مصيرهن الطرد أو الاتهام بالسرقة
البـائعـات بضاعة فى سوق الاستغلال
كتبت :نجلاء ابوزيد
تواجه بائعات المحال مجموعة معقدة من العقبات وأحيانا التعسف غير المبرر من أرباب الأعمال، الذين يستغلون حاجتهم وقلة فرص العمل مستندين على قدرتهم غير المحدودة على طرد من يشاءون وقتما يشاءون فى ظل غياب القانون أو التحايل عليه.
وزاد معاناة هذه الفئة التى ينتمى أغلبها إلي فئة أصحاب الشهادات المتوسطة، مزاحمة أصحاب المؤهلات العليا فى شغل هذه الوظائف.
لتقع البائعة فريسة لإهدار الحقوق، والبطالة طالت الجميع خاصة فى ظل غياب رقابة حقيقية من وزارات القوي العاملة والتأمينات.
وأخيراً تحرك الماء الراكد وبدأ البحث عن كيان شرعى يضم هذه الفئة بمحاولات لإنشاء نقابة للباعة الجائلين .. فإلى أى مدى يستطيع هذا الكيان الوليد وضع حد لمعاناة تلك الفئة ؟!
ولنبدأ مع رشا محمد - بائعة - على «قاسم أمين» قائلة :
منك لله يا قاسم يا أمين مضيفة: أنهيت دراستى فى كلية الآداب وتحمل أهلى الكثير كى أتخرج، على أمل أن أصبح مدرسة محترمة، ولكن لأننى لا أملك «واسطة» انتهى بى الحال فى محل لبيع الإكسسورات الذى أفتحه فى التاسعة صباحا ثم وأكنسه لأبدأ البيع للزبائن واتحمل فوق طاقتى سخافات المشترين حتى لا تغضب منى زبونة وتشكونى وليتم طردى، وفى نهاية اليوم وبعد كل هذه المعاناة أرتب البضاعة وأغلقه.
حلمت بالكثير لكن الواقع لم ينصفنى وللأسف لا أمان نستند إليه فى عملنا، فإذا غضب منى صاحب المحل أو مرضت أو عطلنى أى ظرف سيحضر صاحب العمل غيرى بكل سهولة!
شكاوي
«الباب مفتوح أشهر عبارات أصحاب العمل فى كل الأماكن» هكذا بدأت فاطمة يوسف -بائعة- حديثها وقالت: بعد حصولى على دبلوم التجارة عملت فى محلات لبيع الملابس والأدوات المنزلية ولعب أطفال والمكتبات، وكلما اختلفت مع صاحب العمل يطردنى وأحيانا لا يعطينى باقى مستحقاتى أو يهددنى باتهامى بالسرقة إذا علا صوتى أو يقطع رجلى من المنطقة كلها، وقد تقدمت بعدة شكاوى لمكتب العمل بسبب أمور عانيت منها فى أماكن كثيرة، لكن لا يهتم بها أحد وقد زادت معاناتنا وقلت فرص عملنا بعد منافسة خريجات الجامعة لنا فى سوق العمل لأن أصحاب المحلات يفضلون الجامعية للتباهى.
باب الله !
الحاجة أم على - بائعة سمك فى منطقة الساحل - تتحدث قائلة : يصطاد زوجى السمك بنفسه ثم أحمله لأبيعه بين الزبائن الذين يعرفوننى لأواجه بالفصال المرهق منهم فلا أحد يقدر مجهودنا أو يدرك أننا نبيع يوماً ونتوقف عشرة ولا يهتم أحد بالسؤال عن أوضاعنا أو ما نحتاجه.
إذا مرضت أنا أو زوجى أذهب للمستشفى الحكومى وبالطبع لا تأمين يوفر لنا التكاليف، وتتوقف تجارتنا لنعود لنستأنفها عندما تتحسن صحتنا . أتمنى أن تهتم بنا وزارة الشئون أو يعرفوا أحوالنا لكن دون أن يأخذوا منا ضرائب، فنحن لا نكسب إلا ما يكفى طعامنا اليومى.
حقوق مهدرة
تختلف القصص لكن تتفق المعاناة، وبحثا عن السبيل للتعامل مع مشكلتهن تحدثنا مع المهتمات بقضايا الفئات المهمشة..
البداية كانت مع نجوى عباس -عضوة الهيئة التأسيسية للتحالف الشعبى الاشتراكى وعضوة اللجنة الشعبية للدفاع عن الثورة - حيث قالت : بدأ اهتمامى من خلال احتكاكى بالفئات المهمشة والباعة الجائلين بشكل عام، وقد جهزت معهم لإنشاء أول نقابة مستقلة للباعة الجائلين، لكن ما إن تقدمنا لوزارة القوى العاملة إلا وبدأنا فى الروتين الحكومى وهنا يجب التأكيد على أن تلك الفئة ما هم إلا أفراد يبحثون عن الرزق الحلال ويجب مساعدتهم حتى لا يتحولوا مجرمين يهاجمون المجتمع الذى منعهم أرزاقهم . وبعد أن وجدنا أن الباعة الجائلين متحمسون بدأنا الآن فى تجميع العاملين فى المتاجر وغيرها من الأماكن التى تهدر حقوقهم فيها، وبناء على طلب أحد هؤلاء العاملين من إحدى المهتمات بالبائعين بضرورة الاهتمام بهم وعدم الاقتصار على الجائلين فقط، لأن البائعين والبائعات فى المحلات يعانون أيضاً، وعندما تكتمل الأعداد ستكون هناك نقابة للباعة لأن تجمعهم هو السبيل الأول لمطالبتهم بحقوقهم بصوت مسموع خاصة وأننا سمعنا منهم مهازل، فالبعض يوقع على إيصالات أمانة قبل استلام العمل تستخدم ضده فى أى وقت، والبعض يطرد دون أخذ حقوقه أو إبلاغه بوقت كاف للبحث عن عمل آخر، وإذا كانت نقابة الباعة الجائلين على وشك الإعلان فإن نقابة الباعة فى السوبر ماركت والمحلات مازالت فى مراحلها الأولى ونتمنى أن ينضم لها الكثيرون..
رابطة العاملات
وتلتقط الحديث د. كاميليا شكرى - مساعدة رئيس حزب الوفد.. عميدة معهد الدراسات السياسية - قائلة : البائعات فى المحلات يعملن لفترات طويلة وتحت ظروف غير منصفة ولا يملكن أية حقوق تجاه صاحب العمل، ويرجع ذلك بالدرجة الأولى لقلة فرص العمل المتاحة للإناث مقارنة بالذكور وقصر بعض الوظائف على الذكور مع تدهور الأحوال الاقتصادية، ما يجعل هؤلاء يقبلن بأى شروط تفرض عليهن، ومنها العمل من التاسعة صباحاً وحتى الحادية عشرة مساء، فى ظروف صعبة وفى ظل غياب الرقابة اللازمة من المختصين بالتأمينات، فإن أصحاب العمل لا يهتمون بعمل تأمين إلا لعاملة واحدة، والباقيات حتى وإن اشتكين لا يحصلن على أية حقوق ، لذا يجب أن يتم حشدهن فى رابطة على أن يتولى أحد المحامين تنظيم هذه الرابطة ثم المطالبة بالحقوق فالتجمع يساعد على الضغط بعكس المطالبات الفردية التى لا يعبأ بها أحد فهذه الفئات المهمشة تشكل نسبة كبيرة من العاملات فى مصر وحشدهن يساعد فى وضعهن تحت مظلة تأمين صحى واجتماعى.
الطبقية!!
أما وفاء المصرى المحامية والناشطة فى مجال حقوق العمال فتقول : الوضع القانونى لفئة البائعات لا يختلف عن عمال التراحيل أو العاملات فى المنازل، فهو لم يقنن منذ أكثر من 50 سنة ويتم التعامل معهم بشكل طبقى، ومكتب العمل لم يهتم بهن أو الدفاع عن حقوقهن بالرغم من أن عدد البائعات لا يقل فى الإحصائىات الرسمية عن مائتى ألف أو 300 ألف ولم يهتم اتحاد العمال السابق بدراسة أوضاعهن أو تقنينها لأنه لم يكن يعبر عن العمال اساساً، أما الآن فى ظل اتحاد عمال مستقل ونقابات عمالية حقيقية أعتقد أن هناك أملاً لهذه الفئة لأنه فى كل دول العالم حتى أكثرها رأسمالية هناك حقوق واضحة لأى عامل سواء كان يعمل فى القطاع الحكومى أو الخاص من منطلق حقوقه كإنسان . ونحن كجمعيات مهتمة بالفئات المهمة من النساء، حاولنا التقدم بمشروع قانون لوضع حماية لحقوق العاملات المهمشات فى مختلف قطاعات الأعمال قبل صدور قانون العمل الأخير إلا أنه لم يلتفت لنا . لكن بعد الثورة سيكون الحفاظ على حقوق هذه الفئة المهمشة من أولوياتنا وسنحقق الضغط اللازم لإقرار قوانين تجبر أصحاب الأعمال على توفير حقوق واضحة وملائمة للبائعات وغيرهن من الفئات المهمشة .
وأكدت: إن على الإعلام دور حقيقى فى ممارسة ضغط إعلامى شعبى للتنبيه بخطورة إهمال هذه الفئات المهمشة على المجتمع أجمع، لأن استقرارها جزء من استقرار المجتمع.
نظرة المجتمع
أما د. مديحة الصفتى - أستاذة علم الاجتماع - فتتحدث عن نظرة المجتمع للبائعة قائلة: البائعة من الفئات المهمشة فى المجتمع المصرى وتعانى بشكل حقيقى، وبالرغم من الاعتماد الكامل عليهن فى الأنشطة التجارية لضعف مرتباتهن، إلا أن المجتمع مازال ينظر لهذه الفئة نظرة متدنية ويراها فئة سهلة من النساء دون أن يدرك أنهن يعلن نسبة كبيرة من الأسر، وأزمة البائعة الحقيقية ترتبط بنظرة الزبائن لها والتى تختلف بين البائعة فى السوق وبين البائعة فى المحلات، وربما لأن معظم بائعات الأسواق لا يحظين بأى قدر من التعليم فيعتمد بيعهن على الفصال ولا يلقين بالا لنظرة الزبون، بعكس الحال فى المحلات فمعظم العاملات فى سن الشباب وقد يتعرضن لمعاكسات أو تكبر وغطرسة من البعض ما يجرح مشاعرهن ويهين آدميتهن، لذا وجب مراعاة معاملة الجمهور للبائعة. واعتقد أن المناخ العام بعد الثورة يقدر الفئات الكادحة وربما يغير النظرة العامة فى التعامل مع البائعة، ويجب على وزارة العمل حماية البائعين والبائعات وضمان حقوقهم لدى أصحاب العمل.
ساحة النقاش