للـراعى والرعية:

اصلاح الحال ليس من المحال

كتبت :أمل مبروك

مرت الأمة الإسلامية بثلاث مراحل متباينة ومتفاوتة ، وهي: مرحلة الخيرية والصفوية التى تمثل خلافة النبوة، ومدتها ثلاثون سنة .. وعنها قال تعالى: "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ باللهِ" ، وقال صلى الله عليه وسلم: "خيركم قرني، ثم الذين يلونهم، ثم الذين يلونهم"، قال عمران: فما أدري قال النبي صلى الله عليه وسلم مرتين أوثلاثة، "ثم يكون بعدهم قوم يشهدون ولا يُستشهدون، ويخوّنون ولا يؤتمنون، وينذرون ولا يوفون ".

ثم مرحلة الخلط التى تمتد من بعد خلافة النبوة إلى سقوط الدولة العثمانية في 1925م ، وهي متفاوتة تفاوتاً كبيراً، في حال الناس رعاة ورعية، ففي عهد الدولة الأموية كان الحال أفضل وأصلح لقرب عهدهم بخلافة النبوة، وكذلك حال العصر العباسي الأول يختلف عن حال العصر التالي، وهكذا.

ثم مرحلة الغثاء التى تبدأ من بعد سقوط الدولة العثمانية ، وهي المرحلة التي نعيشها الآن حيث أخل كل من الرعاة والرعية وعلماء الدين بواجباتهم ، إلا من رحم الله .

هذه المراحل الثلاث تدل على صدق نبوءة رسولنا صلى الله عليه وسلم، فعن حذيفة رضي الله عنه قال: "كان الناس يسألون رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الخير وكنت أسأله عن الشر مخافة أن يدركني، فقلت: يا رسول الله، إنا كنا في جاهلية وشر، فجاءنا الله بهذا الخير، فهل بعد هذا الخير من شر؟ قال: نعم. قلت: وهل بعد ذلك الشر من خير؟ قال: نعم، وفيه دخن. قلت: وما دخنه؟ قال: قوم يهدون بغير هديي، تعرف منهم وتنكر. قلت: فهل بعد ذلك الخير من شر؟ قال: نعم، دعاة على أبواب جهنم، من أجابهم إليها قذفوه فيها. قلت: يا رسول الله، صفهم لنا. قال: هم من جلدتنا، ويتكلمون بألسنتنا. قلت: فما تأمرني إن أدركني ذلك؟ قال: تلزم جماعة المسلمين وإمامهم، قلت: فإن لم يكن لهم جماعة ولا إمام؟ قال: فاعتزل تلك الفرق كلها، ولو أن تعض بأصل شجرة حتى يدركك الموت، وأنت على ذلك".. قال الحافظ ابن حجر: المراد بالشر الأول الفتن التي وقعت بعد عثمان، والمراد بالخير الذي بعده ما وقع في خلافة عمر بن عبد العزيز، والمراد بالذين تعرف منهم وتنكر هم الأمراء الذين جاءوا بعده ، فكان فيهم من يتمسك بالسنة والعدل، وفيهم من يدعو إلى البدعة، ويعمل بالجور والظلم .

قلت: والذي يظهر أن المراد بالشر الأول ما أشار إليه من الفتن الأولى، وبالخير ما وقع من الاجتماع بعد علي ومعاوية، وبالدخن ما كان في زمانهما من بعض الأمراء كزياد بالعراق، وخلاف ما خالف عليه من الخوارج، وبالدعاة إلى أبواب جهنم من قام في طلب الملك من الخوارج وغيرهم).

الحل والمخرج

وهكذا يتضح لنا أن الحالة التي عليها المسلمون اليوم من الفساد العقائدي والأخلاقي والتخلف المادي مرده إلى جميع شرائح المجتمع: حكاماً، وعلماء، وعامة.. وأن حالنا هذا لا ينصلح إلا بالسعي الجاد لإصلاح هذه الشرائح جميعاً، فقد كان بنو إسرائيل تسوسهم الأنبياء ومع ذلك كانوا في شقاء وتعاسة وخسران بسبب فساد الرعية وظلمها وتمردها على خالقها وأنبيائه ورسله.

هل المخرج من ذلك بإلقاء كل من هذه الشرائح اللوم على الأخرى؟ هل يكون بالخروج المسلح؟ وبكثرة الشكوى والتظلم للخلق؟ هل يكون بالدفاع عن الحكام واختلاق المبررات لهم في تخليهم عن شرع الله ونبذهم له ؟ هل بالهجر والقطيعة لبعض العلماء والدعاة ؟ هل بالرد على البدعة ببدعة مثلها؟

أم أن الخلاص يكون بالسعي لرد الأمة جمعاء إلى كتاب ربها وسنة رسولها صلى الله عليه وسلم؟ إذ لا صلاح لها إلا بما صلح به أولها

ونذكر الجميع بالقاعدة التي لا تتغير ولا تتبدل: "إِنَّ اللهَ لاَ يُغَيِّرُ مَا بِقَوْمٍ حَتَّى يُغَيِّرُواْ مَا بِأَنْفُسِهِمْ"، ويكون ذلك بالآتي:

أولاً: بالدعاء والتضرع الخالص لله سبحانه وتعالى أن يجعل لهذه الأمة أمراً رشداً يعز به أهل الطاعة ويذل به أهل المعصية

ثانياً: بإحياء فريضة الأمر بالمعروف والنهي عن المنكر في الأمة، فهي صمام الأمان لها، وسبب لعودتها إلى دينها، وكان ذلك هو سبب مدح الله عز وجل وثنائه عليها: "كُنتُمْ خَيْرَ أُمَّةٍ أُخْرِجَتْ لِلنَّاسِ تَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَتَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنكَرِ وَتُؤْمِنُونَ باللهِ".

ثالثاً: بالتوبة الصادقة النصوح من جميع الذنوب والآثام.

رابعاً: بالسعي لتصحيح العقائد والمفاهيم، فكل الفساد الخلقي، والاقتصادي، والسياسي، والاجتماعي مرده إلى الفساد العقائدي

خامساً: بالاشتغال بالعلم الشرعي، حيث كثير من المشاكل والأمراض القاتلة التي تعاني منها الأمة سببها الجهل بالشرع.

سادساً: العمل على لمِّ الشمل بالرجوع إلى الكتاب والسنة، على فهم الصحابة رضوان الله عليهم، فكل من سعى لتجميع الأمة على غير هذا الأساس فمصيره إلى الفشل، والانقسام، والتفرق .

المصدر: مجلة حواء- أمل مبروك

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

19,752,463

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز