الحب اليوم .. مال ونفوذ

"ولي زمن الحب الجميل"

كتبت :سمر الدسوقي

ولي زمن كان الرجل يحب فيه المرأة لأنها تترقرق مشاعراً واحاسيساً نبيلة.. أو أن تحب أمرأة رجلاً لأنه يحمل قلباً شفافا رقيقاً، وشهامة ورجولة، أصبح الكل لا يبحث عن حب خالص، عشق خالص، بل يبحث عن النفوذ والسلطة والمال، لم يعد هناك وقت للمشاعر الصادقة للمودة والرحمة.

لم يعد معظم من حولنا يؤمنون بأن هناك من يضحى، من يسهر، من يتعذب قلبه من أجل حبيب، من يتذكر موقفاً نبيلاً لشخص، من يحمل مشاعراً رقيقة لآخر قد تدوم لسنوات طوال.. أصبح المال والمظاهر البراقة والنفوذ حاكمة آمرة ناهية حتى فى هذه العلاقة النبيلة الطاهرة، لم يعد هناك حب حقيقى، أو انتظار وقلق ولهفة وحنان وشغف وترقب، بات الأمر أكثر بساطة من هذا، فما أن يختفى بطل، حتى يبدأ البحث عن بطل آخر لقصة أخرى، على أن يكون مستعداً ماديا، فهل فقد كيوبيد سهامه؟

قمنا بجولة سريعة بين الفتيات والشباب واكتشفنا أنه لم يعد هناك وجود لسهام كيوبيد المعروفة، فكما تقول "مى وهبه" - كلية تجارة، لم يعد هناك وقت لكل هذه الأمور، بمعنى أن يجذبنى شكل شخص ما أو وسامته أو نظراته، فأظل أحلم به وأتصوره، ثم أحبه، وأحاول التقرب منه، فطبيعة هذا العصر مختلفة بل والمغناطيس الجاذب لكل طرف من أطراف العلاقة لم يعد نفس المغناطيس ولم يعد العصر نفسه العصر، فما يجذبنا الآن لبعضنا البعض هو أن يكون كل منا ذا هيئة وطبيعة معينة ووظيفة مرموقة ومظهر مشرف، فماذا سأكسب إذا تعلقت بشخص ولم يكن لديه استعداد فيما بعد ليرتبط بى ويتزوجنى ، أو كانت إمكانياته ضعيفة، لن يحدث سوى إضاعة للوقت بل وللجهد!!

شاب جاهز وفتاة جاهزة

والغريبة أن هذا الرأى ليس فقط رأى الفتيات، فالشباب أيضا يشعرون بالسخرية عند ذكر قصة كيوبيد والسهام وما يتعلق بهما من تفاصيل، وكما يقول "أدهم يوسف" - مهندس كمبيوتر - الآن من يريد الارتباط بشكل حقيقى يحسب الموضوع بشكل آخر، فليس شرطاً أن يحب أولا، أو تجذبه النظرات والهمسات والمظهر الخارجى والكلمات الناعمة، فكما تبحث الفتاة عن شاب جاهز ولديه وظيفة ومسكن وسيارة وذو مركز اجتماعى واقتصادى مستقر، يبحث الشاب عن فتاة يكون اهتمامها منصب على تكوين ورعاية أسرتها، وتكون قد أنهت تعليمها بل ومن الأفضل أن يكون لديها وظيفة حتى تتعاون على شئون الحياة، هذا بجانب الأخلاق والالتزام، فمشاعر الحب القديمة والتى كنا نراها فى الأفلام لم تعد موجودة فى العصر الراهن، لأن ظروف العصر قد تغيرت، وأوضاع مادية كثيرة قد تقف كعائق أمام هذه الأمور، فأين هو الوقت الذى نستطيع إهداره فى الخروج والنزهات والمحادثات التليفونية ثم الصدمات العاطفية إذا لم يكتمل الموضوع وفشل، بل وأين هى الأموال التى يمكن إهدارها لهذا، فاللهث إلى شئون الحياة ومتطلباتها جعلنا نفكر بصورة أكثر عقلانية بل مادية، أما من يضيعون وقتهم فى هذه الأمور فهم بالتأكيد غير جادين، ويقومون بها من باب تضييع الوقت لا الحب !!

كيوبيد هو الأساس

فى حين ترى "سها الشرقاوى" كلية إعلام أن سهام كيوبيد مازالت موجودة بل تعد الأساس فى أى علاقة قوية تؤدى إلى ارتباط صحيح وقائم على أسس متينة، تقول : لقد تزوجت شقيقتان من شقيقاتى عن قصص حب استمرت لسنوات من زميلين لهما بالعمل، وكان لسهام كيوبيد دور فى هذا، بدأ من الاهتمام المتبادل، للمواقف المساندة، للمكالمات التليفونية حتى انتهى الأمر بالمأذون، وعندما أقارن بين وضعهما واستقرارهما الأسرى والعائلى الآن، أرى أنهما قد أسستا أسراً سعيدة ومستقرة ويجمع التفاهم والود والاحترام بين أفرادها، عكس من تزوجوا بأسلوب مادى بحت، فبعد فترة يتحول الأمر لديهم لحياة روتينية مليئة بالمشكلات نتيجة لعدم تحمل كل طرف للطرف الآخر، بل وشعوره أنه يعيش معه من أجل الحياة فقط ولأن ليس لديه بديل آخر !!

تضليل

بينما تجد "هبة طه" - طالبة بكلية الآداب- أن سهام كيوبيد مازالت تطلق فى الوقت والعصر الراهن، ولكن من أجل التضليل والضحك على الفتيات على وجه الخصوص، وتضيف : هناك بالفعل بعض التصرفات التى يقوم بها الشباب لادعاء الاهتمام بالفتاة كالنظرات والهمسات وإرسال الإيميلات وتبادل المذكرات فى الجامعة، والاتصالات التليفونية وغيرها، ولكن هذا كله من أجل تضليلهن إما لتضييع الوقت والتسلية، أو لاستغلالهن بأى صورة من الصور، ولكن الحب الحقيقى الآن، هو حب الشخص الذى يتقدم لى ويطلب يدى ثم يرتبط بى بشكل رسمى، وهذا لابد وأن تتوافر فيه مواصفات الزوج أكثر من الحبيب الهيمان، فلابد وأن يكون ذا مركز اجتماعى ووظيفة ولديه شقة، حتى أبدأ بعد الارتباط فى الشعور به ومبادلته الحب بشكل صادق، ولكن لن أرتبط بشخص ليس لديه أى من هذه الإمكانيات وأظل أبكى ليلاً ونهاراً، لأنه تركنى وهو ما سيحدث بحكم أنه غير جاد، أو أن إمكانياته لا تسمح بالارتباط، فصورة الحب الذى يبدأ ويتطور من النظرات للهمسات واللمسات واللقاءات ثم العذاب والتضحية والبكاء، قد انتهت وربما تكون قــد اختفت تماما !!

عامل اقتصادى

وأسأل د. زينب شاهين - أستاذة علم الاجتماع -عن كيوبيد ودوره فى عصرنا الحالى، فتقول : بالتأكيد هناك حب وإن كان بشكل أو بآخر قد اختلف وتغيرت صورته، فمشكلات عديدة بدأت تقف حائلاً أمامه، فالشاب الذى يظل لما بعد الثلاثين من عمره يبحث عن عمل ووظيفة متى سيجد الوقت ليحب، بل من التى ستحبه، فالفتاة يجذبها الآن الشاب ذو المظهر الجميل والسيارة الأنيقة والمركز المرموق، وبالتالي هو أيضا حتى وإن وجد الوقت لا يثق بأنها ستحبه، فالمنظومة كلها قد اختلفت بل ولعب فيها العامل الاقتصادى دوراً رئيسياً، فدمر الصورة التى كنا نرى فيها لحظات تذكر طرف آخر والحنين إليه والتضحية من أجله بالعريس الجاهز، ولا عيب فى هذا على الفتاة أو الفتى ففى رأيى أن كلا منهما ضحية لظروف العصر، ولن يعود كيوبيد للظهور بقوة إلا إذا تحسنت الأوضاع الاقتصادية وبالتالى اكتسى المجتمع بلون مبهج وجميل.

ستار للخداع

وهو نفس ما تراه بصورة أخرى د. عزة كريم- خبيرة العلاقات الأسرية وأستاذة علم الاجتماع قائلة : للأسف لقد دمرنا الحب فى وقتنا الحالى بتصرفاتنا المادية، فقديما كان الحب يعنى الاهتمام بطرف آخر ، الشوق لرؤية هذا الطرف، مشاركته كل صغيرة وكبيرة، الوقوف بجانبه ومساندته فى الأزمات وعند التعرض لأي مشكلة، ولكن ما يحدث الآن مختلف تماما، فكثيرون يتخذون من الحب ستاراً لخداع الفتيات، أو للحصول منهن على أشياء ليست من حقهم، بحكم أنهم لا يستطيعون الزواج للظروف الاقتصادية الراهنة ، ثم نجد الفتاة أيضا فى المقابل قد تحب شخصا ما وتتعلق به، ثم تتخلي عنه وتتركه مع أول عريس جاهز يطرق بابها، وربما نجدها وهى تحب فرداً وتضع الآخر احتياطياً، حتى تفوز بزوج، أما الأكثر سوءاً فهو الشاب الذى يدعى الحب والهيام ويبدأ فى إرسال النظرات والهمسات لأخرى لأنها غنية أو لأنه يطمع فى مرتبها، أو يطمع فى أن تحمل عنه جزءاً كبيراً من مسئوليته المادية، فقد بات الحب بصورته الجميلة حلماً لم يعد موجوداً، بل واعتقد أن كيوبيد قد أصبح دون وظيفة !!

هدايا الحب

وهو نفس ما يؤكد عليه أ.د. "محمد حسن وهبه" أستاذ علم النفس بجامعة القاهرة قائلا: كل شئ الآن إذا لم نكن متطرفين فى مشاعرنا قد أصبح يحكمه المال، والأمر يبدأ منذ الخطوات الأولى للحب ومن هدايا الحب، فالبنت الآن لا تكفيها وردة أو أغنية أو حتى كارت جميل، فلابد وأن تكون هدية، وهدية قيمة، وإلا كان يعنى هذا أن الفتى لا يقدرها ولا يحبها، خاصة وأنها لن تستطيع أن تعرض هذه الهدية على صديقاتها وأهلها وتتباهى بها، كما أن الفتى الذي يعرف أنه لن يتزوج إلا فى مرحلة عمرية متأخرة جدا وقد تتجاوز الثلاثين عاما، مع ما يراه من خلال الشاشات الفضائية وشبكة الإنترنت ، لن يظل قاصرا حبه على المكالمات التليفونية والرسائل الالكترونية، فقد يرغب بسلوكيات أكثر من هذا تعد أكثر مادية، ولا علاقة لها بالحب العفيف، وبالتالى فالأمر قد باتت تصبغه صبغة مادية، لا تقف عند هذا بل تزيد لتصل إلى الاختيار فى حد ذاته، فأنا أختار من يملك ثم أحبه، وليس العكس ، فالآن لا يوجد من يضحى، ولا يوجد من يبكى لسنوات إذا تركه حبيبه، فهو وعلى الفور يبدأ منذ اليوم التالى فى البحث عن آخر، خاصة بالنسبة للفتيات ، حتى يستطعن أن يجدن من يتزوجهن وبسرعة.

ويضيف : ولا أعتقد مع التطور المادى الهائل الذى نعيشه يوما بعد يوم، أن الأمور ستعود للوراء وأن الحب سيكتسب نفس لونه ورونقه القديم، بل أن الأمر سيزداد ويصبح أكثر مادية عن ذى قبل ، وعلينا أن نعترف بهذا ونتقبله، بل ونعالجه بأن نضفى على الحب جزءاً من العطاء والقدرة على تحمل الآخر بعد الارتباط والعشرة، فهذا هو العلاج الوحيد الذى يمكننا القيام به للتعامل مع الوضع الراهن.

المصدر: مجلة حواء -سمر الدسوقي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 1067 مشاهدة
نشرت فى 9 فبراير 2012 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,738,940

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز