الحب بعد الستين
كتبت :سمر الدسوقي
بعض الرجال يعتبرها فترة الهدوء والاستقرار والنضج العاطفي بل الراحة من عناء السنين واللهث وراء لقمة العيش، وبالتالي التقارب من شريك حياته/زوجته التي مازال يراها جميلة، ورعاية أحفاده، وممارسة الرياضات والهوايات التي لم تسمح ظروف ورحلة الحياة بالاستمتاع بها. في حين البعض الآخر لا يصل فيها لبر الأمان، حيث تنتابه مشاعر الوحدة بعد انتهاء مسئوليات وأعباء العمل، فتضطرب علاقته الأسرية خاصة مع زوجته، بعد أن أصبح يتدخل في كل صغيرة وكبيرة نتيجة لزيادة وقت الفراغ في حياته، هذا بجانب ما قد ينتاب قلة أخري من مشاعر مراهقة، تحاول أن تثبت من خلالها أنها مازالت شابة ومرغوباً بها، إنها مرحلة ما بعد سن الستين.. المرحلة الصعبة في حياة الرجال والنساء ايضا علي حد سواء، لذا لابد لها من قواعد وأسس حتي يصل كلا الزوجين إلي حياة عاطفية مستقرة، نعرفها في جولتنا التالية
فى البداية نستطلع ما تمر به مشاعر كلا الزوجين فى هذه المرحلة، تروى سعاد وهبة -ربة منزل تبلغ من العمر 55 عاماً - فى حين أن زوجها قد تعدى سن الستين بقليل - تجربتها مع هذه المرحلة قائلة : ارتبطت وزوجى عن قصة حب استمرت لمدة عامين وامتدت بنا رحلة الحياة لأكثر من 25 عاماً، كنا ومازلنا نتشارك فيها كل شىء، مشاعر الحزن ومشاعر الفرح، المشكلات والأعباء والمسئوليات، أوقات الضيق وأوقات الفرج، بل ورزقنا بثلاثة أبناء تزوجوا جميعاً، إلى أن وصل زوجى إلى سن المعاش وبلغ الستين وبدأ يقيم بالمنزل لفترات طويلة، وهنا بدأ شىء ما ينتاب علاقتنا بل وترابطنا وتحمل كل منا للآخر، ففى حين اتجهت بعد الخمسين بكل مشاعرى لرعاية أحفادى وأبنائى ودعمهم لاستمرار وإكمال مسيرة الحياة، كان زوجى يميل- بجانب التدخل فى كل شئون المنزل الكبيرة والصغيرة بحكم وقت فراغه الذى زاد - إلى أن نعيش مرحلة عاطفية أقرب لسن المراهقة، فيرفض أن يعترف بسنه ويصر على أن يناديه أحفاده باسمه مجرداً، بل يصل إلى ارتداء الألوان الصارخة فى ملابسه ويطالبنى أن أعامله مثلما كنا فى مرحلة الخطوبة، والمشكلة هنا أنى لم أكن مقتنعة بأن هذه الصورة هى التى ينبغى أن تسير بها وتيرة حياتنا فى هذه المرحلة العمرية، فصحيح أنه هناك مودة وحب ورحمة بيننا، ولكن بصورة أخرى، تطورت مع الزمن لتأخذ طابعاً وقالباً، القيام بالزيارات العائلية ورعاية أولادنا وتنظيم الرحلات معهم، وتبادل العطف والمشاركة الإنسانية وليس العيش وكأننا زوجين فى مقتبل الحياة الزوجية أو أننا صغيرين لأن هذا ليس بالواقع أو الحقيقة، ومن هنا بدأ زوجى يبعد بل ويميل إلى محادثة فتيات صغيرات بالتليفون أو من خلال شبكة الإنترنت بحجة أنى لا أحبه أو توقفت عن حبه، فى حين أنى فقط رغبت أن أقول له أن حبى قد أصبح له شكل آخر !!
سن اليأس
وهو نفس ما تثيره السيدة ـ علياء ـ موظفة بإحدى الوزارات- قائلة : مشكلة الرجل بعد سن الستين مشكلة حقيقية، وبالأخص فيما يتعلق بعلاقته بزوجته، فعلى الرغم من أن المرأة تستطيع بل تعترف بكل فخر ودون أى خوف أنها قد وصلت لسن اليأس أى أنها كبرت فتتوجه بطاقتها وحبها إلى رعاية أبنائها وأحفادها دون أن تجد فى هذا قصوراً، بل تعتبره تطوراً طبيعياً وليس مشكلة، أما بعض الرجال فإنهم يرفضون الاعتراف بهذا الأمر ويجدونه شيئاً مشيناً، أو يقلل من شأنهم، على الرغم من أن هذا الأمر لا يسىء للرجل فجميعنا نكبر ونضعف، ونمر بمراحل عمرية، ولكن الأمر لدى الرجل يأخذ توجها آخر بل أزمة نفسية قد تدفعه فى بعض الأحيان للهروب المستمر من المنزل والبقاء بالمقهى طوال اليوم لأنه عاجز عن مواجهة زوجته بهذا، وأذكر فى هذا الشأن أن زوج صديقة لى كان يعانى من مشكلة فى هذا الإطار وفى نفس العمر، وحتى يثبت لنفسه أنه مازال كما كان فى بداية حياته وشبابه، بدأ يبحث عن زوجة صغيرة السن لم تتعد العشرين من عمرها، معلنا أن كل شىء الآن أصبح من الممكن التعامل معه من خلال العلاجات والأدوية التعويضية، والنتيجة أنه خسر عائلته التى تعب فى تكوينها وتأسيسها طوال حياته، ولم ينجح أيضاً فى حياته الثانية لأنه حاول أن يعيش حياة ليست بحياته، بل ورفض الاعتراف بعمره الحقيقى.
مزيد من العواطف
وعلى الرغم من هذه الطريقة الناجمة فى التعامل مع الأمر، إلا أن فكرى وهبة -60 عاماً- له تجربة ومشاعر أخرى مختلفة يقول عنها : منذ أن وصلت لهذا العمر، وهى مرحلة تحتاج إلى كثير من الدعم العاطفى والمساندة من قبل الزوجة لزوجها، خاصة وأنه قد أصبح يعانى من الوحدة والفراغ ولم يعد لديه مسئوليات حقيقية وكذلك لم يعد يرى زملاء عمله بشكل يومى، وأنا أشعر أنى وحيد ولا يوجد من يشاركنى عواطف أو يتبادل معى الأحاديث والحوارات بالصورة المطلوبة، فالزوجة فى هذا العمر توجه اهتمامها إلى أبنائها أو أحفادها لأنها تشعر بأن رسالتها قد انتهت خاصة إذا وصلت لسن اليأس وباتت تشعر أنه لم يعد هناك ما تمنحه لزوجها، وبالتالى يظل هو بمفرده وهنا يكون فريسة لأى فتاة حتى وإن كانت صغيرة طالما أنها ستشعره بأنه مرغوب ومطلوب شكليا وعاطفياً، ففى كل المراحل العمرية يحتاج الرجل إلى تواجد المرأة بجواره وإشعاره بهذا وإلا لبحث عن أخرى !!
حب لكل مرحلة
هذه هى بعض من الصور التى يعيشها الزوجان فى هذه المرحلة، أما عن كيف يصل كل منهما إلى حياة عاطفية وزوجية مستقرة بعد سن الستين .
فيقول د. يسرى عبدالمحسن أستاذ الطب النفسى بجامعة القاهرة:، لكل مرحلة عمرية نوع معين بل ومختلف من الحب والعاطفة، فالطفل يعرف مشاعر الحب والحنان من الأم ولذا يتعلق بها وحين يشب يتحول الحب لديه لرغبة جنسية تتبلور فى شكل من الحب والرغبة فى تكوين أسرة وتحمل مسئوليتها وأعبائها، وفى مرحلة النضج ثم الشيخوخة تصل إلى مرحلة جنى ثمار هذا الحب والإحساس بمشاعر حب أخرى تتمثل فى المودة والعطف والحنان المنبعث من الأطفال والأحفاد، فهذا النوع من الحب هو الذى يملأ ويشغل حيز الفراغ الذى ينشأ لدى المسن فى هذه المرحلة، نتيجة لعدم وجود مسئوليات حقيقية يقوم بها فى هذه المرحلة، ولا شك أن البعض قد ينشأ لديهم نوع من التخبط وعدم القدرة على إدراك حقيقة هذا الوضع وهذه المرحلة فيحاولون العودة إلى مرحلة عمرية سابقة لم يعيشوها من قبل أو عاشوها ومازالوا يحنون إليها، رافضين الاعتراف بالمرحلة الراهنة وهنا يحدث لديهم تخبط حقيقى بل ومشكلة، تستدعى البدء بتغيير نمط الحياة من خلال ممارسة الرياضة لتفريغ الطاقة البدنية، وإيجاد بديل جديد لنوع الحب الذى يبحثون عنه فى هذة المرحلة والذى لا يتناسب وطبيعتها، كما أن الأمر يستدعى رعاية وعناية خاصة من الزوجة للزوج، بمعنى أنها لو وجدت أنه يميل إلى القيام ببعض السلوكيات التى لا تتناسب وطبيعة هذه الفترة كإدعاء الشباب أو التعلق بالفتيات صغيرات السن، أو طلب ممارسة العلاقة الزوجية بشكل مكثف، فهنا لابد وألا تواجه هذا بقهره أو السخرية منه أو تحقير رغباته، أو نقل هذه الصورة المشوشة لأولاده، فعليها وأن تحتويه وتوجهه إلى حياة أخرى جديدة يستطيعا فيها ممارسة الرياضة معا ومشاهدة العروض السينمائية والسفر، ومشاركة الأولاد والأحفاد حياتهم ومشكلاتهم، فالوحدة أكثر ما يضر كلا الزوجين فى هذه المرحلة ويجعلهما عرضه لممارسة أى من السلوكيات غير المقبولة .
رياضة وحوارات
ويضيف د. عبدالوهاب سعد أستاذ علم النفس بجامعة عين شمس، بعداً آخر لطبيعة المشكلات التى قد تطرأ فى هذه المرحلة العمرية بين الزوجين، وكيف يمكن التعامل معها للحفاظ على الحب بينهما قائلاً : هناك حقيقة نفسية لا بد وأن ندركها وهى أن المرأة تعترف وبكل بساطة بوصولها لسن اليأس، في حين أن الرجل حتى وأن أصابه الضعف فى هذه المرحلة، فهو لابد أن يدافع بقوة عن أنه لم يصب به، فهو يكابر ويؤكد على أنه سيظل شباباً بشكل دائم، ولذا نجد رواجاً كبيراً للأدوية والعقاقير المتعلقة بالهرمونات والقدرة الجنسية والتى يستخدمها الرجال فى هذا العمر، ولزيادة التأكيد فهم يميلون إلى التأكيد على هذا بشكل عملى سواء من خلال زوجاتهم أو من خلال البحث عن أخرى للارتباط بها والزواج فى هذه الحقبة، كما ينطبع هذا على مظهرهم الخارجى فيميلون إلى ارتداء ملابس الشباب والتشبه بتصرفاتهم، وهو ما ينتج عنه بالطبع مشكلات جمة بينهم وبين زوجاتهم بل وأولادهم والذين لن يقبلوا منهم مثل هذه التصرفات بهذه الصورة فى هذه الفترة العمرية، ومن هنا فالعلاج يبدأ من الرجل نفسه ومن المحيطين به فلابد وأن يبدأوا فى إقناعه بأن لكل سن ومرحلة عمرية حلاوتها وجاذبيتها وأن الحب نفسه حتى وأن كان الرجل مازال قادراً بينماً وصلت المرأة إلى سن اليأس يمكن وأن يتخذ صور أخرى تتمثل فى تبادل الحوار والنقاشات والاشتراك فى الهوايات وممارسة الرياضة، كما أن هناك أنواع محددة من الأغذية تساهم بدرجة ما فى قلة الانفعالات والتوترات بل وتقلب المزاج الذى قد يصيب المرأة أو الرجل على حد سواء فى هذه المرحلة، ونقصد بهذا الخضروات والفاكهة، مع تجنب الأطعمة الدسمة وكذلك الابتعاد عن التدخين، وأخيراً تلعب الرياضة حتى ولو كانت رياضة المشى لمدة نصف ساعة يومياً دوراً فى هذا الشأن، فكل هذه الأشياء الطبيعية تصل بكلا الزوجين لحالة صحية ومزاجية مستقرة، وبالتالى عاطفة متوازنة مع مرحلتهما العمرية .
اكتئاب وتوتر
ويؤكد د. محمد حسن -أستاذ أمراض الذكورة بجامعة عين شمس- إلى أن المرأة إذا كانت تعانى من أعراض سن اليأس فى هذه المرحلة العمرية، وبالتالى فإن زوجها قد يشعر بمشكلة ما تتعلق بانصرافها عنه إلى شئون المنزل والأولاد والأحفاد، فالرجل أيضاً قد يتعرض لهذه المشكلة وليس فقط من سن الستين أو الخمسين، فبعض الرجال تبدأ لديهم أعراض ضعف هرمون الذكورة بعد حقبة الأربعينيات، ولذا تبدأ تظهر عليهم أعراض اكتئاب وتوتر وأرق، بل وينعكس هذا على حياتهم الزوجية حيث يميلون إلى إظهار العكس وإلقاء اللوم على الزوجة، كنوع من عدم الإعتراف بما يحدث، ويزيد الأمر مع التقدم فى العمر ثم الوصول لسن التقاعد، بل وتلعب الأوضاع المجتمعية المحيطة وظروف التربية والعادات والتقاليد دوراً وعاملاً ضاغطاً آخر على الرجل فى هذا الشأن، حيث لا يشعر بأن الأمر عادى، ولكنه يراه أحياناً كعيب عليه وأن يستره بأى طريقة، وبالتالى ينعكس كل هذا فى صورة علاقة منهارة بين الزوجين بل ومشكلات لا تنتهى، وهنا يكون العلاج والحكمة من الزوجة فعليها بالاقتراب واحتواء الزوج، والعطف عليه وإشعاره بأنها ترغبه مهما كان، بل ومحاولة استعادة ذكرياتهما الجميلة معا، حتى تصل به لمرحلة من التوازن النفسى والقبول بالوضع الجسمانى والصحى لهذه المرحلة العمرية
ساحة النقاش