السعودية .. مصر .. من المسئول ؟

كتب : محمد الحمامصي

هل قمنا بالثورة لكي نحصل على حرية "القباحة" و"الوقاحة" و"التطاول" و"الشتم والسب" و"رفع الأحذية" و"البلطجة" و"التعريض بالحرمات" و"الانتهاك"؟ الإجابة إنني لا أظن أن أحدا ممن خرج في 25 يناير 2011 حتى 11 فبراير يوم تنحي مبارك حمل هذه الأخلاق التي نراها اليوم تجتاح كل رد فعل على قضية أو أزمة.

لم تقم الثورة العظيمة كما شاركنا فيها ورآها العالم أجمع لتهدم سلوك وأخلاق ومبادئ الشعب المصري وتفقده صوابه وحكمته، بل قامت لتحرره من تلك الآفات التي كانت قد بدأت تنخر في جسده، وتفرغه من مقوماته التاريخية التي تقوم على احترام الآخر.

إن الصور والأخبار التي تناقلتها الصحف ووكالات الأنباء والمواقع الإلكترونية وتعليقات القراء عليها خلال الأشهر القليلة الماضية، وذلك جنبا إلى جنب صراعات الأحزاب والقوى السياسية، تكشف عن انهيار قيمي صارخ بات يجتاح المجتمع المصري لا يحترم الكبير ولا يقدر ضعف الصغير، ينتهك ولا يحمي، يفضح ولا يستر، ويطال الجميع مواطنا ومسئولا إلا من رحم ربي. لقد بدا واضحا في أحداث السفارة السعودية بالقاهرة، ردا على القبض على المحامي أحمد الجيزاوي، أن أمرا يحدث بالغ الخطورة شكلا ومضمونا ويسئ لمصر وشعبها ليس في علاقتهما مع السعودية وشعبها فحسب ـ وهي علاقة شئنا أم أبينا تاريخية وروحية ـ ولكن مع كل دول وشعوب العالم. فالسفارات تمثل الدول، وإهانتها أو إهانة رؤساء الدول أو ملوكها أمامها إهانة لمصر وشعبها قبل أن يكون إهانة لهذه الدولة أو تلك أو هذا الملك أو ذاك الرئيس. ولنتحدث بصراحة هل يقبل مصري أن تتعرض سفارة بلاده أو رئيسه أو رئيس وزرائه أو وزيره أو مسئول بسيط ـ حتى لو كان يكرهه ويتمنى زواله ـ للإهانة وأن يعلن ذلك أمام سفارة بلاده في أي دولة في العالم، حتى لو قلنا إن هؤلاء الذين أهانوا السعودية وملكها الملك عبد الله بن عبد العزيز آل سعود أمام سفارة بلاده في قلب مصر، هم قلة لا يمثلون الشعب المصري ولا يعبرون عن رأيه، لن يصدقنا أحد بل ستعتبرننا الشعوب ساذجين.

إن هذه السلوكيات الفجة وغير المسئولة تكشف عن حجم التردي الذي وصلنا إليه، ويحمل استمرارها نتائج كارثية، ليس على علاقات مصر الخارجية العربية خاصة، ولكن أيضا على المستوى الداخلي حيث تجاوزت العلاقات بين الناس بعضها البعض كل المحذورات قولا وسلوكا وفعلا.

لم تقدر هذه القلة حجم ما ارتكبته من حماقة وأن هذه الحماقة قد تلقي بظلال سيئة على ملايين المصريين ممن يعملون في دول مجلس التعاون الخليجي، منها ما يتجاوز 3 مليون في المملكة العربية السعودية وحدها، أعرف أن أخلاق الحكام في السعودية ودول الخليج وشعوبها لن تدفعهم للانتقام الفج، ولكن لماذا نسئ إلى قيادة وشعب شقيق هذه الإساءة التي بدت كأنها مقصودة أو مغرضة أو مبيتة بغرض الوقيعة وليس نتيجة حماقة أو فوضى أو قلة وعي.

إن مما يؤسف له أن هذه ليست المرة الأولى التي تتجرأ فيها قلة بالاعتداء على الأشقاء العرب والتعريض بهم، فمن قبل تم اقتحام مكاتب أبوظبي للإعلام بالقاهرة، ثم قام المتحدث باسم الإخوان المسلمين ليهدد الإمارات بسبب الشيخ يوسف القرضاوي، وللأسف لم يتخذ أحد إجراء ضد ذلك، وهكذا يتصاعد الأمر لينتهي إلى تهديد حرمة سفارة دولة شقيقة وفقا للقانون الدولي تعتبر أرضا سعودية.

إن الثورة المصرية قامت لتعزيز بنيان مصر العربي والإقليمي والعالمي ولم تقم لهدمه، هذا البنيان الذي يرتكز على حفظ حقوق الشقيق ومساندته في الشدائد ودفع المكروه عنه وحمايته من مكائد المتربصين بنا وبه.

من أحمّله مسئولية ما حدث، مسئولية ما حدث وما ترتب عليه من نتائج ممثلة في إغلاق السعودية لسفارتها وقنصلياتها في مصر واستدعاء السفير؟ برأيي الجميع مسئول والجميع لابد أن يساءل، الكبير قبل الصغير، إذ كان لابد للخارجية المصرية أن تقوم بدورها في تقصي حقيقة القضية وأن تصدر بيانات تتابع فيها مجرياتها سواء بالإدانة أو تبرئة مواطنها، ومن ثم الدفاع عنه بكافة السبل القانونية المشروعة، لا أن تترك الأمر للإعلام يتلاعب بالعقول والأفئدة فتبدو الدولة المصرية كلها قيادة وحكومة مقصرة مما يدفع البعض للدفاع بنفسه، وكأننا في غابة، إن ترك الأمور للفوضى يصلح "لعبة" داخلية وشأنا خاصا، أما أن تترك أمور العلاقات الخارجية لمصر للفوضى وعبث البعض فهذا خط أحمر لا ينبغي السكوت عليه.

وعلى الجانب الآخر أيضا تتحمل السلطات السعودية جزءا من تبعات الموقف كونها لم تتعامل مع الأمر بوضوح أكبر، واعتبرت القضية المفترض بها أن تكون جنائية على أنها تدخل سافر في شئونها، واتخذت موقفا رسميا حادا بإغلاق سفارتها وقنصلياتها وسحب سفيرها بدلا من تشكيل لجنة تقوم على أساس من الإخوة التي تفرضها العلاقات التاريخية بين البلدين، ليقف الجميع على حقيقة الأمر.

وأخيرا وليس آخرا لابد أن أؤكد أن الثورة المصرية وصناعها الوطنيين المخلصين الشرفاء براء من الفوضى التي تجتاح مصر داخليا وخارجيا، وأن المسئولين عن ذلك يعرفون أنفسهم ويعرفهم الشعب المصري كله .

المصدر: مجلة حواء- محمد الحمامصي
  • Currently 0/5 Stars.
  • 1 2 3 4 5
0 تصويتات / 479 مشاهدة
نشرت فى 2 مايو 2012 بواسطة hawaamagazine

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,975,224

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز