بلد «بتاعة طوابير» بصحيح

كتبت :تهاني الصوابي

كان ياماكان فى سالف العصر والزمان منذ شهور ليست ببعيدة، وقف المصريون فى طوابير طويلة امتدت كيلومترات، رغم برودة الشتاء وهطول الأمطار يختارون نوابهم لمجلس الشعب، بلا كلل أو ملل أو زهق من طول انتظار لساعات لا فرق بين صغير السن أو كبيره، حيث خرجت الأسرة بأكملها للإدلاء بصوتها فى رغبة عارمة لاختيار نواب الشعب.

 ولكن سبحان مغير الأحوال ومبدلها مابين الأمس واليوم، أخذت الطوابير شكلا آخر، ومنحنى خطيراً بعد أن كثرت الطوابير وتعددت، ووجدت الأسرة نفسها فى مأزق فأخذت تتفرق وتتوزع على الطوابير لتدبير احتياجاتها اليومية، فخرج الأب يقف بسيارته فى طابور يمتد كيلومترات فى انتظار تموين سيارته بالبنزين، بينما اتجهت الأم إلى مخزن أنابيب البوتاجاز فى صحبة كرسيها الصغير ليعينها على الانتظار ساعات طويلة من أجل الحصول على أنبوبة بوتاجاز، تاركين الابن أمام مخبز العيش قد يحالفه الحظ فى الحصول على احتياجات الأسرة من الرغيف المدعم، بينما تركتهم الابنة جميعا، وذهبت للوقوف فى طابور بموقف «الميكروباص» للحصول على مقعد مريح فى رحلة الذهاب الى المدرسة أو الجامعة، بعد اضراب سائقى النقل العام، و«شح» وسائل المواصلات والخوف والرعب من الركوب مع سائقى التاكسى، بسبب انتشار البلطجة وحوادث الخطف وطلب الفدية، والسرقة بالإكراه، وغيرها مما نسمع عنه كل يوم، ناهيك عن طوابير آلاف العمال المصريين الراغبين فى الحصول على تأشيرات للسفر والعمل فى ضوء إعمار ليبيا، واعلان السلطات الليبية رغبتها فى الاستعانة بالعمالة المصرية.

 طوابير المصريين تتواصل، وتتواصل، وتتواصل فى كل شبر من أرض مصر جعلتنا نسخر من أنفسنا بأن بلدنا بلد طوابير وليس بلد شهادات كما كان يسخر فى الستينيات عادل امام ووصل الأمر «لوقف الحال» وتعالت الأصوات تنادى «منهم لله وقفوا حالنا» هل ننتظر السماء حتى تمطر لنا بنزيناً وخبزاً ووسيلة مواصلات»، أصوات نسمعها من هنا وهناك خلال طوابير الواقفين التى تمتد مئات الأمتار، ومشاجرات بين الحين والآخر تستخدم فيها الألفاظ النابية، وأحيانا الأسلحة البيضاء، ناهيك عن الشلل المرورى الذى أصاب شوارع القاهرة، فهناك من لم يستطع الوصول إلى مطار القاهرة فى الميعاد المحدد وتخلف عن اللحقاق بالطائرة، وآخر أصابته أزمة قلبية لم تستطع عربة الاسعاف شق الطريق فلفظ أنفاسه الأخيرة قبل الوصول الى المستشفى القريب لانقاذه، كل هذا والمسئولون فى الحكومة يطالبوننا بعدم القلق، والصبر ويخبروننا بأن الاحتياطى كاف والكميات المطلوبة متوفرة، والمشكلة فى القلة القليلة التى تسىء إلى الغالبية العظمى لسلوكيات خاطئة تسعى الى التخزين أو الحصول على المنتج أكثر من الحاجة والمطلوب وتخزينه، قد يكون الكلام معقولا فى تخزين رغيف العيش لأيام أو أسابيع،. أو الحصول على اكثر من انبوبة بوتاجاز، ولكن كيف نقوم بتخزين البنزين فى البيوت، أو حجز مكان فى الميكروباص للصباح من أجل الذهاب إلى المدارس والجامعات وأماكن عملنا؟!

 الحقيقة أنه رغم سقوط نظام مبارك أو جزء قليل منه، وتغيير عدد من الحكومات خلال العام ونصف العام الماضيين إلا أن طوابير المصريين مازالت كما هى، بل زادت وشهدت زحاما شديدا أمام أزمات جديدة، لم يعتد المصريون عليها، وهو ما دفع المواطنين للخروج وقطع الطرق العامة وتوقف حركة المرور فى القاهرة وعدد من المحافظات، بسب الطوابير خاصة أمام محطات البنزين، ورعم الوعود المتكررة بأن الأزمة فى طريقها للحل فإن الأزمة مازالت مستمرة، وقد تخبو أحيانا، لكنها تعود أشد قسوة، دون أدنى أمل فى حلول جذرية أو جوهرية.

 ويبدو أن الحل ليس فى تغيير الحكومات، ولكن فى تغيير الشعب بأكمله واستيراد شعب جديد قادر على عدم القلق والقدرة على الصبر وتحمل الأزمات

المصدر: مجلة حواء -تهاني الصوابي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 596 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,902,417

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز