ألح علي أمه وهو يسألها:
ماما «أنا جيت الدنيا إزاى»؟!
كتبت : سمر عيد
احمر وجه الأم وصدمها السؤال وبدت على ملامحها الحيرة، قالت له «ياحبيبى لما تكبر أقولك»، فأخذ يكرر عليها السؤال فقالت له «عيب الكلام ده، أنت لسه صغير»، فقرر أن يسأل صديقه فى المدرسة لعله يعرف. مثل هذا المشهد يتكرر كثيراً، فهل من الخطأ أن نخبر أبناءنا بمثل هذه الأمور، أم من الأفضل أن نخبرهم بطريقة تناسب سنهم؟!!هذا ما بحثت عنه «حواء» فى التحقيق التالى:
«ماما: أنا جيت الدنيا إزاى؟»
التقينا بهدى عبدالرحمن - مدرسة - فى مدرسة خاصة والتى تتعرض لأسئلة مربكة من أولادها، مما يدفعها للهروب بأسلوب ذكى وتقول هدى:
هناك العديد من الأسر المصرية تستحى من التحدث مع أبنائها، سواء كانوا ذكوراً أم إناثاً، فى مثل هذه الأمور، ولكننى شخصياً أشرح لأبنائى بطريقة ذكية تتلاءم مع سنهم ووعيهم وإدراكهم، فمثلاً ابنتى الصغيرة سألتنى لماذا لا تؤدين الصلاة بضعة أيام فى الشهر فطبعاً لم أقل لها ذلك بسبب الدورة الشهرية ولكن قلت لها إن هناك ظروفاً تدفع أى امرأة بالغة ألا تصلى بضعة أيام، وقلت لها إنك ستصبحين مثلى عندما تكبرين.
وأحذر ابنى، وأنبهه إلى بعض العبارات التى يمكن أن تقال له في هذا الشأن.
لا أستطيع التحدث
وتقول مها عمران - ربة منزل: لم يحدثنى أبى وأمى عن أى شىء، وكانا يعتبران الحديث فى مثل هذه الأمور (كلام قباحة)، وبالتالى طبقت أنا نفس المنهج مع أولادى، إننى لا أحدثهم فى أى شىء عن علاقة الرجل بالمرأة ولا عن الطبيعة الجسدية للذكر والأنثى، وهم سوف يتعلمون من تلقاء أنفسهم عندما يكبرون.
ابني أعتدي عليه
وتقول د. ر. مهندسة: لقد تم الاعتداء جنسيا على ابنى فى المدرسة ولا أدرى كيف أتصرف، ولم أخبر أباه عما حدث له، وطبعاً علم المدرسون بذلك، وشعرت وقتها بالخجل من نفسى وأدركت أن منع التربية الجنسية فى المدارس خطأ فادح، وعرفت أننى قصرت فى التحدث إلى ابنى، عن أمور كثيرة يعتبرها البعض محرمة.
طفلــة حـامــل
وتضيف حنان عاملة فى بعض المنازل: لقد كنت أعمل عند اسرة محافظة، وقد كانت ربة المنزل تحجب كل الموضوعات والأفلام والأغانى الإباحية عن ابنتها ولكنها لم تكن توجهها التوجيه الصحيح ولا تحكى لها عن طبيعة جسدها والمخاطر التى يمكن أن تقع فيها، وفوجئت هذه السيدة بأن بطن ابنتها ذات التسع سنوات تكبر رويداً رويداً رويداً وظنت فى البداية أنه مرض خبيث ولكنها عرفت بعدما ذهبت للطبيب أن ابنتها حامل، ولم تعرف كيف تتصرف ذهبت إلى الطبيب كى تجهض ابنتها ذات التسع سنوات.
وإذا كانت هذه حكايات واقعية يرويها أصحابها فإن الدراسات والأبحاث تقدم لنا نموذجاً واضحاً للاستغلال الجنسى، لذلك فتشنا عن أبحاث وإحصائيات عن اغتصاب الأطفال، لكن لم نجد الكثير لأن أغلبية الأسر التى يتعرض أبناؤها لحالات اغتصاب، لا يصرحون بذلك ولكننا وجدنا دراسة بالمركز القومى للبحوث الاجتماعية والجنائية عن الاستغلال الجنسى للأطفال للدكتور إمام حسنين ومشاركة كل من: «سهير عبدالمنعم، عادل سلطان، عبدالرحمن عبدالعال، نجوى حافظ، نهال فهمى ويس محمد الرفاعى».
الدراسة هدفت إلى رصد وتحليل مظاهر وصور الاستغلال الجنسى للأطفال كإحدى صور الإتجار بالبشر ورصدت التعرف على حياة المعتدى عليهم من خلال تحليل عينة من الجرائم التى رصدتها النيابات، وكان من أهم نتائج هذه الدراسة مايلى:
وصلت نسبة جرائم الخطف والاغتصاب للأطفال فى المجتمع المصرى إلى 10.9% فقط الأمر الذى لا يشير إلي أنه ظاهرة، وتوصل البحث إلى أن أغلبية المحكوم عليهم فى قضايا ممارسة الدعارة كان قد سبق تعرضهم للتحرش أو الاغتصاب خلال مرحلة مبكرة من عمرهم، وكان ذلك فى بعض الحالات من جانب أحد أفراد أسرهم أو المتولين أمرهم.
وينتمى الضحايا إلى 22 محافظة، وتبلغ النسبة الأكبر فى محافظات القاهرة والجيزة والإسكندرية. ونوهت الدراسة إلى أهمية وخطورة ترك الأولاد بمفردهم فى أماكن الجمانيزيوم والسونا حيث يذهب إليها أغلبية من يريدون اصطياد ضحايا جدد، وقامت الدراسة بشرح ثمانية حالات من أطفال الشوارع يقومون بتحريض الأطفال الأخرين على ممارسة البغاء وفقاً لواحدة من أهم قضايا الإسكندرية.
> لكن، هل ترك القانون الأطفال بلا حماية؛ هذا ما بحثنا فيه فى القوانين. ووجدنا أنه فى المادة رقم 34 من اتفاقية حقوق الطفل نصت على الآتى:
تتعهد الدول الأطراف بحماية الطفل من جميع أشكال الاستغلال الجنسى والانتهاك الجنسى، ولهذه الأغراض تتخذ الدول بوجه خاص جميع التدابير الملائمة الوطنية والثنائية والمتعددة الأطراف لمنع:
أ - حمل أو إكراه الطفل على تعاطى أى نشاط جنسى غير مشروع.
ب - الاستخدام الاستغلالى للأطفال فى الدعارة أو غيرها من الممارسات الجنسية غير المشروعة.
جـ - الاستخدام الاستغلالى للأطفال فى العروض والمواد الداعرة.
وإذا كانت الدراسات رصدت والقوانين نصت فإن للمتخصصين آراءهم بشأن حماية وتحذير الأطفال من ذلك. فتقول الدكتورة هدى زكريا أستاذة علم الاجتماع إنها شاركت فى حملات توعية للأمهات كى يتحدثن مع أطفالهن فى التربية الجنسية «قمنا بتدريب بعض الأمهات فى ريف مصر على الإجابة على أسئلة الأطفال، ولجأنا إلى القائدات الاجتماعيات، وأنا مؤمنة أن المعرفة حق لكل إنسان، وهناك برامج توعية للأطفال فى الولايات المتحدة الأمريكية تعلم الطفل الألفاظ والحركات الجيدة والألفاظ والحركات غير الجيدة فيما يعرف ببرنامج «اللمسة الجيدة واللمسة الرديئة»، لذا نجد أطفالاً فى الخامسة من عمرهم ولديهم وعى، ولو اقترب أى شخص من هذا الطفل فإن الطفل يصرخ، وعلى الأم ألا تعبر بوجهها عن الحياء وهى تشرح للطفل مثل هذه الأشياء، بل يكون وجهها طبيعىاً حتى لا يخجل الطفل من الحديث معها فى أى موقف يواجهه، وعلى الأم كذلك أن تشرح للطفل طبيعة العلاقة بين الرجل والمرأة بصورة مبسطة، وأذكر حادثة حصلت لابنى هو ورفاقه فلقد نزلوا إلى الشارع وقام شخص بالتحرش بأحدهم، فأخبرته أنه فى المرة القادمة لو حدث له نفس الشىء أن يطلبنى لأخذ رقم سيارة الشخص المتحرش، وبالفعل قام الولد بما نصحته به واختفى ذلك الشخص الذى كان يدعوه للرذيلة، وعلينا أن نفرق بين إعطاء المعلومة والإثارة لأن الطفل لو استقى المعلومات من أصدقائه تكون كارثة أخرى، ولقد لاحظنا من خلال أبحاثنا ودراستنا أن الشذوذ ينتشر فى المجتمعات المغلقة أكثر بكثير من انتشاره فى المجتمعات المفتوحة، وأنا أؤكد على أهمية الاختلاط بين الأولاد والبنات فى الدراسة لأن وجود الفتيات فى الفصل يحجم الأطفال الذكور عن فعل بعض الأفعال أو التلفظ بألفاظ غير أخلاقية».
الحرمان العاطفي
وتقول الدكتورة نورا رشدى أستاذة الخدمة الاجتماعية:
طبعاً المسئولية مسئولية الأسر بالدرجة الأولى وأخطاء التربية، ولكن الكارثة كلها هى فى الحرمان العاطفى حيث لا يجد أغلب الشباب ما يتزوجون به ويعانون من البطالة والإحباط والتهميش، لذا فإننا نجد شباباً كثيرين يتحرشون بالأطفال ويقومون بالاعتداء عليهم نظراً لأنهم الطرف الأضعف فى المجتمع، ولأن الطفل لا يستطيع أن يحكى ما حدث له، وإذا ما وقعت هذه الكارثة لأى طفل فعلى الأهل التعامل معها، ويوجد علاج نفسى لدى الأطباء النفسيين، ولابد أن يعيد الأم والأب ثقة الطفل فى المجتمع حتى لا يترك ذلك الاعتداء أثراً على نفسيته، وأنا أناشد المسئولين بتدريس الثقافة الجنسية فى المدارس حتى لا يمارس الأطفال الجنس الخاطىء، وإلى أن تقرر وزارة التربية والتعليم تدريس ذلك فى المدارس فإن كل المسئولية تقع على الأب والأم، اللذين من الواجب أن يحذرا ابنتهما أو ابنهما من الوقوع فى فخ المتحرشين من الجنسين. ومع الأسف لا توجد أرقام أو إحصائيات تعرفنا إلى أى حد بلغت هذه الظاهرة فى المجتمع، لأن أية أسرة يتعرض فيها طفل للاغتصاب تخفى هذا الموضوع وتفضل عدم الإبلاغ عنه، نحن نواجه مشكلة فى كل أبحاثنا المتعلقة بهذا الموضوع لغياب المعلومات والأرقام الصحيحة، ولغياب من يتحدث عن المشكلة بصراحة.
الاغتصاب والعدوانية
ويؤكد الدكتور علاء كفافى أستاذ علم النفس بكلية التربية جامعة القاهرة أن العدوانية والاغتصاب وجهان لعملة واحدة، فلابد أن يكون المغتصب يعانى من الإحباط والتهميش وربما يكون قد تعرض للاغتصاب من قبل حتى لا يقوم هو باغتصاب طفل برىء، ويقول: من المتوقع أن تزيد حالات اغتصاب الأطفال فى السنين القادمة كلما ارتفعت نسبة البطالة وزاد عدد العاطلين عن العمل، والظاهرة سوف تنحسر إذا ما قمنا بعمل تنمية فى المجتمع ولكن هذا يتطلب خططاً طويلة الأجل من الحكومة، وهناك طبعاً علاج تأهيلى للطفل الذى يتم اغتصابه يستطيع القيام به الطبيب النفسى مع الأهل، ولكن كما نقول الوقاية خير من العلاج، فمن الواجب أن نوعى أولادنا بأجسادهم ونعلمهم كيفية الحفاظ عليها.
الفقه الإسلامي
وحدثنا د. عبدالمعطى بيومى الاستاذ بجامعة الأزهر عن دور الفقه الإسلامى فى هذه المسألة قائلاً:
الأمر الأول: أن الإسلام يزرع القيم الخلقية العالية فى نفسية الفرد منذ صغره، فيتعلم الصغير الإحسان إلى والديه وألا يتضجر منهما.
الأمر الثانى: أنه يعلم الولد والفتاة العلاقات مع الجنس الآخر، كما ينبغى أن تكون فى إطار من الأدب والخلق، فتتعلم البنت منذ صغرها الحيض والنفاس والاستحاضة، ويعلم الزوجين المعاشرة الراقية بأدب وبعبارات نبوية وقرآنية عالية السمو، وأنا ضد فكرة الثقافة الجنسية ومع تدريس الفقه الإسلامى، وسيعرف الولد الصغير العقاب الربانى لو خرج عن نطاق القرآن والسنة، ولا عجب أن نرى الفتيات والفتيان الذين يدرسون الفقه فى صغرهم لديهم وعى كبير .
ساحة النقاش