بعد سوء استخدامها..

هل فقدت الشعارات مصداقيتها؟!

 

كتبت : مروة لطفي

الشعب يريد إسقاط النظام.. شعار رفعه كل المصريين من كافة الفئات والتيارات في الخامس والعشرين من يناير قبل الماضي، فتحول شعارهم إلي واقع ملموس في 18 يوماً فقط.. بعدها.. توالت الشعارات .. سياسية.. دينية.. فئوية .. وغيرها.. ويوماً بعد يوم رفع البعض شعارات ظاهرها حق وباطنها مصلحة شخصية لا يعلمها أحد سواهم.. فكانت النتيجة فقدان الشعارات لبريقها المعتاد.. فإلي أي مدي تؤثر الشعارات علي أفكار ووجدان المتلقين لها؟!.. وهل فقدت مصداقيتها بفعل استغلال بعضها؟!

«حواء» طرحت هذه التساؤلات وغيرها تنبيهاً وتحذيراً للقارئة والقارئ خاصة وأنن مقدمون على الانتخابات الرئاسية حيث تزداد الشعارات ترويجاً لهذا المرشح أو ذلك 

بدايتنا كانت من مركز الأهرام للدراسات السياسية والاستراتيجية حيث أعد الباحث عادل عبدالصادق دراسة بحثية بعنوان شعارات 25 يناير قراءة فى المغزى والدلالات.. وذلك على ثلاث مراحل، بدأت العملية الأولى بتجميع الشعارات والكتابات الجدارية واللافتات أثناء الثورة وبالتحديد التى تم استخدامها فى ميدان التحرير لاعتبارها المحرك الرئيسى فى الثورة، والثانية عن طريق تصنيفها وتسكينها فى فئات فرعية ثم إخضاعها للتحليل، واستغلال النتائج والتى كشفت عن انعكاس مضمون التنوع والإبداع وقدرة التغيير لدى المصريين.. فإلى جانب بروز شعارات ذات طابع عام مثل «الشعب يريد إسقاط النظام» جاءت أخرى فرعية حين تدخلت فئات مهمشة تطالب برفع المظالم التى وقعت عليها وتعبر عن تأييدها للثورة.. كذلك دعمت هذه الشعارات الطابع التنويرى للثورة، عن طريق التعريف بالحقوق والدعوة الإيجابية والمشاركة، فضلاً عن كشفها للمخزون الثقافى المصرى وطريقة تفاعل المصريين أخلاقياً عن رفض الظلم والاستبداد والقهر الذى ترسخ فى وجدانهم وعقولهم كما رسخت جذور الثقافة الدينية العميقة والتراث الشعبى لدى المصريين.. وربطت مصادر الشعارات بطموحات وأمنيات المواطن المصرى، بينما تناولت أخرى الواقع المعيشى الذى عانى منه المواطن البسيط فى ظل النظام السابق مما جعل تلك الشعارات بمثابة وثيقة تاريخية مهمة فى أحداث ثورة 25 يناير..

حبر علي ورق

- وإذا كانت شعارات الثورة بهذا القدر من الأهمية وفقاً لما كشفت عنه الدراسة السابقة.. فإلى أى مدى تنعكس تلك الشعارات على الساحة السياسية.. العملية .. وحتى الأسرية؟!..

- عيش .. حرية .. عدالة اجتماعية.. شعار رفعه الثوار فى 25 يناير إلا أنه لم ير النور حتى الآن.. بهذه الكلمات بدأ الكاتب الكبير لويس جريس حديثه وأضاف: إن هذا الشعار كان ولايزال الأمل الذى يصبو كل مواطن مصرى لتحقيقه.. لكن للأسف لم يجد من يتبناه ويدعمه سواء من الحكومة أو المجلس العسكرى، مما جعله حبراً على ورق داخل أذهان بعض الناس..

- ويضيف جريس: لقد كشف البرلمان الحالى عن النوايا الحقيقية لمستخدمى الشعارات الدينية فى الوصول إليه.. فهو بمثابة اختبار حقيقى لمدى تطبيق تلك الشعارات فى أدائهم البرلماني.

- وتتفق المستشارة. ليلى جعفر - رئيسة هيئة النيابة الإدارية سابقاً - مع الرأى السابق وتضيف: إن العديد من الشعارات فقدت مصداقيتها خاصة بعد الانتخابات البرلمانية، ويرجع ذلك لما صدر من بعض النواب من أفعال مخالفة تماماً لشعارات الصدق والشفافية التى رفعوها من قبل.. لذا أعتقد أن صناديق الاقتراع فى انتخابات الرئاسة سوف تأتى مخالفة تماماً عن مجلسى الشعب والشورى..

- أما المحامية وفاء المصرى فترى أهمية اختيار مرشح رئاسى يملك القدرة على تحقيق شعار العيش.. الحرية.. والكرامة الإنسانية.. فهو مطلب قامت من أجله الثورة، ومن ثم يعد عدم تحقيقه عودة بنا إلى فساد النظام السابق لهذا أتمنى فوز من لديه الإمكانية والأفكار التى من خلالها يتحول هذا الشعار لواقع ملموس..

رموز الثورة

وتربط الإذاعية اللامعة آمال فهمى ما بين الشعار والمكان قائلة: ما إن أتحدث عن شعارات الثورة حتى أذهب بمخيلتى إلى ميدان التحرير باعتباره الرمز الذى شهدت منصاته ولافتاته على شعارات الوطنية.. الأماني.. والأحلام.. لكن للأسف الشديد انطفأت تلك الشعارات بعدما استغل بعض أصحاب المصالح من التيارات المختلفة الميدان بشعاراته لتحقيق مصالحهم الشخصية.. وازداد الأمر سوءاً بتجمع الباعة الجائلين والخارجين على القانون بالميدان.. هكذا.. سقط المكان من أحاسيسنا ومعه تساقطت الشعارات التى كنا نتباهى بها أمام الدنيا كلها مع بدء الثورة.

لمعان مفقود

- وتضيف آمال فهمى: إن عدم الالتفاف حول شعار واحد بعد نجاح الثورة فى إسقاط النظام وانسحاب بعض الرموز الثورية من الساحة، جعل الشعارات الحقيقية تهتز حتى شعار الجيش والشعب إيد واحدة الذى أطلقه الثوار بنزول أفراد القوات المسلحة إلى الشوارع فقد لمعانه نتيجة بعض الشعارات المعاكسة التى لا أرى سبباً منطقياً لها.. لهذا أؤكد على ضرورة إعادة الأمور لنصابها حتى نعيد شعارات الثورة الحقيقية، فمن خلالها فقط نستطيع النهوض بمستقبل بلدنا حتى تصبح لنا الريادة فى كافة المجالات.

الكفاءة أساس

- ومن الساحة السياسية إلى الحياة العملية والشعارات لا تنتهى حيث يرفع كافة المرءوسين فى جهات الدولة المختلفة شعارات التطهير والقضاء على الفساد بينما يرفع الرؤساء الجدد شعار الكفاءة أساس الاختيار.. فإلى أى مدى تصدق تلك الشعارات؟!..

- يقول محمد عبدالرحيم - موظف بإحدى الوزارات-: بعد قيام الثورة تجمع موظفو المصلحة التى أعمل بها للمطالبة بتغيير مديرنا المعروف بسوء إدارته.. وبدلاً من إقصائه فوجئنا بترقيته لدرجة أعلى وتعيين أنجب تلاميذه فى موقعه السابق، مما أشعرنا بعدم جدوى الشعارات.

- بينما تؤكد دينا فكرى «موظفة بأحد البنوك»: إن اختيار المناصب القيادية لايزال يتم بناء على الثقة وليس الكفاءة والخبرة..

- ويختلف معها محمود مرعي.. - موظف حكومي -قائلاً: لا أحد يستطيع الوقوف أمام الرغبة فى التطهير، لذا تم فصل رئيسنا لفساده الإدارى وعين بدلاً منه آخر معروف بكفاءته وحسن سمعته.

الشعارات الفضفاضة

- ورغم تأثر الكثيرين بالشعارات فى مجالات العمل وغيرها إلا أن درجة مصداقيتها تختلف من شخص لآخر حتى أن البعض يؤكد على عدم تأثره مطلقاً بها ومنهم الفنانة والكاتبة نادية رشاد تقول: على مدار عمرى لم أتأثر يوماً بالشعارات الفضفاضة.. فعادة ما تخفى وراءها كلام ظاهره رحمة وباطنه عذاب، لذا لم أصدقها يوماً أو أعطيت صوتى لأحد سواء على الساحة السياسية أو العملية وفقاً لرفعه أحدها.

- وتشير رشاد إلى سطوة الشعارات على مشاعر كثير من الناس فى كافة المجالات الحياتية حتى العلاقة الزوجية لم تسلم منه، وتوضح ذلك قائلة: منذ قيام ثورة 23 يوليو كان للشعارات بالغ الأثر فى اختيارات المتلقين لها.. ففى فترة الستينيات كان هناك نوع من التساهل والمشاركة فى الحياة الزوجية بدءاً من طريقة الاختيار وانتهاءاً بأسلوب التعامل بين طرفى العلاقة بعد الزواج، ويرجع ذلك للشعارات الاشتراكية التى كانت سائدة حينذاك فانعكست على الشروط المادية من مهر وجهاز ومشاركة الطرفين فى بناء عشهما معاً.. وهو ما رصدته شاشة السينما فى عدة أعمال منها «مراتى مدير عام » وغيرها..

ثم جاءت مرحلة السبعينيات حاملة شعارات الانفتاح والرأسمالية ليصبح المال عنصراً أساسياً فى الاختيار، فلم يعد التكافؤ الثقافى والاجتماعى وحدهما يكفيان للزواج بل دخل العنصر المادى لتكون له أولوية الاختيار. فعلى هذا الأساس تمت العديد من الزيجات والتى كشفت عنها الدراما فى فيلم «انتبهوا أيها السادة».

وأخيراً، جاءت شعارات حقبة الثلاثين السنة الماضية حاملة خليطاً من اللخبطة فظهر شعار تزاوج المال بالسلطة وعليه تمت كثير من الزيجات بينما عانى المواطن الغلبان من البطالة، العنوسة، سوء الاختيار خوفاً من ضياع فرصة اللحاق بقطار الزواج..

كلام معسول

- ولأن الشعارت اقتحمت كافة المناحى الحياتية فكان من الضرورى معرفة آراء أساتذة علم النفس والاجتماع.. تقول د. فؤادة هدية - أستاذة بمعهد الدراسات النفسية والاجتماعية بجامعة عين شمس: هناك علاقة بين الشعارات ورؤية المتلقين لها.. فعادة ما يتأثر الناس بالشعارات خاصة إذا لمست احتياجاً كامناً داخلهم، فينتابهم الحماس والإقدام على تلك الشعارات ويلهثون وراء من يرفعها.. لكن ما أن يكتشف أحدهم عدم مصداقيتها حتى يفقد حماسه، وهو ما حدث فعلياً للكثيرين منذ بدء الثورة وحتى يومنا هذا، فقد تأثر معظمنا بالشعارات الثورية حتى أن البعض اختار أعضاء البرلمان على أساسها، وبمجرد ما ظهر استغلال بعضها حتى فقدت مصداقيتها.

وأعتقد أن ما حدث من فوضى الشعارات يعد أمراً طبيعياً مصاحباً لكل الثورات فى مراحلها الانتقالية بعدها تستقر الأمور ويعود للشعارات لمعانها المعتاد..

- وتتفق د. شادية قناوى - أستاذة علم الاجتماع - مع الرأى السابق وتضيف: إن الأمية الكتابية والثقافية المتفشية فى مجتمعنا أدت إلى استخدام البعض للشعارات كى يحققوا مصالح شخصية حتى انقشعت غمامة أكاذيبهم، ومعها فقدت بعض الشعارات مصداقيتها، ولكى نعيد للشعارات بريقها فنحن بحاجة لاستراتيجية طويلة المدى من خلالها نوضح للمجتمع ككل الفرق بين الشعار الحقيقى والكاذب.. وندرب المواطن على استخدام الشعار الذى يحمل ظاهره وباطنه مضموناً واحداً.. ولكى يحدث هذا لابد من تضافر المؤسسات التعليمية، الإعلامية، والدينية حتى نوعى المواطن باحترام الشعار الذى يرفعه؛ وهنا فقط يصبح للشعار قيمة وبريق لا ينطفىء بفعل المصالح والأغراض الشخصية .

المصدر: مجلة حواء- مروة لطفي

ساحة النقاش

hawaamagazine
مجلة حواء أعرق مجلة للمرأة والأسرة المصرية والعربية أسسها إيميل وشكرى زيدان عام 1955، وترأست تحريرها الكاتبة أمينة السعيد، ومن يوم تأسيسها تواكب المجلة قضايا وهموم المرأة والأسرة المصرية والعربية. »

ابحث

تسجيل الدخول

عدد زيارات الموقع

22,813,212

رئيس مجلس الإدارة:

عمر أحمد سامى 


رئيسة التحرير:

سمر الدسوقي



الإشراف على الموقع : نهى عبدالعزيز