الواقع يؤكد ذلك:
حقوق المعاقين حبر على ورق
كتبا: سمر عيد - محمد الشريف
إن الناظر لحقوق المعاقين في الدساتير العربية وواقعهم المعاش يجد فرقاً شاسعاً، وهوة كبيرة يصعب جسرها فقد اتفق المشرعون علي وضع القوانين التي تكفل للمعاق ممارسة كافة حقوقه، لكنهم نسوا أن يضعوا الآلية القانونية التي تلزم الحكومات بتطبيق، وتفعيل تلك القوانين، مما عطل المعاقين كشريحة مجتمعية عن الانخراط في صنع مستقبل بلادهم وأثقلهم بأعباء فوق أعباء إعاقاتهم.
ومن هنا قررنا استعراض هذه الحقوق عبر الدساتير العربية وخاصة المصري لتقدم لواضعي الدستور المصري وثيقة استرشادية تضع نصب أعينهم عورات القوانين التي عجزت عن تحقيق المساواة لهم ودمجهم في الحياة كما نقدم بعض التوصيات آملين أن تكون محل الاهتمام عند كتابة دستور البلاد المنتظر
تنوعت حقوق المعاقين فى الدساتير العربية اتفقت فى أشياء وافترقت فى أخرى ونبدأ جولتنا مع الدستور المغربى الذى تناول الوقاية من الإعاقة وتشخيصها وعلاجها وتربية المعاق وتعليمه وتكوينه وتأهيله وإدماجه فى المجتمع على أنه واجب وطنى - وتلتزم الدولة بكل ما من شأنه أن يجنب المواطن المغربى الأسباب المؤدية للإعاقة المتمثلة فى الوقاية فى شتى مراحلها، وتشجع المجتمع المدني والدولة علي إقامة مراكز علاجية خاصة بالمعاقين . ومساندة أى مبادرة تصدر عن المنظمات والهيئات الدولية والوطنية التى تهدف إلى إنجاز مشاريع لصالح المعاقين بإمدادها بالدعم التقنى والمعنوى، وإنشاء صناعة وطنية متخصصة لإنتاج الآلات والأجهزة التى تخدم المعاقين.
وينص الدستور المغربى على حق المعاقين فى تلقى التعليم والتكوين المهنى فى مؤسسات ومراكز التعليم العادية إذا أمكن ذلك، كما طالب الدولة بإنشاء مؤسسات التربية والتعليم والتكوين المهنى الخاصة بهم مع مراعاة الظروف الخاصة بهم وتمكينهم من تسهيلات لضمان استفادتهم من الخدمات التى تقدمها تلك المؤسسات، ويشترط القانون أن يؤدى التكوين المهنى للمعاقين إلى تمكينهم من مباشرة نشاط اقتصادى يسمح لهم باستعمال مؤهلاتهم المهنية وإدماجهم فى المجتمع مع توفير التسهيلات اللازمة لإجراء الامتحانات، وتهتم الدولة برياضة المعاقين عن طريق إنشاء مراكز للتدريب وتكوين المدربين، وتخصيص منح للجمعيات التى تعنى بتلك الأنشطة.
ويستفيد آباء المعاقين العاملين بالقطاعين العام والخاص من منح التعويضات العائلية المخصصة لأبنائهم المعاقين، بغض النظر عن سنهم شريطة ألا يحصل آباؤهم على دخل كاف لسد احتياجاتهم.
وإلى جانب الامتيازات السابقة يمنح المعاق بطاقة تخول له أولوية الدخول لمكاتب الإدارة العمومية، وإمكانية تخفيض ثمن التذكرة بوسائل النقل العام ويتم الإعلان عن هذه الامتيازات عن طريق كتابتها داخل وسائل النقل والمرافق العامة، كما تمتد هذه الامتيازات للشخص المصاحب له باستمرار .
التونسي
يلي الدستور المغربى فى الحقوق التى يعطيها لفئة المعاقين، فى المجتمع نظيره التونسى حيث يتفق معه فى الامتيازات التى تعطيها بطاقة معاق لحاملها من أولوية الدخول للأماكن العامة ووسائل النقل العام، يضاف إلى ذلك أماكن الترفيه والتسلية، إلا أنه يحق لوزير الشئون الاجتماعية سحب البطاقة إذا ما تم استعمالها بشكل مفرط بصورة مؤقتة أو نهائية.
كما يعتبر القانون الوقاية من الإعاقة والكشف على المعاقين ومعالجتهم وتدريبهم وتكوينهم المهنى وتشغيلهم وإدماجهم الاجتماعى والاقتصادى مسئولية قومية تهدف إلى النهوض بالمعاق ورعايته رعاية تضمن إدماجه فى المجتمع أو إعادة إدماجه المهنى وحده إذا اقتضى الأمر بمساعدة اجتماعية تضمن له حياة عادية لائقة .
التربية والإدماج المهني
ويكفل القانون لوزارة الشئون الاجتماعية الحق فى إعطاء رخصة لفتح أى مركز تربوى للمعاقين سواء كان ذلك لمرحلة ما قبل الدراسة أو للمراحل الابتدائية أو الثانوية أو الجامعية أو للتأهيل، وتخضع هذه المراكز لمراقبة الوزارة.
وتقدم هذه الجهات مساعدتها لإنجاز البرامج التربوية وإدماج المعاقين مهنيا واجتماعيا، ويشترط القانون أن يؤدى التكوين المهنى للمعاقين إلى تمكينهم من مباشرة نشاط اقتصادى يسمح لهم باستعمال معلوماتهم ومؤهلاتهم المهنية بالتساوى مع الأصحاء كما يتفق القانون التونسى مع نظيره المغربى فى أن الإعاقة لا تمنع صاحبها من تولى مناصب إدارية فى مصالح حكومية أو خاصة بشرط عدم تعطيل سير العمل. ويتحمل نفقات العلاج والتداوى والأجهزة التعويضية ومصاريف إعادة التأهيل صندوق التضامن الاجتماعى بالنسبة لحامل بطاقات علاج مجانى، وماعداهم فيتحمله نظام التأمين .
اللبناني
يأتي الدستور اللبناني فى المركز الثالث فى الأهمية التى يوليها لفئة المعاقين بعد الدستورين المغربى والتونسى حيث يأتى فى مقدمته «المساواة فى الحقوق والواجبات بين جميع المواطنين دون تمييز، وأن كل اللبنانيين سواء أمام القانون، ولا يقل مواطن أهمية عن الآخر، ولكل مواطن الحق فى تولى الوظائف العامة لا ميزة لأحد على الآخر إلا من حيث الاستحقاق والكفاءة .
ويعطى القانون اللبنانى للمعاق بطاقة تعطيه نفس الامتيازات الواردة فى نظيريه التونسى والمغربى، كما ينص على ضرورة توفير بيئة مؤهلة للمعاقين، لذلك يشترط فى جميع الأبنية والمنشآت والمرافق العامة والخاصة المعدة للاستعمال العام أن تكون مواصفاتها الهندسية منطبقة مع المعايير الخاصة بحقوق الأشخاص المعاقين، كذلك على وزارة النقل أن تؤمن وسائل نقل مؤهلة ومعدة لاستعمال المعاقين ومجهزة بالمنبهات الصوتية للمكفوفين .
أما عن وسائل النقل العام فقد نص القانون على توفير مقاعد خاصة بنسبة مقعد واحد على الأقل فى كل وسيلة نقل عام ويلصق الشعار العالمى للمعاقين عليه ويكون بجوار المدخل .
الإماراتي
كفل دستور دولة الإمارات العربية المتحدة كل الحقوق الخاصة بالمعاقين بما فى ذلك حقوق العمل والرعاية والتأهيل، ويأتى هذا الاهتمام انطلاقا من تعاليم الدين الإسلامى الحنيف الذى يدعو إلى التعاون والأخذ بيد المحتاج إلى المساعدة والرعاية وتقدير ظروفه الخاصة فى مجال الحقوق الواجبات باعتبار أن الإسلام كرم الإنسان مهما كان وقد سبق بذلك كل المواثيق الدولية المتعلقة بالمعاقين، حيث نص الدستور الإماراتى على أن يشمل المجتمع برعايته الطفولة والأمومة، ويحمى القصّر وغيرهم من الأشخاص العاجزين عن رعاية أنفسهم لسبب من الأسباب كالمرض والعجز والشيخوخة أو البطالة الاجبارية ويتولى مساعدتهم وتأهيلهم لصالحهم وصالح المجتمع.
القانون الجزائري
يهتم القانون الجزائرى بحماية الأشخاص المعاقين وترقيتهم بمجموعة من الحقوق يستفيد منها هؤلاء بعد إثبات إعاقتهم.
وتتمثل هذه الحقوق فى - الحق فى التكافل الاجتماعى والإدارى والذى يعتمد على إطار تشريعى يتمحور حول الحق فى الاعتراف بصفة المعاق والحق فى التأمين الاجتماعى والحق فى المنح المالية التى يستفيد منها من ليس لهم دخل. بالإضافة إلى حق التكافل المؤسسى والمهنى والإدماج. ويؤكد الدستور الجزائرى أنه لايجوز إقصاء مترشح بسبب إعاقته من مسابقة أو اختبار مهنى يتيح له الالتحاق بوظيفة عامة أو غيرها إذا أقرت اللجنة المسئولة عدم تنافى إعاقته مع هذه الوظيفة، ومساواة العمال المعاقين ضمن نفس الشروط المطبقة مع العمال الآخرين، كما يفرض القانون على كل مستخدم أن يخصص نسبة 01ر% على الأقل من مناصب العمل للأشخاص المعاقين.
القانون المصري
عندما نتكلم عن حقوق المعاقين فى مصر فإننا بصدد الحديث عما يقرب من 8 ملايين مواطن مصرى محرومين من الخدمات، والحق فى العمل والحياة الكريمة وحقوق أخرى كثيرة، فلم يول الدستور المصرى هذه الفئة أى اهتمام سوى مادة تلزم الدولة بتعيين نسبة 5% من المعاقين فى وظائف الجهاز الإدارى للدولة. وقد وردت عدة مواد فى القانون المصرى العام لم تفعل بالشكل الكافى الرعاية الصحية لهم مثل ضمان الحماية الكاملة للطفل من كل عمل من شأنه الإضرار بصحته أو بنموه البدنى والعقلى، مع كامل حقه فى التمتع بالرعاية الخاصة اجتماعيا، صحيا ونفسيا، كما ألزم القانون وزارة الصحة باتخاذ الخطوات اللازمة للاكتشاف المبكر للإعاقة والتدخل العلاجى المبكر، وتقديم مجموعة من حملات التطعيم ضد الأمراض المؤدية إلى الإعاقة وهو ما يحتاج إلى متابعة فى التنفيذ .
أما عن حقوقهم فى العمل وشغل الوظائف المختلفة فى القطاع الخاص يفرض القانون على أصحاب الأعمال الذين يستخدمون خمسين عاملا فأكثر سواء كانوا يشتغلون فى مكان واحد أو أماكن متفرقة استخدام المعاقين الذين ترشحهم مكاتب القوى العاملة بنسبة 5% من مجموع العاملين فى الوحدة ويعاقب كل من يخالف هذا القانون بغرامة مائة جنيه والحبس لمدة لا تجاوز شهرا أو بإحدى العقوبتين.
العلم حق للجميع
ينص القانون المصرى على أن التعليم حق مكفول للجميع على السواء لا فرق بين مواطن وآخر.. وتلزم الدولة وزارة التربية والتعليم بفتح فصول التربية الخاصة بأنواعها المختلفة، وفصول ملحقة بمدارس التربية والتعليم هذا بالإضافة إلى تقديم وزارة التعليم العالى والبحث العلمى التسهيلات الخاصة بالمعاقين كقبول المعاقين الناجحين من الثانوية العامة إلى الجامعة بحد أدنى 50% من درجات الثانوية العامة بكليات الحقوق، الآداب- التجارة) كما تقوم بعمل مؤتمرات وبحوث علمية فى هذا الشأن.
أزمة ثلاثية الأبعاد
وتعلق د. فوزى عبدالستار علي أزمة المعاقين فى الدستور المصرى قائلة: المشكلة لا تكمن فى القوانين، حيث نصت القوانين على مواد تكفل حقوق هذه الفئة فى المجتمع، إنما هى أزمة ثلاثية الأبعاد ويشترك فى تضخيمها الحكومة وثقافة المجتمع وبعض المعاقين أنفسهم .. إلا أن جرم الدولة يبقى أبشع لأنها اقتصرت على وضع القوانين ولم تتكفل بتفعيلها وضمان تطبيقها . فأصبحت القوانين كالحبر على الورق فكل القوانين التى أصدرت بشأن المعاقين تفتقر إلى عنصر الالتزام، بمعنى أنه لايوجد جزاء جنائى أو إدارى عند إهمال الأعداد التى حددها القانون لتشغيل المعاقين فى القطاع الخاص فأصبح أصحابها يفضلون دفع الغرامة المالية التى لا تتجاوز مائة جنيه عن تشغيلهم.
وفى الجانب الحكومى نأسف بأن نجد هذه المواد غير مطبقة على أرض الواقع.
وعن حق العمل تضيف د. عبد الستار ، إذا كان القانون يراعى الفئة المستفيدة من القانون فإنه ملزم بخلق توازن بين العاملين ورب العمل ، ولما كان المعاق لا يستطيع تحقيق ما يحققه الإنسان السوى اشترط القانون عدد 50 عاملاً حتى لا يتضرر صاحب العمل ويعطل انتاجه.
وتنتقد عبد الستار سياسة وزارة التربية والتعليم بشأن إقامة فصول أو مدارس تهتم بتعليم ذوى الاحتياجات الخاصة قائلة : هناك نسبة لا تقل عن 32 % من معاقى مصر يجدون صعوبة فى حصولهم على فرصتهم فى التعليم نظراً لعدم وجود فصول أو مدارس للمعاقين فى منطقة إقامتهم أو قريبة منهم.
توصيات
توصى د. فوزية عبد الستار بعدة أمور لابد من أخذها فى الاعتبار خاصة ونحن يصدد وضع دستور جديد للبلاد وهى:
- وضع نص دستورى صريح خاص برعاية المعاقين صحياً وعلمياً ومهنياً، مع ضرورة وضع آليات تضمن تفعيلها فى المجتمع على الوجه الأكمل.
التأسى بقانون المحاربين القدامى بأولوية ذويهم فى الحصول على الوظائف الحكومية وتطبيق ذلك على المعاقين وذويهم.
- ضرورة التطرق إلى مشكلة المعاقين فى غياب مظلة التأمين الصحى التى تضمن لهم توفير الرعاية الصحية الخاصة ، حيث إن هناك الكثير منهم تتطلب حالتهم الصحية إنفاقا دائما أو نفقات ضخمة فى صورة دفعة واحدة أو علاجا اكثر تخصصا.
- ضرورة نهوض الإعلام بمسئوليته عن توعية المجتمع بحقوق هؤلاء الأفراد وكيفية التعامل معهم والعمل على اكتشاف الإعاقة مبكراً .
ساحة النقاش