تعليم مختل وتهويل مقصود
امتحـاناتك يـا مصـر
كتبت :نجلاء ابوزيد
«ربنا يعدي الأيام دي علي خير».. عبارة أسمعها في كل مكان أتواجد فيه، حيث يرددها كل من لديه أبناء في مدارس ويستعدون للامتحانات، يرددها معرباً عن قلقه في ظل الظروف الضاغطة والعصيبة التي يعيشها المجتمع المصري كافة، بسبب الانفلات الاقتصادي والسياسي، والأمني أيضا والعودة إلى دوامة المظاهرات المليونية.
حول مخاوف الامتحانات والظروف الاجتماعية المحيطة وانعكاساتها علي الحياة اليومية للأسرة المصرية كان هذا التحقيق..
البداية مع الأستاذ عادل عوض - موظف - حيث رأى أنه بانتهاء إجازة شم النسيم بدأت حالة الطوارئ فى البيت، حيث تزداد الدروس الخصوصية ويبدأ التأخر فى المواعيد، وبمجرد حضورى من عملى أبدأ فى العمل كسائق لأوصل أولادى «السنتر» كل واحد فى ميعاده بالضبط حتى لايضيع أى وقت، وعلى الرغم من أنى قليل التدخين فإننى فى فترة الامتحانات لا أتوقف عن السجائر والتدخين، وزوجتى ربنا يكون فى عونها لا تنام حتى تجلس مع الأولاد وتحقق لهم رغباتهم من المأكولات والمشروبات لتحفزهم وأضاف: هذه السنة قلقنا أكبر، خوفاً مما قد يحدث بسبب صراع انتخابات الرئاسة، لدرجة أننى أنوى أخذ إجازة فى فترة الامتحانات لأقف لأولادى على باب المدرسة لأوصلهم بنفسى، يكفينا قلق الامتحانات ولاداعى لأى قلق ثانِِ.
وأكدت السيدة عفاف السيد - موظفة - أن نظام التعليم كله فاشل، وكأنه يسعى لحرق أعصاب الأهل وشغلهم طوال الوقت، فلا يفكرون إلا فى كيفية نجاح أبنائهم، وقد تأكدت من ذلك عندما رأيت أولاد شقيقتى وهم يعيشون فى دولة عربية وتمر فترة الامتحانات بسلاسة وكأنها شىء عادى، أما نحن فطوال العام نلهث وراء المدرسين من أجل الدروس الخصوصية، لأن المدرسة لا تقوم بأى دور تعليمى سوى أنها المكان المعتمد للامتحانات والدرجات.
تتفق مع الرأى السابق نشوى فهيم - مدرسة رسم- قائلة: أعمل فى مجال التدريس، لذا فخوفى على أولادى فى فترة الامتحانات أكثر لأننى أتمنى أن يجتازوها بنجاح، ولأن الأولاد دائما يهتمون بأشياء كثيرة فى حين تأتى المذاكرة فى ذيل القائمة، لذا يجب أن أدفعهم للمذاكرة بكل الوسائل، كأن أعدهم بالمكافآت أو الحرمان من المصيف، أى شىء يجعلهم يفتحون الكتب لدرجة أننى مرضت فى إحدى السنوات وتقرر أن أجرى عملية فى المرارة، لكننى أجلتها خوفاً على أولادى من أن تضيع عليهم السنة، فالامتحانات فترة طوارئ من غير قانون، فكلنا نخاف على مستقبل أولادنا، نشعر أن مسئوليتنا مساعدتهم، لذا لا للزيارات والخروج والمجاملات.
وحول الظروف التى تحيط بالمدرسين فى تلك الفترة، قال فرج حمدى -مدرس رياضيات- إن نهاية السنة الدراسية هى فترة الموسمم، فالأمور بالنسبة لنا تكون صعبة جداً، وتكون المواعيد كلها مشغولة لأننا نحاول إنهاء المناهج وعمل اختبارات تقييمية ورصد المشاكل عند كل طالب ثم علاجها، لأن الأهل يعتقدون أنه طالما يأخذ ابنهم درساً فيجب أن ينجح، ومدرس المادة هو المسئول، وكأننى مفروض أن أذهب معه للبيت لأذاكر له، فللأسف نسبة كبيرة من الأهالى تعتقد أنها تشترى النجاح بالفلوس، لدرجة أن أحدهم يطلب منى إعطاء ابنه أكثر من حصة فى اليوم حتى يفهم، وعندما أخبره أن حصة واحدة تكفى ليركز فى بقية المواد، يعتقد أننى أريد زيادة أجرى، وعكس ما يعتقد الكثيرون فى فترة الامتحانات، فعلى الرغم مما نحققه خلالها من مكاسب مادية، فهذا يأتى على حساب صحتنا، وعادة أنفق مبالغ كبيرة على الأطباء لعلاجى من الضغط والإرهاق، وإذا تغير نظام التعليم كله سنكون نحن أكثر الناس سعادة لأننا بشر ونتعب جداً مما نفعله لكنها الظروف !
نظام الامتحانات
وإذا كانت هذه هى معاناة الأهالى وتجارب المدرسين مع أيام الامتحانات أو «الموسم» كما يطلقون عليه، فإن للمتخصصين رأيهم فى نظام الامتحانات وكيفية أجتياز هذه الفترة الصعبة، يقول د. أحمد عيسى -أستاذ الدراسات التربوية بجامعة القاهرة- أن نظام الامتحانات المعتمد بشكل أساسى على الورقة والقلم، يخلق حالة من القلق والتوتر غير الطبيعى، والتى تؤدى إلى البحث عن وسائل غير مشروعة لاجتياز الامتحان كالغش بدلاً من الاجتهاد فى المذاكرة، فالقلق الطبيعى السابق لأى امتحان أو اختبار فى حياة الإنسان يدفعه عادة لمزيد من التركيز والأستذكار، لكن فى مصر بالذات القلق غير عادى وغير طبيعى وغير مماثل لأى بلد آخر، فالامتحانات فى مصر خاصة فى الشهادات وعلى رأسها الثانوية العامة، مسألة حياة أو موت، ما يشكل ضغطاً غير طبيعى، والدليل على ذلك عبارة يوم الامتحان يكرم المرء أو يهان، فى حين أن الامتحان هو اختبار للمستوى فى التحصيل والمهارات المختلفة وإذا توافرت وسائل كثيرة لقياس المهارات ما كان كل هذا الرعب من الامتحان باعتباره الوسيلة الوحيدة للوصول لبر الأمان. وأكد أنه كلما زادت الوسائل التقييمية زادت الفرص المتاحة وشعرت الأسرة بالهدوء النفسى، والطالب بالقدرة على التحصيل والتركيز.
وختم حديثه ناصحاً بضرورة الاعتماد على التكنولوجيا فى تطوير العملية التعليمية، وتقسيم الدرجات على مدار العام على السلوك والانتظام الدراسى والاختبارات الشفهية والعملية، ثم أخيراً امتحان الورقة والقلم مع ضرورة توفير المدرس الكفء القادر على التقييم السليم دون مصالح شخصية.
طوارئ أسرة
أما د. إجلال حلمى -أستاذة علم الاجتماع جامعة عين شمس- فترى أن: الأسرة المصرية تهتم جداً بفترة الامتحانات وترى أن التعليم من أهم الوسائل لتحسين المستقبل، ويتجسد ذلك فى عبارة كل أب «أتمنى أن يصبح ابنى أفضل منى» ولأن تحصيل الدرجات هو السبيل الوحيد، فهم يرفعون حالة الطورائ خلال فترة الامتحانات لتوفير قدر أعلى من التركيز، وتزداد معدلات الدروس الخصوصية وتمنع الزيارات العائلية أو حضور المناسبات، بل تكاد بعض الأسر تحارب الإصابة بالأمراض، حيث تقوم بعض الأمهات بإعطاء فيتامينات لأبنائها لزيادة المناعة خلال هذه الفترة، وتتبارى الأسر فى تبادل المعلومات حول كيفية تحقيق أعلى الدرجات، فإذا وجدت ابن الجيران لا يخرج تجبر ابنها على عدم الخروج، وتعطيه الدرس عند نفس المدرس الذى ساعد ابن أحد الأقارب فى الحصول على مجموع عال دون مراعاة للفروق الشخصية والمهارات، ويصل الأمر لمشاجرات بين الأب والأم حول المسئولية عن إلزام الابن بالاستذكار لتحصيل أعلى الدرجات، وكل هذه الأمور تؤثر سلباً وربما تكون الأسرة معذورة لأن هذا النظام هو السائد فى المجتمع كله، لكن عادة ينعكس سلباً على الأبناء.
وأضافت أن الامتحانات هذا العام تأتى وسط حالة من القلق والخوف لانعدام الحضور الأمنى مما يزيد الضغوط على الأسر بين تأمين المدارس خلال الامتحانات، وتحصيل أعلى الدرجات، وهنا يجب على كل أسرة عدم الضغط المباشر وتهيئة مناخ هادئ للأبناء مع منحهم قدراً من الثقة لاجتياز هذه الفترة دون مشاكل اجتماعية أو نفسية.
فترة صعبة
ورأى د. محمد أحمد عويضة -أستاذ الطب النفسى بطب الأزهر- أن كل الطلاب الذين يؤدون الامتحان فى هذه الفترة هم أبطال يجب عدم الإثقال النفسى عليهم، لأنهم يمتحنون فى فترة من أصعب الفترات، فالحديث عن الرئيس القادم والأزمات المختلفة التى تمر بها البلاد والمستقبل الغامض الذى ينتظرهم، يوثر على درجة تركيزهم، ويكفى أن الأسرة بعد أن كانت تهتم بالتأكيد عليهم بالتركيز فى الامتحان وقراءة الأسئلة، توصيهم على أنفسهم، وقد يذهب الوالد بنفسه مع ابنه للامتحان خوفاً عليه من أى شىء قد يتعرض له فى الطريق، وكل هذه المخاوف تؤثر بشكل لا شعورى على درجة تركيز الطالب.
وأضاف: أن الطالب المصرى اعتاد الامتحان فى جو من الخوف والتوتر غير المبررين والذى يصل بالبعض للإصابة بأمراض عضوية تجعلهم عاجزين فى الذهاب إلى الامتحان، والبعض قد ينسى ما ذاكره أو يصاب بحالة انهيار عصبى قبل الامتحان، لذا يجب أن ينتبه كل أب وأم لما يمارسونه من ضغوط على أبنائهم وما تسببه من آثار سلبية على نفسيتهم، ولذلك عليهم أن يوفروا مناخاً جيداً، وإذا كانت منظومة التعليم كلها مصابة بالخلل فيجب ألا تدفعنا لإصابة الإنسان نفسه بعدم الثقة والتوتر، يجب أن نطمئنهم وألا نجعل الامتحانات تحكم حياتنا لأن هذا غير طبيعى، وغير سوى، ويجب أن ندير حياتنا لا أن نسمح للآخرين من واضعى سياسات التعليم الخاطئة التحكم فى مصائرنا
ساحة النقاش