أسماء ملحمة مصرية شديدة الألم

كتبت :منال عثمان

هل تعرفون الطير الخطاف.. الذى يسمى فى الصين (الثاقب) ويطلقون عليه فى أمريكا (اللامحدود) وهنا تتباين المسميات.. مرة صقر ومرة نسر.. الذى يضع عينيه على شىء ويركز عليه وفجأة ينقض ليخطفه.. هذا ما شعرت به أمام «أسماء»

انقضت «أسماء» على قلبى وخطفته بل سحقته بين رحى عذاباتها التى جعلت كل العيون فى الظلام حولى تبرق فيها ومضات دموع ومن يتمسك بصلابته تحتل عيونه نظرة أسى صافحنا بها بعضنا ونحن فى طريقنا للمغادرة دون أن نعرف بعضا.. فما يجمعنا فقط «أسماء» هذه التى كابدنا معها شظف العيش ومعاناة وآلام مرض «الإيدز» القاسى وهو مرض سيىء السمعة ارتبط اسمه بموبقات الدنيا وفواحشها وعلى رأسها الشذوذ.. فيلم «أسماء» للمخرج عمرو سلامة هو فى حقيقة الأمر فيلم منزوع التفاهة والسطحية والجنوح بشدة نحو ضآلة الفكر السينمائى.. فهو فعلا يستحق أن يضحى صناعه من أجله بالكثير.. فعمرو سلامة أكد أنه حلمه المكتمل التكوين ولم يكن ينقصه إلا روعة التجسيد وإبداعه لكن ظروف مبدعيه أحيانا كانت تعاكسه فلمدة عامين كما ذكر السيناريست المنتج محمد حفظى ينوون أن يشرعوا فى تنفيذ حلم «سلامة» فتكون «هند صبرى» البطلة الشديدة التألق مثلا مرتبطة أو يكون (ماجد الكدوانى) الذى قام بدور المذيع التليفزيونى يصعب أن يتفرغ فى هذه الفترة فيكون القرار التأجيل.. وقد حدث أن توالت أعمال «هند» خاصة عندما قررت أن تتجه إلى التليفزيون.. فعرضوا على «عمرو سلامة» أن يأتوا ببطلة أخرى.. رفض فهو يرى «هند» فقط فى دور «أسماء» المصرية بل المصرية جدا من الطبقة الملتحمة بالعمق المصرى روحا وجسدا وإحساسا وألفاظا وتعبيرات وإيماءات وإيحاءات وابتسامات وحركات.. دهش من دهش.. يطلب كل هذا من تونسية!! لكن بعد أن شاهدنا الفيلم عرفنا أن الأمر عندما تكون «هند صبرى» فهى تستحق أن ينتظرها بل يقضى العمر ينتظرها حتى تتفرغ لتؤدى «أسماء» هذه المرأة التى تجاوزت سن الشباب وتصاب بالإيدز وتقهر وتدمى.. من النظرات والهمسات.. والانتظار الممل لإحدى العينات. الحياة التى تحولت من فقر فقط إلى فقر وعذاب واتهامات وكآبة وإحباط وتردى فى الحالة النفسية لا يمكن أن يتحمله بشر حتى إن والدها فنان مبدع اسمه (سيد رجب) لعلى آراه لثانى مرة فى عمل وتعجبت كثيرا لماذا فنان بهذه القدرات يظل كل هذا العمر دون أن يصنع مشوارا رائعا.. يواجهها فى لحظة فاصلة.

جندت (هند) كل ملكاتها لأداء هذا الدور.. لم تبخل بشىء لم تقبل بهفوة.. واجهتنا بعيون حية.. ثم عيون زجاجية تأسر وراءها كل مشاعر الحزن والعذاب، أدهشتنى مصريتها التى فوق التصور بمشيتها الواسعة الخطى هذه وهى تمسك ابنتها من ذراعها بنفس الطريقة التى تمسك بها أية مصرية ابنتها من ذراعها تغضب منها وتجرجرها فى الشارع.. والملابس والحجاب الذى يخص هذه المناطق الشعبية كشكل وهيئة.. مبدعة هند.. لا أعتقد أن أحداً يستطيع أن يعلم أحداً أن يكون مصريا لو كان غير ذلك.. إنه شىء فى شغاف الروح.. فى تكوين النفس.. وإبهار «هند» يكمن فى أنها كشفت الجوهر.. يعنى كل عربية أتت من أية دولة عربية وغزت الفن المصرى كانت مهما وصلت إلى أوصالنا- كانت هناك منطقة صعب أن تقفز إليها تخص مصريتنا قاع قاع مصريتنا.. نعطيها الحب والنجومية وكل شىء ونضعها على الرأس.. لكن تظل دائما ضيفة مرحب بها لا صاحبة بيت.. إلا «هند» لم تجاهرنا فى بدايتها بأنها تعرف عنا كل هذا.. أبرزته يمكن فى دور «يسرية» بنت شبرا فى (أحلى الأوقات) مع حنان ترك ومنة شلبى أو قليل منه.. ويجوز قليل آخر فى (بنات وسط البلد) مع منة أيضا.. لكن فى هذا الدور «أسماء» أبلغتنا الرسالة أنها تعرف عنا كل هذا وتعشقنا إلى هذا الحد وتكشف جوهرنا ودقائق مصريتنا لغة وروحا وأسلوباً وأهلية نفسية إلى هذه الدرجة.. يجوز اخترق إعجابى بحسن الأداء سواء لهند أو رفاقها كل حواجز القفز فى حلبة الكتابة الفنية.. لكن منذ حقبة طويلة لم تطالعنا السينما بفيلم بهذه الروعة.. فعلى الرغم من ماسأة الطرح وفحوى ما يقدم إلا أن بهاءه وسطوعه.. فى فكرته وإيمان نجومه وصانعيه وعلى رأسهم عمرو سلامة بأنه حان الوقت لنضع المصل فى قلب الجرح لنطهره.. فالأمراض القاسية من الأطروحات التى يصعب تقديمها فى سينما أصبح لها مساع وأهداف أخرى فى الفترة الأخيرة.. شجاعة ما بعدها شجاعة أن يقدم فيلم له هذه الصيغة وسط سينما - لا مؤاخذة - تهز وسطها أو كانت تفعل.. والغريب أن لا لحظة ملل أو كآبة احتلت نقطة احساس فينا.. أما هانى عادل الذى لعب دور الزوج كان ممتازا وماجد الكدوانى الذى حصد الجوائز مع عمرو سلامة كان صاحب أداء خاص وبطرس غالى ممثل كبير وأيضا أحمد كمال لا ننساه ونحن نغادر وكنا رفقة.. بيننا صديق صحفى.. قابلنا شاب مغربى فى بداية طريقه الفنى.. قال له وهو يصافحه:

-إذا وددت أن تكون مصريا اتصل بهند صبرى.

وحقيقى.. صدق.

المصدر: مجلة حواء -منال عثمان
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 640 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,817,849

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز