انتفضت له شخصيا .. حتى اختلطت دموعى بدموع زملائها على الورق .. انتحرت الطفلة، ابنة الثالثة عشرة عاما، انتحرت الوردة المتفتحة.. ألقت بنفسها من الطابق الرابع.. انتحرت ضحية الجهل، وانعدام الثقافة فى أصول التربية، وفنون التعامل مع الأبناء .

اهتز بدنى ، وارتعدت نفسى من صورة المأساة ..

وتستشيرنى زميلاتها : نحن لا نقوى على دخول الـ Class ، من دون أن تتشابك أيدينا فى يديها الناعمتين .. ماذا نفعل ؟

إلى هنا تركت الرسالة : دون أن أقوى على الرد ، والآن أتجرأ وأقول : ادعوا للراحلة .. فسوف تستمر الحياة بكل مافيها من تجارب مؤلمة 

المصدر: مجلة حواء -مروة لطفي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 565 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

23,017,228

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز