إلا رسول الله صلى الله عليه وسلم
كتبت :ايمان حسن الحفناوي
" من رأى منكم منكرا فليقومه بيده، فإن لم يستطع فبلسانه، فإن لم يستطع فبقلبه، وهذا أضعف الإيمان"، حديث شريف نعرفه جميعا، لكن الفقهاء قالوا في شبه إجماع في تفسير هذا الحديث أن من تخول له سلطة التقويم باليد هو الحاكم، ومن تقع عليه مسئولية التقويم باللسان هم رجال الإعلام ورجال الدين وقادة الرأي، في حين يصبح تقويم الخطأ آو المنكر بالقلب من نصيب عامة الشعب، وقد أسسوا لهذا التقسيم حتى لا يصبح الأمر فوضى ويصير من حق الجميع إصدار الأحكام، بل التنفيذ في نفس الوقت، فيعم الانفلات.
وتبعا لهذا الحديث وهذا التفسير يصبح من حق بل ومن واجب الكاتب أن يقوم المنكر بقلمه الذي ينوب عن لسانه، ويسجل موقفه ويشرح للناس ما استغلق عليهم فهمه، أقول هذا بعد الأخبار المؤسفة التي تم نشرها حول فيلم تم إنتاجه وأصبح جاهزا للعرض على شاشات العالم، والفيلم عبارة عن سلسلة من ثلاثة أجزاء، تتناول سيرة الحبيب المصطفى عليه الصلاة والسلام منذ ولادته وإلى رحيله للخالق الأعظم، الفيلم كما قلنا ثلاثة أجزاء
في الجزء الأول يتم العرض لطفولته ثم يأتي الجزء الثاني ليعرض لحياة الحبيب المصطفى منذ نزول الوحي وإلى هجرته للمدينة، ثم الجزء الأخير، والذي يتعرض لحياته الشريفة منذ هجرته إلى أن ذهب راضيا مرضيا لرب العالمين.
إننا الآن أمام أكثر من مشكلة بل أكثر من كارثة، وليتنا نفيق ولو مرة واحدة في عمرنا قبل أن يفوت الأوان. فإذا تكلمنا عن جواز عرض فيلم سينمائي يجسد شخصية حبيبنا المصطفي، فلابد أن تعرض لأكثر من نقطة أولا: هل يجيز الشرع هذا؟ ثانيا: ما هي تداعيات هذه السلسلة من الأفلام؟ وما المقصود من إنتاجها؟ وهل سيهيمن عليها فكر عقائدي معين بحيث تأتي الأحداث تبعا لقناعاته؟ ثالثا: ما دورنا في هذا الأمر؟.
إذا تعرضنا للنقطة الأولي سنجد فتوى صدرت عام 1955 من الشيخ حسنين مخلوف شيخ الأزهر وقتها وقد أجاز فيه إنتاج فيلم عن الإسلام مشترطا عدم التعرض لأي موقف لرسول الله صلى الله عليه وسلم، ولا لأي أحد من الصحابة أو أهل البيت، ومؤكدا ألا يصدر صوتا أو تظهر صورة معبرة عنهم. ثم جاء المؤتمر الثاني لمجمع البحوث الإسلامية 1977، وأقر عدم إنتاج فيلم يتناول بالتمثيل الرسول صلى الله عليه وسلم والصحابة، ولا يجوز السماح بعرض شخصية النبي صلى الله عليه وسلم. وفي العام 1980جاءت فتوى من مفتي الديار المصرية قال فيها بعصمة الأنبياء تمنع من أن يمثلهم إنسان، ويمتد ذلك لأصولهم وفروعهم وزوجات وصحابة سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم.
نأتي هنا للأمر الثاني وهو أخطر الأمور، هل هناك سبب خفي خلف إنتاج هذا الفيلم وفي هذه الفترة بالذات لإشاعة اللغط والقلق؟ فالمعروف أن مخرج الفيلم وهو ماجد مجيدي ومعه منتج الفيلم وكاتب السيناريو هم فريق عمل سينمائي إيراني يتبعون المذهب الشيعي، ومع احترامنا لجميع المذاهب والخلفيات الدينية إلا أنه لا يخفى علينا الاختلافات الجوهرية بين المذهب السني والشيعي في مسائل جوهرية، بحيث يأتي عرضها جهارا نهارا، وعلى شاشات السينما مشكلا بلا أدنى شك لصدام قد يؤدي لانفجار وإشاعة فتن قاتلة كنا في غنى عنها تماما، لاسيما في هذه الفترة الحساسة التي يمر بها العالم الإسلامي والعربي، ففي الجزء الثاني لابد أن يتعرض الفيلم للصديق أبي بكر والفاروق عمر بين الخطاب ولن يأتي العرض لهما إلا بما لن يرضى عنه أهل السنة أبدا، ومن درس معتقدات الشيعة سيفهم ما أقصد تماما، ثم يأتي الجزء الثالث وهنا ستكون الطامة الكبرى والتي ستؤدي لفتنة لم يسبق لها مثيل في عالمنا الإسلامي، حيث سيتم التعرض لأمهات المؤمنين زوجات الرسول صلى الله عليه وسلم لاسيما السيدة عائشة، والتي يكن لها أهل السنة كل الحب والتقدير فيما يختلف معهم في هذا أهل الشيعة، ولن تكون العواقب جيدة أبدا إذا ما تناول الفيلم حادثة الإفك والتي ستشعل الأرض من تحت أرجلنا لو أصر طاقم الفيلم عرضها كما تأتي في قناعة بعض أهل الشيعة.
أي مصيبة نحن مقدمون عليها؟ وهل هناك خطة من طرف أو أطراف لا نعرفها تعمل على إحراق المنطقة بإنتاج هذا الفيلم؟ وماذا سيكون الوضع لاسيما أن التيار السائد الآن في دول ربيع الثورة هو التيار الإسلامي السني، ثم يأتي هذا الفيلم بحلقاته الثلاثة لتضرب معتقدات أهل السنة في صميمها وتسئ لرموز يحترمونها ويبجلونها؟ هل هناك خطة خبيثة لضرب السنة بالشيعة وتفتيت الصف؟ هل هناك خطة جهنمية لإشعال الحروب بينهما؟ وأخطر حرب هي ما قامت على إغضاب مشاعر دينية، ما المخطط لنا بالتحديد؟ ليتنا نقرأ هذا الموضوع ولا نعتبر انه مجرد فيلم وحرية رأي وما إلي ذلك من هذه العبارات التي نضعها علي قنبلة مؤقتة لنخفيها عن الأعين.
مخرج الفيلم نفسه قال تصريحا لم يلتفت إليه كثيرون رغم خطورته، قال إنه لسوء الحظ لا توجد مصادر مما لجأوا إليها لكتابة الفيلم شاملة، وأن المصادر المتاحة تحوي بعض البيانات المكررة والمزيفة! بقي أن نعرف أن هذه المصادر التي يقصدها هي مصادر أهل السنة وقد اعتمد على فريق من المترجمين من لبنان وتونس والعراق لترجمتها إلى الفارسية، معنى هذا أن هذه المصادر السنية لا تفي وهو ما فتح الباب أمام المصادر الشيعية، والتي كما قلت لكم ستشعل النيران حيث أن كثيرين من أهم الصحابة سنجدهم بأعيننا، وقد تم عرضهم بشكل سوف يثير تفجير فتنة لن يمكننا كبحها أبدا، ومن قرأ الفكر الشيعي سيفهم ما يمكن أن يحدث بالضبط.
لا أدري ما يجب أن نفعله لكن الشيخ د.محمود عزب كان له تصريح يقول فيه أن الأزهر أصدر بيانا شديد اللهجة رافضا فيه هذا الفيلم، وصدرت فتوى عن مجمع البحوث الإسلامية تجرم تجسيد شخصية الرسول صلى الله عليه وسلم، ثم أضاف أنه ليست لنا السلطة الإجبارية نجبر بها إيران التخلي عن إنتاج هذا الفيلم، وكل ما نستطيع عمله هو منع الفيلم من العرض على شاشات التليفزيون الأرضية والفضائية ودور العرض
أتقدم بكل الأسف لك يا سيدي يا رسول الله صلى الله عليك وسلم، وكل ما يمكنني عمله أن أعلن هنا رفضي لإنتاج مثل هذا الفيلم وأن أدعو كل إنسان يخاف ربه أن يقاطع مثل هذه الأعمال التي إنما يتم إنتاجها للوقيعة وإشعال الفتن في الأمة الإسلامية.
ألا هل بلغت.. اللهم فاشهد
ساحة النقاش