أصحاب الفضيلة والمعالي المزيفون

كتب :محمد الحمامصي

 قتلى ومصابون في حرائق وطوابير خبز وسولار وأنبوبة غاز هنا وهناك على مستوى الجمهورية، لمواطنين أبرياء لا ناقة لهم ولا جمل، يكدون لمجرد الحصول علي لقمة عيش، نتيجة فوضى لا ندري هل هي مقصودة ومدبرة أم أنها نتيجة التخبط الحادث في إدارة شئون المصريين ومصالحهم على كافة المستويات والمجالات، إن تصعيد الأزمات والمشكلات التي تمس حياة المواطن المصري وتقض مضجعه بات أمرا خطرا أخشى ألا تحمد عقباه في ظل استمراره.

 يحدث ذلك في ظل تناحر سياسي للاستحواذ على السلطة بين مختلف الفصائل والتيارات والأحزاب، وخطابات تملأ البلاد من شمالها وجنوبها كل همها أن تؤكد وجودها وتدعم فرصها وأحقيتها في اعتلاء السلطة دون مراعاة أي نوع من الظروف التي تحيط بحركة المواطن المحبط والمتأزم.

 إن البرلمان مشغول بطموحات أفراده ومصالح أحزابه، تتنازعه الانقسامات والصراعات والاتهامات، كل يبحث عن دور يسيطر من خلاله، حتى ميدان التحرير رمز الثورة ومصدر الشرعية اختلف وجهه في مليونية تقرير المصير، لم يعد على قلب رجل واحد، تناهشته الـ "الأنا" وضاعت الـ "نحن"، وذلك بعد أن عادت إليه التيارات التي لعنته وسبته واتهمت ثواره بأفظع الاتهامات.

 ما أشبه الاضطراب الذي يعانيه المواطن المصري الآن بالاضطراب الذي كان يعانيه قرب قيام ثورة 25 يناير، لكنه هذه المرة ـ أقصد المواطن ـ لا يدري ماذا يفعل بعد أن رأى ثورته تنهار وركام انهيارها يضبب كل شيء حوله، هل انفض مولد "الثورة" وخرج هو منه بلا "حمص" بلا آمال أو طموحات أو أحلام؟.

 لا أعتقد أن أحدا من المسئولين أو المتنازعين على السلطة يمر بالشارع المصري ليرى ما يجري فيه ويقرأ تحولاته التي تشكل الأسوأ في تاريخه الحديث، مكتفياً بخطابه عبر شاشات التليفزيون وصفحات الجرائد، لا فرق بينهم وبين ما كان يفعله مسئولو نظام الرئيس المخلوع، هم في واد والشعب في واد آخر، نظام يقتات على احتقان الشعب وأزماته.

 إذا كان المواطن في ذيل اهتمامات البرلمان والميدان فماذا يرتجى من الحكومة؟ إن صرخات المحتجين والمضربين تملأ الآفاق جنبا إلى جنب صرخات الباحثين عن كرسي الرئاسة والحكومة والوزارة، لتتعقد الأمور وتزداد سوءا وتصبح فرص النجاة من الغرق ضئيلة ما لم يفق الجميع ويتنبه إلى أن الخطر بات محدقا بالجميع.

 كل هذا "كوم" واللجوء إلى الدين واستثماره في الخديعة والنصب لتحقيق أهواء ومصالح زائفة ومغرضة "كوم" آخر، شخصيا سئمت من هؤلاء أصحاب اللحي الذين يطلقون على أنفسهم "شيوخ وعلماء دين" وهم أبعد مما يظنون عن صحيح الدين ورسالته العظيمة، لقد نزلت الرسالات السماوية من أجل العدالة والحرية والكرامة والعزة وتوفير الأمن والأمان للناس وليس لاستخدامها لذبحهم والتنكيل بلقمة عيشهم واستغلال فقرهم وبساطتهم من أجل السلطة والنفوذ.

 إن هؤلاء الذين يخرجون علينا بلحاهم واعظين أقل واحد منهم يملك ثروة طائلة ويعيش متنعماً في شقق أو فيلات كالقصور ويركبون العربات الفارهة، في حين يعلمون أن الأغلبية ممن يخاطبونهم متلاعبون بعقولهم وأفئدتهم لا يكادون يملكون أقوات يومهم، وأن أحد من هؤلاء لم يجرأ على قول كلمة حق عند سلطان جائر حكم مصر واستباح مقدراتها ثلاثين عاما، سنوات طوال لم نر من تلك اللحى كلمة مطالبة بالعدالة الاجتماعية لهذا الشعب.

 هل تذكرون موقف هؤلاء يوم خرج الثوار رافعين شعار "لا للإعلان الدستوري"، ومطالبين بـ "الدستور أولا" تكالبت اللحى عليهم باللعنات، وشن خطباؤهم بالمساجد التي يديرونها وما أكثرها حملة شعواء على الثوار منكلين بهم وبنواياهم ووصل الأمر إلى الطعن في عقيدتهم وانتمائهم وولائهم، واليوم عندما تعارضت بعض مواد الإعلان مع مصالحهم ملأوا ميدان التحرير، لم يملأوه حين قتل شباب الألتراس في استاد بورسعيد ويوم قتل من قتل في شارع محمد محمود ويوم سحلت الفتاة في الميدان، لم يفعلوا ذلك لأن الشعب بالنسبة لهم مجرد قطيع يسوقونه بآية قرآنية وحديث نبوي شريف.

 إنني حزين أن يتحول الشعب المصري إلى قطيع تحركه أهواء ومصالح، حزين ألا أرى قيادة تسعى للدفاع عن أمنه وأمانه وسلامه واستقراره، قيادة تقاتل من أجل حماية روحه لا من أجل هوى شخصي، قيادة تعتز به صدقاً وحقاً وليس رياءً من أجل سلطة زائلة

المصدر: مجلة حواء -محمد الحمامصي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 421 مشاهدة

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,743,555

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز